رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 4 أغسطس، 2022 0 تعليق

شبابنا وطاقاتهم المعطلة

اهتم سلفنا الصالحُ بالشباب المسلم اهتمامًا عظيمًا تعليمًا وتربية وتوجيهًا ورعاية حتى الصبيان منهم والصغار 

لابد من حفظ أوقات الشباب من الهدر وأعمارهم من الضياع وأخلاقِهم من الانهيار وعقولهم من الجمود

إن تعطيل إمكانيات الشباب وعدم توجيه طاقاتهم إلى ما ينفع يعود بالضرر على الجميع

 

اهتم سلفنا الصالحُ بالشباب المسلم اهتمامًا عظيمًا، تعليمًا وتربية، وتوجيهًا ورعاية، حتى الصبيان منهم والصغار كانوا يجدون أعظم اهتمام، يجلس إليهم كبار العلماء، وأئمة الحديث، يحدثونهم ويعلمونهم، هذا الأعمش (الإمام المحدث المشهور) يمر عليه رجل وهو يحدث فقال له: تحدث هؤلاء الصبيان! فقال -رحمه الله-: إن هؤلاء يحفظون عليك دينك. أي: إنه يحدثهم فيحفظون حديثه، فهم يحفظون الدين ثم يبلغونه. وقال: كان إسماعيلُ بن رجاء يجمع صبيان الكُتَّاب يحدثهم حتى لا ينسى حديثه.

     كانوا يعلمونهم الأدب والعلم، وينشئونهم على طاعة الله -عز وجل-، ويزرعون فيهم الهمم العالية، ويوقدون في قلوبهم الحماسة للأعمالِ الجليلة، والمهامِ العظيمة، قال عروة بن الزبير لبنيه: أي بَنيَّ، هلموا فتعلموا؛ فإنكم توشكون أن تكونوا كبار قوم، وإني كنت صغيرًا لا يُنظر إليّ؛ فلما أدركت من السن ما أدركت جعل الناس يسألونني، وما أشدَّ على امرئٍ أن يسأل عن شيء من أمر دينه فيجهله!

     قارنوا بين هذا الكلام المتين، والتوجيه الحكيم، وبين من يسلم أولاده لقناة منحرفة، أو مربية غير مسلمة، أو يجعلُ مثَلَهم الأعلى مغنيًا هابطًا، فنانًا ماجنًا، فما أبعد ما بينهما!

حفظ أوقات الشباب

     وليس مقصود هذا الكلام أن يصبح الشباب كلهم علماء في الشريعة، فذلك حسن ولكنه غير ممكن، ولكن المطلوب حفظُ أوقاتهم من الهدر، وشبابهم من الضياع، وأخلاقِهم من الانهيار، وعقولهم من الجمود، وأجسادهم من الكسل.

لنا في سلفنا الصالح قدوة

     ولنا في سلفنا الصالح قدوة؛ حيث كانوا يرفعونهم عن دنايا الأمور، ويربؤون بهم عن رديء الأخلاق، وضياع الأوقات في البطالة، ويحفظونهم من مصاحبة الأشرار وقرناء السوء، ويوجهونهم إلى ما ينفعُهم حتى في أمور الدنيا. قال عليُ بن جعفر: مضى أبي إلى أحمد بن حنبل وذهب بي معه، فقال له: يا أبا عبدالله، هذا ابني، فدعا لي وقال لأبي: ألْزِمه السوق وجنبه الأقران. فحذّره من قرناء السوء، وصحبة البطالين، ووجهه إلى السوق؛ حتى يتعلم ويكتسب. ولا يلزمُ من ذلك أن يكون محتاجًا إلى المال، ولو لم يشتغلْ إلا المحتاجون حاجة شديدة لتعطلت مصالح العباد، إنما العمل طاعة وعبادة، فيه نفع للنفس، ونفع للناس، ونفع للأمة بزيادة الإنتاج، وذلك خيرٌ من القعود والكسل، يقول شعيب بن حرب: لا تحقرن فلسًا تطيعُ الله في كسبه، وليس الفلسُ يراد إنما الطاعةُ تراد، عسى أن تشتري به بقلاً فلا يستقر في جوفك حتى يُغفر لك.

ضعف الشعور بالمسؤولية

      ولكن ربما يستحيي بعضُ الشباب أن ينزل إلى السوق؛ فيبيع ويشتري، مع أن هذا ليس من مواطن الحياء؛ فماذا عليه لو أصلح شؤون الدار؟ وما من دارٍ إلا وفيها ما يحتاج إلى إصلاح وصيانة، وربُ الأسرة عن ذلك مشغول، وكثيرٌ من الأعطال في الدور لا تحتاج مهندسًا خبيرًا، لكنها تحتاج جادًّا صبورًا، ومن المؤسف جدًا أن تُستدعى إلى البيت شركة أو مؤسسة من أجل إصلاح خلل سهل يمكن إصلاحه من دونها، وفي البيت خمسة رجالٍ أو عشرة يمكنهم أن يبنوا بيتًا لو استثمروا، ولكنه سوءُ التربية، وضعفُ الشعور بالمسؤولية، والاتكالية المفرطة، والرفاهية المسرفة، التي تجعل الشاب يأنف من كل شيء، ولا يحسن أي صنعة أو عمل.

الإمام أحمد -رحمه الله

     ولقد كان الإمام أحمد -وهو إمام أهل عصره- يعمل شؤون داره بنفسه، ولو أراد لأومأ بيده فبنت له الأمة عشرين دارًا؛ ولكنه نبذ الكسل والتواكل، يقول ابنه صالح: كان أبي ربما أخذ القَدُّوم وخرج إلى دار السكان يعمل الشيء بيده، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: الخُرْقُ في المعيشة أخوف عندي عليكم من العوز، لا يقل شيء مع الإصلاح، ولا يبقى شيء مع الفساد.

تعلمُ العلم وتعليمُه

     وأعظم شيء تُقضى فيه أوقات الفراغ: تعلمُ العلم وتعليمُه والدعوة إلى الله -عز وجل-، ماذا على الشاب الذي حفظ القرآن أو جزءًا منه أن يَعلِّم غيره ممن لم يحفظ؟ و»خيركم من تعلم القرآن وعلمه». وإلحاق الأولاد في حلقات التحفيظ من أعظم وسائل نفعهم، وحفظ أوقاتهم من الضياع، وأخلاقهم من الفساد. وجزى الله القائمين على تعليم أولادنا القرآن خير الجزاء؛ إذ بذلوا أوقاتهم، وصرفوا أعمارهم في خدمة كتاب الله -تعالى-، ونَفْعِ شباب المسلمين به. والدورات العلمية، والدروس، والمحاضرات من الكثرة بما لا يدع فراغًا عند الطالب الجادّ والحريص.

أصحاب التخصصات التجريبية

     وأصحاب التخصصات التجريبية الذين ليس لهم ميول إلى العلوم الشرعية ماذا عليهم لو قضوا أوقاتهم فيما يستطيعون من التجارب والأبحاث في تخصصاتهم المختلفة؟! وهم في أبحاثهم وتجاربهم في عبادة ما دام قصدهم نفع المسلمين، ولو وجد هذا الحس والشعور عند شباب المسلمين لقضي على كثير من مشاكلهم التي أنتجها الفراغ، ولأحسوا بطعم الحياة حلوة في ميادين البحث والعلم والتجارب، ولنفعوا أمتهم نفعًا عظيمًا.

تعطيل إمكانيات الشباب

     إن تعطيل إمكانيات الشباب، وعدم توجيه طاقاتهم إلى ما ينفع يعود بالضرر على الجميع، وأعظم ضرر يجنيه بعد فساد دينهم وأخلاقهم تبلد إحساسهم، وانحطاط همتهم، وقصور إرادتهم، والإنسان يختلف عن الحيوان في هذه الناحية، فالحيوان يولد مبرمجًا برمجة كاملة، يظل إنتاجه كما هو منذ ولادته حتى وفاته، فدودة القز مثلاً تنسج خيوط الحرير بطريقة واحدة، وعلى مستوى من الدقة واحد، منذ وجدت وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أما الإنسان فهو بمنزلة مشروع مقترح ومفتوح لكل احتمالات التألق والانطفاء، والطموح والجمود، وإمكانيات الخير والشر، ومعضلة الإنسان أنه لا يشعر بالحاجة إلى المجاهدة، فهو في الغالب يتوهم أنه قد ورث الكمال كله في العقل والجسم، وأنه يمثل الكمال في الفعل والسلوك.

عين المشكلة وجوهر المعضلة

     وهذا ما يجعل كثيرًا من الشباب يظنون أنهم ما داموا نجحوا في دراستهم فقد انتهى دورهم في الحياة حتى تُفتح المدارس مرة أخرى، فلا يحفظون أوقاتهم، ولا يستثمرون شبابهم، يقضون الليل في سهر لا يفيد، والنهار في نوم وبطالة، وهم مع ذلك يشعرون أنهم لم يقصروا في شيء ما داموا قد نجحوا، وهذا هو عين المشكلة، وجوهر المعضلة، لابد أن يزال هذا الشعور الخطأ بخلفياته وتراكماته، ولابد أن يغرس في قلوب الشباب أنهم قادرون على الإنتاج والعطاء والنجاح أكثر وأكثر، وأن الأمة في أمس الحاجة إلى عطاءاتهم وإبداعاتهم حتى في أيام إجازاتهم.

أمتنا وأوقات الشباب

     إنَّ الدول المتقدمة في اقتصادها ونموها تدرك أهمية الوقت؛ ولذا فهي تحسب تكلفة السلع من خلال ساعات العمل التي تنفقها فيها؛ إذ لا تختلف قيمة الوقت عن قيمة المواد الأولية المستخدمة فيها، ولعل من الطريف أن تعلموا أن دولة من الدول الصناعية الكبرى عينت من ضمن وزرائها وزيرًا للأوقات الضائعة، -ومع بالغ الأسف- فإن الأمة الإسلامية التي حثت نصوص دواوينها على الوقت أكثر من أية أمة أخرى تضيع أوقات شبابها في الإجازات هدرًا، سهر في الليل، ونوم في النهار، قلوب خالية من دوافع وأهداف، ونفوس لا تتحمل المسؤوليات، وذلك من سوء التربية، فهل تهدم أمة شبابها بأيديها في وقت أيقن العالم كله أن بناء الأمة لا يكون إلا بسواعد أبنائها؛ فاتقوا الله ربكم، واحفظوا شبابكم، ووجهوهم إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك