رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: رائد الحزيمي 24 فبراير، 2020 0 تعليق

شبابنا ثروتنا «احفظ الله يحفظك» العبودية لله -تعالى- سعادة في الدنيا والآخرة


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تَعِسَ عَبْدُ الدينار، تَعِسَ عَبْدُ الدرهم، تَعِسَ عَبْدُ الخَمِيصَة، تعس عَبْدُ الخَمِيلَة، إن أُعْطِيَ رَضِيَ، وإن لم يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وانْتَكَسَ، وإذا شِيكَ فلا انتَقَشَ، طُوبَى لعبد آخذ بعِنَانِ فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مُغْبَرَّةً قدماه، إن كان في الحِرَاسَةِ كان في الحِرَاسَةِ، وإن كان في السَّاقَةِ كان في السَّاقَةِ، إن استأذن لم يُؤْذَنْ له، وإن شَفَعَ لم يُشَفَّعْ». رواه البخاري.

 

     في هذا الحديث بيَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن من الناس من تكون الدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه، وهدفه الأول والأخير، وأن من كانت هذه حالته سيكون مصيره الهلاك والخسران، وعلامة هذا الصنف من الناس حرصه الشديد على الدنيا، فإن أُعْطِيَ منها رَضِيَ، وإن لم يُعْطَ منها سَخِطَ، ومنهم من هدفه رضا الله والدار الآخرة، فلا يتطلع إلى جاه ولا يطلب شهرة، إنما يقصد بعمله طاعة الله ورسوله، وعلامة هذا الصنف من الناس عدم الاهتمام بمظهره، ورضاه بالمكان الذي يوضع فيه، وهوانه على الناس، وابتعاده عن ذوي المناصب والهيئات، فإن استأذن عليهم لم يُؤْذَنْ له، وإن شفع عندهم لم يُشَفِّعُوه، لكن مصيره الجنة، ونَعِمَ الثواب.

قدْر الله -تعالى

     إن كثيراً من الناس اليوم يحرص ألا يكون من عبدة الأوثان والأصنام، أو إبليس، أو يكون عابد نفسه، ولكن لم يدرك هذا المسكين ما قدر قيمة الدينار والدرهم في قلبه أمام قدْر الله - تعالى - ؛ فتراه يحسب ما لديه من أموال، أو يشتغل بجمع المال، أو يتمناه على غير وجه حق، ويقضي في ذلك الأوقات الطويلة مضيعاً -من أجل ذلك- فرائض الله - تعالى -، بل ويحب ويبغض من أجل الدينار والدرهم، ولم يدرك هذا المسكين أن فعل ذلك هو عبادة للدينار والدرهم؛ ولهذا فقد صور النبي - صلى الله عليه وسلم  - هذا المال صورة بشعة عندما يأتي يوم القيامة فيلتقي هو وصاحبه.

أنواع العبودية لغير الله

وللعبودية لغير الله -تعالى- أنواع عدة نذكر منها ما يلي:

حب الدنيا والاغترار بها

     لم يدخل حب الدنيا في قلب امرئ إلا سلبه لبه، وأفقده بذله للآخرة، فهي دار غرور وبلاء وفتنة وشقاء، فيبدأ المرء بالتنازلات السريعة عن مبادئه وعن تقاليده حتى يبلغ ذلك دينه والعياذ بالله، وأعظم الخلق غروراً من اغتر بالدنيا وعاجِلَها فآثرها على الآخرة، ورضي بها من الآخرة، وكما قيل في بعض المأثورات: «الدنيا مال من لا مال له، ودار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل له»، ولا يمكن لعاقل لبيب أن ينخدع بدار زوال عما قليل فانية؛ فعقله الحكيم يبصِّره بعواقب الأمور، وضميره المتيقظ يوقظه من غفلة هذه الدنيا. ويبين لنا الرب -جل وعلا- مَثَل الحياة الدنيا فيقول -عز وجل-: {إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} (يونس: 24)، يقول الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: «وهذا المثل من أحسن الأمثلة، وهو مطابق لحال الدنيا، فإن لذَّاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك يزهو لصاحبه -إن زها- وقتاً قصيراً، فإذا استكمل وتم اضمحل، وزال عن صاحبه، فأصبح صفر اليدين منها، ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها». انتهى.

حب المال والجاه

     ومن أنواع العبودية لغير الله، حب المال والجاه؛ فهما من الأمور التي تستعبد قلب المرء، فهي كالغشاوة التي تحجب الرؤية المبصرة، فتراه لاهثاً خلفها، مجتهداً في الحصول عليها. إن اللاهث خلف المال والجاه يَعمَى بصره؛ فيقطع الأرحام من أجل المال والجاه، ويهتك الأرحام من أجل المال والجاه، ويتعامل بالمعاملات الربوية من أجل المال والجاه، وما من شك في أن حب المال عندما يطغى على قلب المرء يصبح أسيره، فلا يرى معروفاً ولا منكراً، فتصبح الأمور كلها لديه واحدة، والأهم في نظره هو جمع المال فقط وتحصيله من أي مصدر سواء كان حلالاً أم حراماً.

التبعية

     ومن العبودية لغير الله، التبعية؛ فلم يَحدث استعباد العقول وانحرافُها إلا عن طريق التبعية الخطأ؛ ولذا عندما عطلوا عقولهم نفى -سبحانه- الاهتداء والتعقل عن هؤلاء الذين يتبعون الآخرين وإن كان أمرهم خطأ، فقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُون} (البقرة: 170)، فالأمر يزداد خطورة عند عدم إدراك من نتبع، وأي طريق نسلُك؟ وما كان انحراف الأكثرية في السنين الماضية إلا عندما سلكوا مسلك التبعية الخطأ، وانتهجوا نهجه.

الافتتان بالنمط الغربي

     ومن العبودية لغير الله الافتتان بالنمط الغربي، ومن ذلك انتشار الدعوة إلى الحرية المطلقة الذي صار هذا الشعار مُسَوِّغاً لكل عمليات التدمير للأخلاق وطريقاً لنشر الانحطاط والإباحية، والاعتداء على الحرمات، ومصادمة الفطرة الربانية، وبطلان هذه الفكرة بيِّن واضح؛ لأن العبودية لله -تعالى- هي الخضوع والطاعة لله -عزوجل- واتباع أوامره واجتناب نواهيه، وإلا فالأصل أن كل من خلقهم الله -عز وجل- عبيداً له، رغم أنوفهم، كما قال -سبحانه وتعالى-: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} (مريم: 93- 95).

كل مخلوق عبد

     وبناء على هذا فإن كل مخلوق عبد لله -تعالى-، شاء أم أبى، وليس في الوجود إلا عبد ومعبود، خالق ومخلوق، فالخالق المعبود هو الله، والعبد هو المخلوق، وهو من سوى الله -تعالى- من المخلوقات، ومن رفض عبوديته لله فهو أَنِف من عبادة الخالق التي بها يتحرر من كل ذل وهوان، ووقع في عبادة مخلوق، قد يكون من أحقر الأشياء وأخسها، قال يوسف -عليه السلام كما ذكر الله في كتابه الكريم-: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (يوسف: 39- 40).

الحرية الحقيقية

وبهذه العبودية ينال الإنسان الحرية الحقيقية، وتتحطم على صخرتها القوية كل أشكال الذل والهوان، وهذه العبودية هي جنة الإنسان في الدنيا، والبلاد الواسعة التي يمشي في مناكبها، تنتقل معه حيثما حل وارتحل ولو كان أسيراً أو طريداً وشريداً.

دعوة باطلة

     لقد نفخ أعداء الإسلام في بعض الناس باسم الحرية ما يجعلونهم بذلك عبيداً لشهواتهم، وأهوائهم، ومبادئ الغرب والشرق، وهذه الأطروحات الباطلة التي يأتون بها ليلاً ونهاراً؛ ولذلك فإن الله لما أعطى للبشر حرية في التصرفات - بيعاً، وشراء، واستئجاراً، وكفالة، ورهناً، وحوالة، ونحو ذلك، وأعطاهم الحرية في الطعام، واللباس، والنكاح، فإنه -سبحانه  وتعالى- جعل لذلك قيوداً، وفهم القيود مهم جداً لمعرفة بطلان مبدأ الحرية المطلقة.

ضوابط الحرية

     وبعض الناس يفهم في ضوابط الحرية شيئاً واحداً، وهو أنك لا تضر بالآخرين، ويقول لك: حريتك تقف عند ضرري، فالتدخين عنده يمكن أن يفهم على أنه ممنوع إذا كان يضر بالآخرين؛ فكثير من الناس لا يفهمون في قضية الحرية الشخصية أن الشرع يحرم ما يضر نفس الإنسان، ويقولون: ما دام هو يضر نفسه فله أن يفعل ما يشاء، وبناء عليه إذا أغلق عليه بابه، وأخذ إبرة مخدر، وبقي في بيته لا يؤذي أحداً، ولا يخرج إلى الناس حتى يذهب مفعول المخدر، ويقوم، ويسوق السيارة بعقله فعندهم أنه حر، وهذا لا شك مما يلبسون به على الناس ويخدعونه بهم.

حرية الرأي

     كما أن كثيرا من الناس يتكلمون عن حرية الرأي، ويدخلون فيها حرية الكفر، ويخلطون بين حرية الفكر، وحرية الكفر، ويسمحون بحرية الكفر ضمن حرية الفكر، وأن تعتقد ما تشاء من المذاهب الضالة، ولذلك يقولون: (حرية الاعتقاد)، أي اعتقد ما تشاء، اعتقد بحجر، بشجر، اعتقد ما تشاء، بلا دين، تكون يهودياً، نصرانياً، بوذياً، سيخياً، هندوسياً، كن ما شئت، حرية اعتقاد، هذا غير موجود في دين الإسلام؛ فالإسلام يوجب على الناس أن يعبدوا الله ويسلموا له: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} آل عمران85.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك