رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر التربوي 14 مارس، 2023 0 تعليق

شباب تحت العشريت – 1169

 

اغتنم خمسًا قبل خمس

     عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم  لرجلٍ وهو يَعِظُه-: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناءكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَراغَكَ قبلَ شُغلِكَ، وحياتَكَ قبلَ موتِكَ».

     هنا يُوصينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوصية من أعظم الوصايا، ويحضُّنا أشدَّ الحضِّ، ويدعونا إلى اغتنام الفرص في زمن المهلة، ويخبرنا أنَّ مَن فرَّطَ في ذلك قد يأتي زمان يتمنَّاه، وقد حيل بينه وبينه، فبعد كل شباب هَرَم، وبعد كل صحة سَقَم، وبعد كل غِنى فقر، وبعد كل فراغ شغل، وبعد كل حياة موت، فمن فرَّط في العمل أيام الشباب لم يدركه في أيام الهَرَمِ، ومَن فرَّط فيه في أوقات الصحة لم يدركه في أوقات السقم، ومَن فرَّط فيه في حالة الغِنى لم يدركه في حالة الفقر، ومَن فرَّط فيه في ساعة الفراغ لم يدركه عند مجيء الشواغل، ومَن فرَّط في العمل في زمن الحياة لم يدركه بعد حيلولة الممات، وعنِ ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نِعمَتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ»؛ رواه البخاري، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزول قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن عُمُرِه فيمَ أفناهُ، وعن عِلْمِه فيمَ فَعَلَ، وعن مالِه مِن أينَ اكتَسَبَه، وفيمَ أنفَقَه، وعن جِسْمِه فيمَ أبْلاه».

     لذا كان لزامًا على كل شابٍّ أن يغتنم هذه الخمس، وأن يعتبر بوصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل أن تذهب هذه الخمس، وقبل أن يأتي يوم يتمنَّى فيه الإنسان أن يقدم لنفسه ما يحب من خير وبِرٍّ وصدقة وتطوُّع، وما يرفع منزلته في الدنيا والآخرة فلا يستطيع.

 

الآ داب الشرعية السامية

     التحلي بالآداب الشرعية السامية، والأخلاق النبوية العالية، التي تجمل شخصيتك، وتكسبها التميزَ والتفرد، كالاتصاف بالصدق في الأقوال والأفعال، الذي هو مناط الصلاح، ومآبُ الفلاح، فقد ذكر ربُّنا -عز وجل- في كتابه الحكيم: مُدخَل الصدق، ومُخرَج الصدق، ولسان الصدق، وقَدَمَ الصدق، ومَقعد الصدق، وكأنَّ الصدق يحيط بالمؤمن من كلِّ جانب، فلا مكان للكذب في حياته، ولا موطنَ للتحايل في سلوكه، وقد حثَّ رسولنا - صلى الله عليه وسلم - على ضرورة التنزه عن الكذب وقال: «اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ»، بل جعل الكذب اضطرابًا في الشخصية، ومَجلَبةً للحزن والقلق، فقال: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ»؛ وجعل جزاء المترفع عن الكذب بيتًا في وسط الجنة، فقال: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ».

 

 

الرجوع إلى الحق

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-:

     كثيرٌ من الناس ينتصر لنفسه، فإذا قال قولًا، لا يمكن أن يتزحزح عنه، ولو رأى الصواب في خلافه، ولكن هذا خلاف العقل وخلاف الشرع، والواجب أن يرجع الإنسان للحقِّ حيثما وجده، حتى لو خالف قولَه فليرجع إليه، فإن هذا أعزُّ له عند الله، وأعز له عند الناس، وأسلَمُ لذِمَّتِه وأبرأُ ولا يضره، فلا تظنَّ أنك إذا رجعت عن قولك إلى الصواب أن ذلك يضع منزلتك عند الناس؛ بل هذا يرفع منزلتك، ويعرف الناس أنك لا تتبع إلا الحقَّ، أما الذي يعاند ويبقى على ما هو عليه ويرُدُّ الحق، فهذا متكبِّر، والعياذ بالله.

 

مواقف مشرقة لشباب

الصحابة في تحمل المسؤولية

      تميَّز شباب صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحمل المسؤولية، والأعباء، وبتقلد الأمور، وهم في السن المبكرة؛ لأن هذه النفوس الوثابة، كانت تريد فعلاً نصرة الله ورسوله، كانوا يريدون عز الإسلام، وطاعة الرحمن، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأحدهم: «يا زيد، تعلم لي كتاب يهود؛ فإني والله ما آمن يهود على كتابي»، قال زيد: «فتعلمت كتابهم، ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب»، فهذا تعلم لغة بأكملها، تعلم لغة في خمسة عشر يوماً لحاجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحاجة الإسلام، وهكذا استمرت معه هذه الخصلة ليقال له بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا زيد» لكن القائل أبو بكر هذه المرة، «إنك رجل شاب عاقل، ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتتبع القرآن فاجمعه»، وهكذا يقول زيد، وهو يشعر بثقل هذه المهمة، والعبء الذي كُلفه: «فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن…، فقمت، فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع، والأكتاف والعُسب، وصدور الرجال»، وهكذا كُلِّف زيد - رضي الله عنه - رئاسة اللجنة التي شُكِّلت من الصديق والفاروق لجمع القرآن الكريم، فأيُّ مهمة تلك التي قام بها ذلك الشاب! نفعت أجيال الأمة إلى أن تقوم الساعة، وكانت من أسباب حفظ الله لكتابه.

 

عظم أمنيات الصحابة

     شباب الصحابة كانت أمنياتهم تدل على ما فيه نفوسهم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لشاب صغير من الصحابة، وهو ربيعة بن كعب الأسلمي: «سل» اطلب ما تريد، فقلت: أسألك مرافقة في الجنة، قال: «أو غير ذلك؟» قلت: هو ذاك، قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود».

 

فساد الخلق

     قال الشيخ عبدالرزاق عبدالمحسن البدر: كل من يعبد غير الله خُلقه من أفسد الأخلاق، فأين الخُلق في رجل خلقه الله، وأمدَّه بالرزق، وتفضل عليه بالنعمة، وأمده بالعطاء والصحة والعافية، ثم يلجأ إلى غير الله، ويصرف العبادة لغيره ؟! ولهذا فإن فساد الخُلق ملازم للشرك؛ فكل مشرك فاسد الخلق؛ لأن شركه جزء من فساد الأخلاق، بل هو أشنع ما يكون في فساد الأخلاق، فلا يُغتر ببعض المعاملة الحسنة التي يكون عليها بعض الكفار؛ لأنها لمصالح دنيوية ومقاصد آنيَّة، لا يرجون عليها شيئًا عند الله وثوابًا يوم لقاه -سبحانه وتعالى.

 

الشباب هو فترة عمرك الذهبية

     الشباب هو فترة عمرك الذهبية التي لا تعوضها فترة، كنت طفلاً لا تستطيع أن تقوم فتمشي، ثم قمت لكن لتحبو، ثم سرت لكن لتسقط، ثم أصبحت فتى تسير تهد الأرض، تسرع في مناكبها، وتمشي في طرقها، وتصنع وتصنع، لكن لا تنس أن لك مثل الأولى، ستعود إن أذن الله شيخاً كبيراً هرماً لا تستطيع الركض، بل لا تمشي إلا على عكاز، ثم قد تعود بعدها لا تمشي إلا حبواً، ثم قد تصير بعد ذلك لا تستطيع الحراك، وقد ترهّلت عضلاتك، وضعفت قوتك، وذهب سمعك وبصرك، تذكّر أخي الشاب أن الشباب وقت البناء الحقيقي، وقتٌ تستغله في طاعة الله، ووقتٌ تستثمره في عبادة الله، وأفضل سنين عمرك، فلا تُضيع الشباب.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك