رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبد المنعم الشحات 7 أغسطس، 2022 0 تعليق

شبهات حــول الحجاب             (2)

ما زال الحديث مستمرا في الرد على الشبهات المثارة حول فرضية الحجاب؛ حيث بينا في المقال السابق أن بعض المغرضين لا يكف عن التلاعب بالثوابت تحت ذرائع شَتَّى، ومن ذلك إنكار فرضية الحجاب على المرأة المسلمة؛ متذرعين بعددٍ مِن الشبهات الواهية، وذكرنا في المقال السابق المحور الأول وهو: وجوب اتباع الشريعة ومنهج تفسير نصوصها، واليوم نتكلم عن المحور الثاني: بيان معنى (الحجاب والجلباب والخمار وستر العورة).

      قال الله -تعالى-: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا}، وشاع في الأمة منذ ذلك الحين أن يسموا تلك الآية: (آية الحجاب)، وأن يقولوا فُرِض علينا الحجاب أو ضرب علينا الحجاب، كما قالت عائشة -رضي الله عنها- وهي تحكي واقعة الإفك: «فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَكُنْتُ أُحْمَلُ في هَوْدَجِي، وَأُنْزَلُ فِيهِ»، وهذه الآية وإن كان الخطاب فيها لأمهات المؤمنين، إلا أن التعليل فيها: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}، يجعل دخول عموم المؤمنات فيها دخولًا أولويًّا.

وجود حاجز بين الرجل والمرأة للحاجة

      وهذه الدرجة مِن وجود حاجز بين الرجل والمرأة إذا كانت ثمة حاجة مباحة تستلزم الكلام بينهما هي أعلى الدرجات، وقد بيَّنت الآيات بعدها، وجاء في السنة صفات يجب أن توجد في ثياب المرأة المسلمة متى احتاجت إلى الخروج من بيتها.

استعمال الحجاب بصيغة الأمر

      وقد جاء استعمال الحجاب بصيغة الأمر: كما أخرج أبو داود والترمذي في «السنن» عن نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- حَدَّثَتْهُ: أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَيْمُونَةَ، قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أُمِرْنَا بِالحِجَابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «احْتَجِبَا مِنْهُ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا وَلَا يَعْرِفُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟! أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ؟!»، قال الترمذي: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ».

كلمة الحجاب كلمة قرآنية

      ومن هنا يعلم: أن كلمة الحجاب كلمة قرآنية، وأنها كانت مستعملة للدلالة على هذه الفريضة، وإن كانوا لم يسموا بها ملابس معينة؛ فسواء لبست المرأة جلبابًا أو درعًا، أو غير ذلك؛ فيراعى أن يكون حجابًا.

وصف الثياب عند المتأخرين

      ثم غلب على المتأخرين وصف الثياب التي تحقق شروط الحجاب بأنها: «حجاب»، وهاهنا كان على «الهلالي» أن يراعي العرف؛ لكونه مجرد عرف لفظي يوافق الشرع ولا يخالفه، بدلًا من محاولة خداعه للمشاهِد أن الحجاب كاسم أو مسمَّى هو من اختراع التيارات الإسلامية!

الجلباب

     والجلباب: هو الثوب الذي تلبسه النساء، وقد أمر الله المؤمنات بصفةٍ معينةٍ في جلباب المرأة المسلمة، فقال {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}، إذًا فالجلباب اسم عربي لنوعٍ مِن الثياب الذي يرتدينه النساء، وأمر به الشرع المؤمنات أن يدنين الجلباب من فوق الرؤوس؛ فيستر الرأس والشعر، وسائر البدن، ومِن ثَمَّ يكون هذا الجلباب حجابًا أو قائمًا مقام الحجاب، أي: يكون قائمًا مقام حاجز بين الرجل والمرأة، المذكور أولًا.

الخمار

      والخمار: هو غطاء الرأس؛ وحيث إن الشرعَ لم يشترط نوعًا معينًا من الثياب على المرأة، وإنما اشترط أن تكون الثياب محققة لشرط ستر العورة، وحيث إن النساء في الجاهلية كن يبرزن القلادة وما حولها، فقد أمر الشرع النساء إذا لبسن درعًا وخمارًا (الدرع ثوب أشبه بما نسميه اليوم بالعباءة) فأمر في هذه الحال بضرب الخمار على الصدر، فقال -تعالى-: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}.

ستر العورة

      وستر العورة: مِن الأمور المجمع على وجوبها على الرجال والنساء، في الصلاة وخارجها، وأن حدَّ هذه العورة ثابت بالشرع، والالتزام بهذا الواجب في حق المرأة يعني التزامها بالحجاب، وهو المصطلح الذي شاع أكثر في العصر الحديث دون أن يكون في شيوعه أي إضافة لما سبق أن أجمعت الأمة عليه؛ ولذلك كان مِن مخادعات «الهلالي» أن يأتي بنقلٍ عن (ابن رشد في بداية المجتهد)، ثم يكمله مِن عند نفسه!

      قال ابن رشد -رحمه الله-: «اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ بِإِطْلَاقٍ، وَاخْتَلَفُوا: هَلْ هُوَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْعَوْرَةِ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ: أَنَّهَا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ».

      وهنا تجدر الإشارة إلى أن ستر العورة واجب إذا كان الإنسان بحضرة مَن يجب أن يستر عورته منهم، ويشرع أيضًا في الصلاة، وبالتالي فأي خلاف يُروَى في شأن ستر العورة في الصلاة لا يؤثِّر على الإجماع الذي عَبَّر عنه ابن رشد بقوله: «اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ بِإِطْلَاقٍ».

هذا ليس هو موطن الإجماع

      وقد خدع بعض المشهورين مستمعيه ومشاهديه: حينما زَعَم أن هذا هو موطن الإجماع، وهو ستر العورة، وأنه متروك لكي نحدِّد العورة عُرْفًا، مع أن ابن رشد الذي اختار أن ينقل كلامه بيَّن القَدْر المجمع عليه في بيان حدِّ العورة، فقال: «أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ حَدُّ الْعَوْرَةِ مِنَ الْمَرْأَةِ؛ فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ بَدَنَهَا كُلَّهُ عَوْرَةٌ مَا خَلَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ قَدَمَهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ، وَذَهَبَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عبدالرَّحْمَنِ، وَأَحْمَدُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ».

      إذًا هناك قدر متفق عليه أنه داخل في العورة، وانحصر النزاع في الوجه والكفين، وهو الخلاف المشهور، وخلاف ضعيف بشأن ظاهر القَدَم.

      ويُلَاحَظ: أن ابن رشد لم يعرِ القول الذي دندن حوله «هؤلاء» كثيرًا مِن أن الذراع داخل ضمن ما يمكن كشفه، وهو القول المنسوب لأبي يوسف؛ وهذا إما لضعفه الشديد، وإما لكونه ليس متعلقًا ببيان حدِّ العورة، وإنما يتعلق برخصة انفرد بها أبو يوسف، ولم تُعتمَد في المذهب، ورغم ذلك هي في شأن امرأة تلي عمل يلزم منها كشف ذراعها، فقال حينئذٍ تكشفه، ويلزم مَن حضر مِن الرجال غض البصر.

مما ينبغي التنبيه عليه

     ومما ينبغي التنبيه عليه: أن عامة العلماء على أن عورة المرأة في الصلاة أخف من عورة النظر؛ بمعنى أن القائلين بوجوب ستر الوجه والكفين يقولون بجواز كشفهما في الصلاة إن أمنت المرأة في الصلاة أن ينظر الأجانب إليها، وهذا الخلاف الفقهي لا ينبغي أن يستثمر في توهين الإجماع على وجوب ستر العورة، والإجماع على أن بدن المرأة كله عورة إلا ما استثني، وهو: عينها عند فريق، ووجهها وكفيها عند فريق، وتجدر الإشارة أيضًا الى أن القول بدخول القَدَم فيما يمكن كشفه، قول ضعيف أهمله ابن عبدالبر في حكاية مذاهب العلماء.

ستر العورة فرض واجب

     قال الحافظ ابن عبدالبر في (الاستذكار): «أجمع العلماء على أن ستر العورة فرض واجب بالجملة على الآدميين»، ثم قال: «الذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق: أن على المرأة الحرة أن تغطي جسمها كله بدرع صفيق سابغ، وتخمِّر رأسها؛ فإنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وأن عليها ستر ما عدا وجهها وكفيها»، وكذلك ابن حزم في «مراتب الإجماع»، ولم يتعقبه ابن تيمية؛ وذلك لاحتمال أن الإمام أبا حنيفة أراد بذلك الرخصة عند وجود الحاجة إليها، ولمخالفة ذلك للأحاديث الصحيحة، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إليه يَوْمَ القِيَامَةِ»، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا»، فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِف أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ: «فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ»، قال الترمذي: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ».

      وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ؟، قَالَ: «إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا»، قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك