رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مصطفى دياب 18 يناير، 2016 0 تعليق

شبابنا والخروج من التيه – ثقافة التسويغ

التفكير التسويغي تهرب من المسؤولية عن التقصير في أداء واجب أو عمل

إن إدمان التسويغ أمر خطير وسلوك مشين يحرم صاحبه من التبصر بحقيقة أفعاله ومراجعة أخطائة

الشجاعة والجرأة في الانتقال من التسويغ إلى التفسير والاعتذار وتحديد مواطن الخلل

لاتتستر على أخطائك وتقصيرك فتقع في الفشل الدائم والشعور بالدونية واحتقار الذات

 

فى أزمنة الوهن والانكسار تظهر بين الأفراد والمجتمعات والدول ظاهرة خطيرة وهى ظاهرة (التسويغ) والتسويغ أصبح داءً تتوارثه الأجيال، والتسويغ ببساطة هو تفسير الإنسان لسلوك أو موقف بأسباب معقولة مقبولة في ظاهرها، ولكنها ليست الأسباب الحقيقية وراء هذا السلوك؛ فإخوة يوسف قالوا: «اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضًا يخلُ لكم وجه أبيكم»، ثم سوغوا لأنفسهم هذا القتل وهذا السلوك بأنهم سيكونون أفضل: «وتكونوا من بعده قومًا صالحين» فالدافع للقتل ليس الوصول إلى الصلاح، ولكن الدافع كان الحسد ليوسف عليه السلام.

     وهذا الشاب الذي يدخل على المواقع الهابطة يرتكب العادات السيئة يسوغ لنفسه ذلك بأن الزواج صعب، وأنه يكاد يقع في الزنا إن لم يفعل تلك العادات السيئة، وهذه المتبرجة تستمر في تبرجها، وتقول أنتظر هداية ربي.. وهذا الداعي يخفق في أدائه ولا يحقق أهدافه ويقول: إنها المؤامرة على التيار الإسلامي، وهذا الذي يعمل في مؤسسته الدعوية لا يؤدي ما يُطلب إليه ثم يسوغ ذلك بضيق الوقت، وهذا الذي يتعامل بالربا يقول: العلماء يقولون لا حرج، وهذا الطالب الفاشل في دراسته يقول: المناهج صعبة، والدروس طويلة، والمدرسة غير مريحة. وهذا الوالد الذي انحرف ولده بين عينيه يقول: الشارع.. البيئة.. المدرسة.. الأصدقاء.. حتى طفل الرابعة يبحث عن مسوغ ليثبت براءته من شيء لا يعرفون فاعله.

عدم الوقوف على الأخطاء

     المهم أن أحدًا لا يذكر دوره وتأثيره الشخصي في هذه النتائج، وأن أحدًا لا يحب أن يقف على أخطائه ليصوبها. إن إدمان التسويغ أمرٌ خطير وسلوك مشين يحرم صاحبه من التَبَصُّر بحقيقة أفعاله ومراجعة أخطائه؛ فيعود على صاحبه بمرض القلب وسوء الخُلق وتشويه السيرة.

التسويغ مدخل إلى ثقافة التخلف

     وإذا أدمنا الدفاع عن السلوكيات السلبية في ذواتنا وإيجاد التفسيرات غير الحقيقية لها فلا تقدم ولا إبداع ولا إصلاح؛ فإن العقلية التي تعجز عن تغيير الواقع ومواجهة الأخطاء بجرأة هي من تتفنن في التسويغ وفي ثقافة التخلف. إن الذي يبحث عن مسوغ لموقف أو سلوك إنما يبحث عن عذر ليلقي بالمسؤولية على غيره ولا يبحث عن حل وقد ينجح في الوصول إلى المسوغات، لكنه لن يقدم حلولًا لمشكلات واقعه.

التسويغ تهرب من المسؤولية

التسويغ هو فن إيجاد الأعذار؛ فاجعل وقت التسويغ وقتًا للتفكير في الحلول والعمل الجاد.

     يقول الدكتور عبد الكريم بكار: «لا يُثبتُ العقل قدرته وكفاءته على العمل في مجال كما يثبتها في مجال التعليل والتسويغ لأفعالنا ومواقفنا، والهدف من وراء التفكير التسويغي يتمثل على نحو أساسي في التهرب من المسؤولية عن التقصير في أداء واجب أو في التهرب من المسؤولية عن عملٍ ما ينبغي القيام به».

خداع النفس بالتسويغ

     لا تكن كأصحاب الجنة {إذ أقسموا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصبحين. ولا يستثنون}(القلم: 17-18)؛ فلما أتوا عليها مصبحين وقد تغيرت تمامًا أصاب بعضهم داء بكتريا التسويغ لدرجة طمأنة أنفسهم وخداعها بأن شيئًا لم يحدث وأنها ليست حديقتهم {فلما رأوها قالوا إنا لضالون}(القلم: 26)، بل إنهم ضلوا الطريق لكنهم لما تأكدوا أنها هي، كان تسويغا آخر يلقي اللوم على الأقدار والظروف {بل نحن محرومون} (القلم: 27).

قف على الأسباب

     كن مثل أوسطهم، وابحث عن الحل، وواجه الخطأ، وضع يدك على مكمن الخطر وسبب الاضطراب والانهيار أو الضعف، ولا تستمر في التسويغ، وقف على الأسباب الحقيقية لقصورك وإخفاقك: {ألم أقل لكم لولا تسبحون}(القلم: 28). إن المشكلة فينا وليست خارجة عنا، وإياك أن ترتكب حماقة التسويغ للبقاء على الخطأ؛ بل قم بتصحيح المسار فورًا: {إنا كنا ظالمين}.. {إنا كنا طاغين}.. {إنا إلى ربنا راغبون} ولا تتستر على أخطائك وتقصيرك بدعوى عدم التشهير بك أو بمؤسستك؛ فتقع في الفشل الدائم والشعور بالدونية واحتقار الذات.

امتلاك جرأة مراجعة الأخطاء

إن الناجحين والأقوياء لا يسوغون لأخطائهم، ولكن يشرحون ويفسرون أسباب نجاحهم أو إخفاقهم، ويجحدون دورهم الشخصي في هذا الإخفاق، ويملكون الجرأة على مراجعة مواقفهم وأخطائهم وطرح أسباب إخفاقهم للمناقشة وذلك عين النجاح والتقدم.

لا للتسويغ.. نعم للاعتذار والتفسير.

     قال أبو ذر لبلال رضي الله عنهما يومًا: يا بن السوداء، فلما ذهبا للنبي صلى الله عليه وسلم ، قال صلى الله عليه وسلم  لأبي ذر: «أعيرته بأمه».. ودون تسويغ قال أبو ذر: «نعم». فقال صلى الله عليه وسلم : «إنك امرؤٌ فيك جاهلية». وخرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم  طرح أبو ذر وجهه على التراب وأقسم على بلال رضي الله عنه  أن يمر على وجهه حتى يرضى بلال رضي الله عنه . إنها ثقافة الاعتذار لا ثقافة تسويغ الأخطاء.

الاقتداء بكعب بن مالك

أيها المسوغ لنفسك هلا اقتديت بكعب رضي الله عنه ؟! كعب بن مالك تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم  في غزوة تبوك وهو شاب قوي أديب بليغ وخطؤه كان واضحًا له، فلما وصل النبي صلى الله عليه وسلم  المدينة قال كعب بن مالك: «زاح عني الباطل».. «فأجمعت صدقة»، «يا رسول الله؛ إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني أخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلًا». ولئن حدثتك حديث صدق تجدُ عليَّ فيه إني لأرجو فيه عقبى الله.. والله ما كان لي من عذر.

من التسويغ إلى التفسير

إذا كنت بين يدي ربك يوم القيامة وسألك عن تقصيرك هل تستطيع أن تُقدِّم مسوغك هذا؟!  إننا نريد الشجاعة والجرأة للانتقال من التسويغ إلى التفسير والاعتذار وتحديد مواطن الخلل ودورنا فيها لنعالج ونرتقي ونرجو عُقبى الله. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك