شبابنا ثروتنا «احفظ الله يحفظك» أفحكم الجاهلية يبغون؟
يقول الله -تعالى-: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}(يوسف: ٤٠)، وقال -تعالى-: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}(الأعراف: ٥٤)؛ فالله -سبحانه وتعالى- هو الحَكَم، الذي يخلق، والذي يأمر وينهی؛ فالذي خلق هو الذي له الأمر والنهي، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(الملك: ١٤)، خالق الخلق، يعلم ما يصلحهم ويضرهم، فلا يُتحاكم إلا لله وإلی شرع الله، {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}(يوسف: ٤٠)، ألم يقل ربنا -عَزَ وَجَل-: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}(التين: ٨)، بلی، الله -عَزَوَجَل- هو أحكم الحاكمين، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(المائدة: ٥٠)؛ فلا أحسن، ولا أحكم من الله -سبحانه وتعالى.
الحكم الكوني القدري
فالله -سبحانه وتعالى- قدّر المقادير، وله حكمه الكوني القدري، وحكمه الشرعي، لله حكمان: حكمٌ قدري كوني، ما نراه اليوم في هذه الدنيا من أُقضيات، ومن أمور كالزلازلٍ، والبراكين، والأمراض، والمصائب، والخير والشر، كل هذا ما نراه هو من حكم الله -عَزَ وَجَل- القدري الكوني، قال -تعالى-: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ}(النور: ٤٤)، جاء الحديث عند مسلم -رَحِمَهُ اللّه- عن أبي موسی الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلماتٍ ثقال، يقول: فقال: «إن الله -عَزَ وَجَل- لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط، ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه، لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهی إليه بصره من خلقه»، هذا الله -سبحانه وتعالى- يدبر الأمر، يكوّر الليل علی النهار، ويكوّر النهار علی الليل، كل يوم هو في شأن -سبحانه وتعالى-؛ فكل شيء مقدر بعلمه، وبحكمته -سبحانه وتعالى-، وكل ما نراه فالله يحكم لا معقب لحكمه، قال الرحمن: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}(الرعد: ٤١)، نعم، ينقصها من أطرافها، يفتح علی المسلمين، ويهلك الكفرة وأهل الكفر، ويخرّب عليهم ديارهم، بالهلاك والدمار والموت، هكذا قال المفسرون؛ فكل ما نراه أيها الإخوة، من تدبيرٍ، ونوازلٍ، كل ذلك بعلم الله، وبقدرة الله، وبمقادير الله، وبحكم الله -عَزَ وَجَل-، الحكم الكوني القدري، النافذ، ينفذ ولا محالة، هذا حكم الله -سبحانه وتعالى.
الحكم الشرعي
أما الحكم الشرعي، الذي أمر ونهی من خلاله -سبحانه وتعالى-، أليس الله بأحكم الحاكمين؟!، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(المائدة: ٥٠)، قال الله -عَزَ وَجَل-: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}(المائدة: ٤٩)، وقال: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}(المائدة: ٤٩)، وقال: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}(المائدة: ٤٤)، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(المائدة: ٤٥)، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(المائدة: ٤٧)، آياتٌ ثلاث في سورة المائدة، وقال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}(الشوری: ٢١)، وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا}(النساء٦٠: ٦١)، نعم أيها الإخوة، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}(النساء: ٦٥)، وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(النور: ٦٣)، وقال: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}(النساء: ٥٩)، هكذا قال الله -سبحانه وتعالى.
شريعة الله -عز وجل
حكم الله -عَزَ وَجَل-، وشريعته لا يستطيع أحد أن يستدرك عليها، ولا يردها، من ردّ حكم الله وشريعة الله، فقد كفر، هكذا قال العلماء، ولاسيما إن كان الأمر يتعلق بالمعلوم من الدين بالضرورة، أي أمر من الدين معلوم، وضرورةً أنه معلوم كالصلاة، والزكاة، والحج، والصيام، وتحريم الربا، كل هذه الأمور معلومة من الدين بالضرورة، ما ينكرها أحد، قال الدكتور الشيخ صالح آل الشيخ - حفظه الله-، يقول شارحًا ومبينًا لهذه العبارة: «معنی قولهم: معلومٌ من الدين بالضرورة، يعني: مما لا يحتاج الناس في إثباته إلی برهان»، مثل: الصلاة، هل يحتاج لما بيننا أن يُقال: أحضر الدليل علی الصلاة؟!، أو أحضر دليل علی حرمة الخمر؟!، أو أحضر دليل علی حرمة الزنا؟!، هذه المعلومة من الدين بالضرورة، يعني بما لا يحتاج فيه إلی استدلال، قد استقر الأمر، ولا يحتاج لمسلم أن يثبت لمسلمٍ آخر حكم الصلاة، أو حكم الخمر، أو حكم الزنا، أو حكم الصلاة والصيام والحج، وغير ذلك مما قد شرع الله -عَزَوَجَل.
المعلوم من الدين بالضرورة
لذلك مما عُلم من الدين بالضرورة كالربا، فلا يأتي اليوم شخص فيقول: ائت بالدليل على ذلك؛ فمن أنكر شيئًا معلوما من الدين بالضرورة يكفر في دين الله -سبحانه وتعالى-، ومن أنكر حرمة الزنا، ومن أنكر حرمة شرب الخمر، وأكل الخنزير، والميسر وما شابه، وكذلك من أنكر وجوب الحجاب، هذا مستقرٌ، استقر الأمر علی أن المرأة تحتجب من الرجال، أو أنكر العدة في الطلاق، أو الطلاق نفسه، والعبادات، ومن أنكر المواريث، التي استقر الأمر في دين الله -عَزَ وَجَل- عليها مثل قوله -تعالى-: {للذكر مثل حظ الأنثيين}؛ فالأنثی تأخذ من الذكر في أوقاتٍ كثيرة الأكثر، أكثر من الرجل أو تساويه، أو يكون الرجل مثلها مرتين، وهذه الأخيرة لا يوجد إلا في أربع حالاتٍ فقط، أو أربع أصنافٍ، إذا كان هناك أبناءٌ، ذكوراً وإناثا، أو إخوةٌ أشقاء، أو لأبٍ ذكوراً وإناثا، أو أبناء ابن وبنات ابنٍ ذكوراً وإناثا، هؤلاء فقط يفضل الذكر علی الأنثی بالضِعف، عدا ذلك؛ فإن المرأة تأخذ أكثر من الرجل، يا رعاكم الله! ماتت امرأة وتركت بنتاً وزوجا، للزوج الربع، والبنت النصف، البنت قد تكون ابنته، وهو أبوها، ولكن المُتوفَية زوجة، زوجة ذلك الرجل؛ فزوجها أخذ الربع بسبب وجود البنت، وللبنت النصف، يقول البعض: والباقي يعود للبنت مرةً ثانية؛ فكأنها أخذت ثلاث أرباع من الزوج، وهو قد يكون أبوها، أو زوج أمها، والأمثلة كثيرة، ولا مجال لضرب مثل هذا الأمر.
إنكار حكم الله
فمن خالف الإجماع، وخالف نصاً في كتاب الله، أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أحل حراماً، حرم حلالاً، كل ذلك مما هو كفرٌ في دين الله -عَزَ وَجَل-، {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}(النساء: ١١٥)، نعم، ومن لم يرد حكم الله -عَزَ وَجَل- وأنكر حكم الله، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، هم الظالمون، هم الفاسقون، وهذا إجماعٌ عند السلف.
عمل قلبي
قال الله -عَزَ وَجَل-: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}(محمد: ٩)، كرهوا، مجرد الكره، الآية تتكلم عن عمل القلب، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا} كره العمل بالقلب، في قلبه كره لما أنزل الله -عَزَ وَجَل- سبحانه وتعالى-، كرهوا حكم الحجاب، كرهوا حكم تحريم الربا، كرهوا حكم تحريم الزنا، كرهوا حكم تحريم الخمر، كرهوا حكم تقسيم الميراث، كفرٌ بالله -عَزَوَجَل-، انتبه لنفسك، والق الله يوم القيامة، تموت وأنت مؤمنٌ، تقول: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(المائدة: ٥٠).
نعم، كره، وبغض، ورد، ما هو معلومٌ من الدين بالضرورة، ما استقر في دين الله -عَزَ وَجَل-، هذا كله مصيبة من المصائب، إذا تُرك الأمر للناس، يحكم علی حكم الله، الله أكبر!، المخلوق يحكم علی حكم الخالق!، كيف تستقيم هذه العقول؟!، هو الخالق، هو الذي خلقك، أوجد الكون من عدم، الكون كله كان عدماً، لمن الملك اليوم؟!، لله الواحد القهار، يوم القيامة الكل ذليل، كيف يحكم الشعب المخلوق الضعيف علی حكم الرحمن الجبار -جل جلاله؟!، كيف تستقيم العقول؟!،
أمر ليس للنقاش
وأقولها ناصحاً لكم: لا تستهوينكم تلك الشبهات، لا يجوز طرح الأمر للنقاش!، مجرد النقاش، أن نعطي الذكر كالأنثی، مجرد النقاش، لا يجوز، كيف نناقش أمرا قضاه الله في كتابه؟!، قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، ليس لشيء إلا لأننا نُسلّم لله -عَزَ وَجَل-، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(النساء: ٦٥)، وقال -تعالى-: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُون وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(المائدة: ٥٠)؛ فاحذر أيها الحبيب، احذر من الانحراف وراء هؤلاء المنافقين، {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}(آل عمران: ١١٨)، نعم، وقال الرحمن: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ}(محمد: ٢٤-٢٩).
لاتوجد تعليقات