رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مصطفى دياب 1 ديسمبر، 2014 0 تعليق

شبابنا والخروج من التيه – وجاء الشتاء

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده.

يُقلب الله -تبارك وتعالى- الليل والنهار والشمس تجري بقدر، ويقلبُ الله فصول الزمان، وللمؤمن فى كل الأحوال طاعات وعبادات ولله على عباده مننٌ لا تُحصى فإذا دخل الشتاء زادت حاجة الناس إلى التستر و الدفء ودفع البرد {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ}(قريش: 3)، الذي ألهم الناس وسائل الدفء والوقاية من البرد {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا}(الأعراف: 74)، ومن منن الله كذلك، {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا} (النحل: 81)، بيوتاً وأشجاراً وسُقفاً  {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا }(النحل: 81)، فأصبح أحدُنا يسكن في المباني والأبراج التي تقي الإنسان الحر والبرد وقديماً كانوا يستترون بالكهوف في الجبال.

     {َجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } (النحل: 81)، ومن كرمه وجوده أن جعل لكم تلك الملابس والقُمُص التى تستر أبدانكم وتقيكم الحر والبرد {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}(النحل: 81)، وقمصان واقية، ليس من الحر والبرد فحسب، بل من رماح العدو هذه المرة؛ وكل ذلك لنعقل و نشكر و نُسِلمَ لله {كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ}(النحل: 81).

والمسلم في الشتاء له شأن مع نفسه و مع غيره فإذا نزل المطر كان الدعاء: «اللهم صَيِّبًا نافعًا»، وإذا هبت الرياح سأل الله من خيرها، واستعاذ بالله من شرها، ويأتى الصيام (فالصوم فى الشتاء الغنيمة الباردة) فيا غنيمة الصائمين القائمين، إن الشتاء ربيع المؤمن طال ليله فقام وقصُر نهاره فصام.

فيا أيها الصائم شَمِّر، ويا أيها القائم قم وتفكر، قال بن عباس: «رَكْعَتَانِ مُقْتَصِدَتَانِ فِي تَفَكُّرٍ، خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَالْقَلْبُ سَاهٍ» .

وفريقٌ آخر -للأسف- سيطر عليه الكسل، وبال الشيطان فى أذنه وكثيرٌ ماهم، فمع برد الشتاء تضيع صلاة الفجر، وتتأخر الصلوات بحجة برودة الماء: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}.

نعم الدفء ينجي من البرد، ولكن كما أن الدفء ينجي الرجل من برد الشتاء فكذلك العمل الصالح ينجي العبد يوم القيامة من الهلاك؛ فلا يرى شمساً محرقة ولا برداً مهلكاً {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا}(الإنسان: 13) .

أيها القارئ الحبيب:

إن شدة البرد من نَفَسِ جهنم (زَمْهَرِيرًها) وشدة الحر من نَفَسِ جهنم (سمومها)، كيف لا؟ وقد حدثت الشكوى.

قال صلى الله عليه وسلم : «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا, وَقَالَتْ: أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَجَعَلَ لَهَا نَفَسَيْنِ: نَفَسًا فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسًا فِي الصَّيْفِ، فَأَمَّا نَفَسُهَا فِي الشِّتَاءِ فَزَمْهَرِيرٌ، وَأَمَّا نَفَسُهَا فِي الصَّيْفِ فَسَمُومٌ»، فأشد ما نجد من البرد هو مجرد نَفَسٍ من زمهرير جهنم.اللهم نجنا من حر جهنم وبردها.
أخى الحبيب :

 ومع إقبال الشتاء يستعد الناس لدفع البرد بجمع الدثار و الثياب و الأغطية و كأنهم مهاجرون . نعم, إذا أقبل برد الشتاء؛ فهناك إنسان يتأثر بالبرد، ويحتاج إلى الثوب والغطاء، ولا يجد منها شيئاً. فيا من تكاثرت وتزاحمت لديه الملابس والأغطية هل تذكر من يحتاج إلى الدفء؟ إلى الثوب والغطاء؟

أخي الحبيب: قف أمام ملابسك الشتوية و تدبر كم هى كثيرة ؟! كم هي متكررة و متنوعة؟! وغيرك وربما أقرب إخوانك إليك لا يجد شيئاً.

ألا ترى أن من شكر نعمة الله عليك أن تتصدق ببعض ما منّ الله به عليك ؟!

أخي الحبيب: ما رأيك في مشروع (كِسوة بكسوة)، ففي الحديث «مَنْ كَسَا مُسْلِمًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ».

يا ابن آدم، قال تعالى في الحديث القدسي: «يا ابن ادم استكسيتُك فلم تكسُني, قال: كيف أكسوك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان استكساك فما كسيته؟  أما علمت أنك لو كسيته وجدت ذلك عندى؟».

أخى الحبيب: كلنا ذاك العاري قال تعالى في الحديث القدسي:

«يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ»؛ فلا تبخل أخي الحبيب على إخوانك وأصدقائك وجيرانك فالكاسي لي ولك هو الله.

ماذا لو ؟!:

ماذا لو وقف كل واحدٍ منّا أمام مخزن ملابسه، واستبقى عنده ما يكفيه، ثم أخرج الباقي لأصدقائه وإخوانه على صورة هدية مغلفة معطرة؟!
ماذا لو ؟!: اشترى الوالد لولده القميص الشتوي، أو (السويتر الجلد) بدل القطعة قطعتين واحدة لولده وواحدة لصديق ولده الذى يراه محتاجاً وكأنها هدية؟!

كنز الأموال

إن أموالنا وملابسنا الغالية ليست باقية، فإن أي قطعة قماش نمسح بها الأرض أو نزيل بها الأتربة والقاذورات، أو ندوسها بأقدامنا كانت في يومٍ ما ثوباً جديدا قيماً.

قال عبد الله بن المبارك: مَرَّ رجل براهب عند مقبرة ومزبلة فناداه, ياراهب، إن عندك كنزين من كنوز الدنيا لك فيهما مُعتبَر, كنزُ الرجالِ وكنزُ الأموال.

وصدق الرجل فإن كل الناس إلى القبور(كنز الرجال)، وكل الأموال إلى المزبلة ثوبك الجديد اليوم محله غداً في المزبلة.

فاحفظه عند ربك فلعلك تنال الأجر ما دام ثوبك على جسد صاحبك.

أخي الحبيب: بادر و انصح غيرك أن يصنع مثلك، قم واجمع لآخرتك من ثوبك ومالك قبل أن يبلى، وحافظ على الصلاة والصيام والقيام وإسباغ الوضوء على المكاره؛ ففي الربيع تتغير الأرض, والشتاء ربيع المؤمن فلتكن بداية التغيير مع الرياح الباردة.

وصلِ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه و سلم ..

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك