رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد احمد لوح 8 فبراير، 2017 0 تعليق

شبابنا والعلم الشرعي أزمة منهج أم فتنة بهرج؟

إن المتأمل لأحوال هذه الأمة في ظروفها الراهنة يلاحظ تقاعساً وتراجعاً في أكثر من ميدان، والذي يؤسف له غاية الأسف أن ميدان طلب العلم الشرعي المؤصل عبر وسائله وآلاته لم يسلم من عوامل التقهقر وعوارض الضعف، وكما يفترض أن يكون شباب الأمة هم المرآة العاكسة لحالتها، والموطن الأكثر تحسُّساً لأمراضها فقد ظهر جليا ضعف الشباب عن تحصيل العلم الشرعي وآلاته في وقت تشهد الحضارة الإنسانية تطوراً غير مسبوق في المجالات جميعها، ومنها مجال الوسائل التعليمية.

وإن المرء ليخجل أمام التاريخ حين يرى أن عددا كبيرا من سلفنا السابقين - الذين إذا ذكروا ذكرت الهمة العالية، والذين قدموا للعلم والتراث الإنساني خدمات جليلة - فارقوا هذه الدنيا في ريعان الشباب، ولم يتجاوزوا الأربعين ربيعا من أعمارهم المباركة.

هل مشكلتنا مشكلة منهج؟

     هل مشكلتنا التعليمية اليوم مشكلة منهج ؟ بمعنى أن مناهج التعليم المقررة قد ضعفت وضعف بذلك مخرجات كلياتنا وجامعاتنا؟ أم أن المناهج لا تزال تحظى ببعض القوة لكن صوارف العصر وبهرجته - من شبكات محلية ودولية، سلكية ولا سلكية، وأقراص مسموعة ومرئية تحوي الغث والسمين - قد صرفت شبابنا عن الجدية في الطلب، والمثابرة في سبيل تحصيل العلم؟

     وفي السطور الآتية عرض موجز يلقي ضوءًا على اليسير من نماذج فحول العلم الذين سجل لهم التاريخ سبقا في بابه وهم مازالوا في مقتبل العمر؛  ليكونوا نبراسا لشبابنا اليوم عسى أن يكون في ذلك ما يحرك فيهم همة حافزة تدفعهم للتصحيح والمراجعة والنهوض.فإلى النماذج:

الصحابي الجليل معاذ بن جبل -رضي الله عنه-

      الذي قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم : «...وأعلمهم - يعني الصحابة - بالحلال والحرام معاذ بن جبل»  ذلك الذي قال عنه عمر: «عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ، ولولا معاذ لهلك عمر»؛  لذلك قال الحافظ ابن حجر: «الإمام المقدم في علم الحلال والحرام» وقد يحسب من يقرأ سيرته أنه من كبار شيوخ الصحابة، ومع ذلك كان وفاته بالطاعون في الشام سنة سبع عشرة، وعاش أربعاً وثلاثين سنة فقط. 

الحافظ ابن عبد الهادي

صاحب التصانيف المحررة (كالعقود الدرية)، و(المحرر في الحديث) وغيرهما توفي -رحمه الله- سنة 744 هـ عن 39 عاما وقيل 40، قال الصفدي في الوافي بالوفيات: «لو عاش لكان آية».

العلامة علي بن عبد الكافي

     الذي قال عنه الحافظ الذهبي: «الفقيه الحافظ مفيد الطلبة... أحد من عني بهذا الشأن-علوم الحديث- وكتب الكثير وخرج وعلق وكان من الأذكياء المعدودين، وكتب العالي والنازل، وكان صحيح القراءة، مليح الكتابة، سريع القلم، مات شابا طريا وفي قلبه حسرة من الرحلة إلى مصر- عوضه الله بالمغفرة- مات في ربيع الآخرة سنة اثنتين وسبعين وست مائة وله ست وعشرون سنة ولو عاش لما تقدمه أحد».

محمد بن موسى، جمال الدين

     هو أبو عبد الله المراكشي المالكي المكّي ترجم له ابن حجر فقال: «نشأ بمكة، وأحب الحديث؛ فرحل فيه إلى مصر والشام وحلب واليمن وغيرها، وجمع شيئاً كثيراً، وكان فهِماً ذكيًّا، ذاكراً للوفيات والعوالي، وله تخاريج وتعاليق صار أكثرها بأيدي أهل اليمن؛ لأنه كان قد تحوّل إليها، وتولّى بعض المدارس بها، فكان يحجّ كل سنة ويرجع، فقُدِّرَ أنه مات بمنى وله نيّف وعشرون سنة».

صلاح بن أحمد بن مهدي المؤيدي

      قال الشوكاني -رحمه الله-: «كان من عجائب الدهر وغرائبه؛ فإن مجموع عمره تسع وعشرون سنة، وقد فاز من كل فن بنصيب وافر، وصار له في الأدب قصائد طنانة، يعجز أهل الأعمار الطويلة عن اللحاق به فيها، وصنف في هذا العمر القصير التصانيف المفيدة، والفوائد الفريدة العديدة؛ فمن مصنفاته (شرح شواهد النحو)، واختصر شرح العباسي لشواهد التلخيص، وشَرَح (الفصول) شرحاً حافلاً، وشَرَح (الهداية) ففرغ من الخطبة وقد اجتمع من الشرح مجلد. وله مع ذلك ديوان شعر كله غررٌ ودررٌ وفيه معانٍ مبتكرة».

الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب

     ولد سنة 1200هـ، ألف (أوثق عرى الإيمان)، وشرح كتاب التوحيد في (فتح المجيد) وفي (تيسير العزيز الحميد)، وغير ذلك من التصانيف الرائقة، وجاء في كتاب (تذكير النابهين بسير أسلافهم حفاظ الحديث السابقين واللاحقين) للشيخ ربيع بن هادي المدخلي: «كان آية في العلم، والحلم، والحفظ والذكاء، له المعرفة التامة في الحديث ورجاله، وصحيحه، وحسنه وضعيفه، والفقه والتفسير والنحو، وكان في معرفة رجال الحديث يسامي أكابر الحفاظ، وضرب به المثل في زمنه بالذكاء، وكان حسن الخط، ليس في زمنه من يكتب بالقلم مثله».

كان يقول: «أنا برجال الحديث أعرف مني برجال الدرعية». أجازه الإمام محمد بن علي الشوكاني.

قتله إبراهيم باشا، بعد دخوله الدرعية سنة 1233هـ وكان عمره 33سنة.

الشيخ حافظ الحكمي

صاحب التصانيف الكثيرة المتنوعة في كل الفنون، ناظم (سلم الوصول) وشارحه في (معارج القبول)، وشهرته تغني عن التعريف به، توفي 1377هـ وعمره 35 عاما فقط.

محمد جوب الككي السنغالي

     وُلد في كُكِّي -قرية جده مختار نُمْبِه- سنة 1830م ونشأ وترعرع فأخذ العلم عن علماء (انجابور)، ثم ارتحل إلى جامعة (بير) في (كاجورْ) فأخذ عن علمائها، ثم عبر النهر إلى بلاد الشنقيط فأكثر من الحفظ، وكان آية في الذكاء والنبوغ، ثم عاد إلى مسقط رأسه مدرِّساً؛ فقصده فحول العلماء في ذلك الوقت للاستفادة من علمه الغزير، غير أنه لم يلبث إلا لفترة قصيرة قبل أن يرحل عن هذه الدنيا حين وافته المنية 1870م عن عمر يناهز الأربعين من جراء حية لدغته وهو يؤدي صلاة العشاء، وسجل ذلك من رثاه من العلماء كالقاضي مجختي كَلَهْ الذي قال:

نعا ليَ ناعٍ أبرع العلمــاءِ

                                 وأسبقهم في نُهيةٍ ودهــــاءِ

وأنبأني أنْ ساورته ضئيلــةٌ

                                 من الرقش في المحراب وقت عشاءِ 

ورغم قصر عمره إلا أنه ترك علماً غزيراً من خلال كتابه الشهير ((المقدمة الككية)) في النحو، وهو منظومة تبلغ 469بيتاً، وهو مختصر جدّاً يكاد يتضمن كل أبواب ألفية ابن مالك، واستهله بقوله:

قال محمدٌ ككي الدارِ

                                 والأب من ذرية المختارِ

إلى أن قال:

سميتها هدية المجيد

                                 في النحو أو معونة البليد

جعلته فاتحة الإعراب

                                 للمبتدي كافية الطلاب

ولا زال طلاب العلم يعكفون عليه دراسة وحفظا في مختلف الحلقات التعليمية العريقة في غرب إفريقيا.

     والسؤال المطروح بإلحاح: أين شباب الأمة من النبوغ ومن والإبداع الذي يكافئ وسائل العصر المتطورة؟ هل فكرت يوماً -أيها الشاب- أن تكون أحد أولئك الذين ربطوا حياتهم بالعلم والعمل فخلَّدوا ذكراهم على صفحة التاريخ، وبرهنوا على جديتهم في هذه الحياة، وعلى إدراكهم لعلة وجودهم في هذه الدنيا؟ فإن كنت فكرت في ذلك ألم يحن الوقت لتدرك أن من طلب المعالي سهر الليالي..؟

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك