رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر السياسي 11 نوفمبر، 2013 0 تعليق

شئون إفريقية

 أزمة اقتصاد السودان وكرة الثلج منذ انفصال الجنوب

الحسن عاشي

     أدَّت الإجراءات التقشُّفية الأخيرة التي اتَّخذتها الحكومة السودانية، خصوصاً رفع الدعم عن الوقود، إلى اندلاع احتجاجات شعبية واسعة في العاصمة الخرطوم وأماكن أخرى في البلاد.

     وتعود بدايات الأزمة الحالية إلى انفصال جنوب السودان في 2011، الذي أدّى إلى خسارة السودان نحو ثلاثة أرباع إنتاجه النفطي، ونصف إيراداته الحكومية، ونحو ثلثي احتياطاته من العملة الصعبة. وتمثّل قدرة الاقتصاد السوداني على التكيّف مع صدمة بهذا الحجم تحدِّياً في غاية الصعوبة، تفاقمه الأوضاع الأمنية المتدهورة وقدرة البلاد المحدودة على الولوج إلى الدعم المالي الخارجي.

     بيد أن السودان يتوافر على مؤهلات جغرافية وبشرية مهمة تتمثل في مساحته البالغة 2.5 مليون كيلومتر مربع ثُلثها أراضي صالحة للزراعة، ومنفذه على البحر الأحمر بساحل يصل طوله إلى 500 ميل، وعدد سكانه الذي يصل إلى 40 مليون نسمة. إلا أن نزاعاته الداخلية وعدم استقراره السياسي والأمني طرحت تحدِّيات خطيرة أمام تحقيق الازدهار الاقتصادي والانسجام الاجتماعي. وشهد السودان تعاقب حكومات مدنية وعسكرية، وحربين طويلتين بين الشمال والجنوب أوقعتا خسائر بشرية فادحة، وأدتا إلى إهدار موارد اقتصادية هائلة.

     واستناداً إلى تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يعيش ما يقرب من نصف سكان السودان تحت خطّ الفقر بأقلّ من دولار يومياً. ويُصنَّف السودان في أسفل قائمة البلدان النامية، وهو متأخِّر في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. ولا يزال معدّل البطالة يتجاوز نسبة 20 في المئة، وهذه الأخيرة تتفشى في صورة رئيسة بين فئات الشباب.

     وتحتاج البلاد إلى الاستقرار الأمني والمضي قدماً في إصلاحات اقتصادية ومؤسّسية هيكلية وعميقة، كي تتمكّن من إيجاد مصادر جديدة للنمو للتعويض عن عائدات النفط، وتحسين نمط الحوكمة في تدبير الموارد وفي توزيعها بين الفئات الاجتماعية والأقاليم.

     ساعدت إيرادات النفط على الدفع بعجلة نمو الناتج المحلي الإجمالي في السودان منذ بدأ تصدير النفط في 1999. وعلى مدى عقد من الزمن، انتعش الاقتصاد السوداني على خلفيَّة الزيادة في تدفُّقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاع النفطي، التي مكّنت من توسيع الإنتاج ورفعت من قيمة عائدات البلاد. ومع أن مساهمة القطاع النفطي في الناتج كانت متواضعة نسبياً (15 في المئة)، إلا أنها وفَّرت إيرادات كبيرة لموازنة الحكومة، وساهمت بحصة كبيرة في تأمين العملة الصعبة، وفي تنشيط القطاعات الاقتصادية الأخرى.

     وكانت الحكومة السودانية تأمل بتحقيق الاستقرار الاقتصادي من طريق استبدال عائدات نفط الجنوب بصادرات الذهب. وارتفعت حصَّة صادرات الذهب في إجمالي الصادرات إلى نحو 70 في المئة في 2012، بعدما كانت تقلّ عن 10 في المئة خلال ما قبل الانفصال. لكن التراجع الأخير في الأسعار العالمية للذهب أدّى إلى إلحاق الضرر بشدّة في حظوظ تحقيق النجاح.

     وتبنّت الحكومة في حزيران (يونيو) 2012 برنامجاً إصلاحياً شاملاً بهدف معالجة تدهور اقتصاد البلاد، في إطار برنامج للطوارئ لثلاث سنوات، ويتضمّن خفضاً في قيمة العملة يصل إلى نحو 66 في المئة، وزيادة الضرائب، وخفضاً حاداً في دعم أسعار الوقود، وتخفيضات في كل أشكال الإنفاق الحكومي باستثناء أجور الموظفين.

     بيد أن تنفيذ برنامج الطوارئ صادفته عقبات متعددة، خصوصاً أن السودان يتميَّز ببنية اقتصادية هشَّة، ووجود نسبة كبيرة من السكان تحت خط الفقر. ولا يحتاج السودان إلى تدابير قصيرة الأجل للتخفيف من تدهور الأوضاع الاقتصادية وحسب، بل أيضاً إلى استراتيجية متوسطة الأجل تسعى إلى إعادة تنظيم الاقتصاد والتركيز على القطاعات الإنتاجية الرئيسة.

     ويُعَدّ قطاع الزراعة من القطاعات الأساسية في إعادة بناء الاقتصاد السوداني. وتكفي الإشارة إلى أن النسبة المزروعة من مجموع الأراضي الصالحة للزراعة في السودان لا تتجاوز الخُمس. ويمكن أن يؤدّي تطوير الزراعة، الذي يوفّر الوظائف لـ 80 في المئة من القوة العاملة في ما يساهم فقط بثلث الناتج، دوراً حاسماً في النمو الاقتصادي الشامل. وثمّة حاجة إلى توجيه الاستثمار الحكومي إلى الزراعة من خلال تحسين البنية التحتية للنقل، مثلاً، بهدف خفض تكلفة إيصال المنتجات الزراعية إلى الأسواق.

     وتحتاج الحكومة السودانية إلى توسيع القاعدة الضريبية تدريجاً، وإلغاء الإعفاءات غير المستحقة، وخفض معدلات التهرب الضريبي. وتُعَدّ نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج غير النفطي منخفضةً جداً حتى مقارنة بالدول المجاورة ذات المستوى المماثل من الدخل، ولا تتعدّى ثمانية في المئة. وعلى الحكومة تدبير الإنفاق العام في شكل جيد وتوجيهه نحو تمويل إنشاء شبكة أمان اجتماعي تضمن الحد الأدنى من العيش الكريم للفئات المحرومة، وتخصيص مزيد من الموارد للبنى التحتيَّة والخدمات الأساسية.

     صحيح أن الأزمة الاقتصادية الحالية اندلعت بسبب انفصال جنوب السودان، وما ترتّب عليه من خسارة عائدات النفط وبالتالي عائدات النقد الأجنبي، إلا أن الجذور الحقيقية للأزمة تكمن في السياسات غير المتوازنة التي جرى تبنّيها في حقبة الطفرة النفطية. ويحتاج السودان إلى حلّ سياسي فاعل للأزمة الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي يعانيها.

 

 

العنف الديني في جمهورية إفريقيا الوسطى

محمد الزواوي

     تصاعدت المخاوف من أن يؤدي العنف في جمهورية أفريقيا الوسطى إلى حمامات دماء بعد انقلاب مارس، وتحول الصراع إلى صراع مذهبي دموي يواجه فيه المسلمون النصارى في معارك مميتة، فهذه الدولة الفقيرة التي طالما ساد فيها التسامح الديني اهتزت بصراعات وهجمات مؤخرًا وتصاعد في العنف بين الثوار السابقين من تحالف السيليكا (Seleka) المسلمين الذي قاد الانقلاب في البلاد، وبين الجماعات التي تشكلت للدفاع عن نفسها من مواطنين قرويين معظمهم من المسيحيين مثل بقية سكان الدولة التي يصل فيها عدد المسيحيين إلى 80%.

     وفي المنطقة التي ولد فيها الرئيس المعزول (فرانسوا بوزيزي) فإن المعارك التي اندلعت بالقرب من بلدة (بوسانجوا) التي تبعد 250 كم شمال غرب (بانجوي) العاصمة قد خلفت حوالي مائة قتيل وعلى الأقل 20 ألف مهجّر، من المسلمين والنصارى على حد سواء. ويقول (إسحق فوكبو) مسؤول في وزارة الصحة العامة في العاصمة (بانجوي): «لا يمكن أن يحدث قتال ديني في بلادنا، فأنا بروتستانت وزوجتي كاثوليك ولدينا أبناء كاثوليك وبروتستانت بل ومسلمين أيضًا!» وفي (بانجوي) تستطيع أن ترى المساجد والكنائس بجوار بعضها البعض، كما تبزغ ظاهرة العائلات متعددة الأديان.

     ويصر بعض القادة الدينيين على أن جذور العنف الذي يجتاح البلاد لا علاقة له بالدين، فهناك شهادات صادمة لفظائع شنها مقاتلون من الثوار السابقين، فضلاً عن جماعات مسلحة أتت من تشاد المجاورة وكذلك من السودان. وتقول (باتريس إيباي)، عضو المجلس الوطني الانتقالي في البلاد: «إن سلوك السيليكا (الثوار السابقين) ليس دينيًا، فهم يغتصبون النساء ويشربون الكحوليات ويتناولون المخدرات، إنها سلوكيات عصابات ومرتزقة».

     في حين يقول الحاج موسى روداني دجاراس، الزعيم السابق لمنظمة المجتمع الإسلامي بوسط إفريقيا: «لا أعتقد أنه سيكون هناك صراع ديني في أفريقيا الوسط لأن كل مسلم يتمتع بروابط قوية مع نظرائه النصارى من مختلف المذاهب».

دعوات للعنف الديني:

     ويقول راعي كنيسة (بوسانجوا مونسيجنور نستور) أن «الأزمة ليست دينية، إنها فوق كل شيء أزمة اقتصادية وسياسية، في حين أن الملابسات الدينية في ذلك الصراع هي مجرد إشارات عارضة، ولكنه يضيف أنه في ذلك البلد الذي يشهد حالة من انعدام النظام ويقطنه 4.6 مليون نسمة فإن هناك مؤشرات لخوف متصاعد وتهديدات ودعوات لكراهية وعنف دينيين».

     ومنذ إطاحة السيليكا التي تعني «التحالف» باللغة المحلية و تتكون من قوات ثوار ومتمردين وحركات مسلحة بالرئيس بوزيزي، فإن تلك الدولة المغلقة والتي كانت في السابق مستعمرة فرنسية تواجه تهديدات بأن تتحول إلى الحالة الصومالية، وذلك طبقًا لكلمات الرئيس الفرنسي (فرانسوا هولاند).

     فالزعيم السابق للسيليكا (مايكل دجوتوديا) الذي كان أقسم اليمين رئيساً للبلاد للإشراف على عملية تحول سياسي تنتهي بانتخابات العام القادم، قام بحل التحالف في 13 سبتمبر الماضي، ولكنه لم ينزع سلاح مقاتليه، ولم تتخلص البلاد نهائيا من التوترات الدينية التي كانت من إرث الماضي، كما يقول الباحث (إزيدير واكا) من أفريقيا الوسطى.

     ففي حكم الرئيس السابق (بوزيزي) السلطوي الذي امتد لعشر سنوات، هاجمت السلطات المسلمين وابتزت منهم الأموال، ويقول (واكا) إن الثوار السابقين الذين أصبحوا في الحكم الآن يبدو أنهم ينتقمون لما عاناه المسلمون من اضطهاد سابق، وأضاف أن التوترات أيضًا كانت بين الرعاة البدو المسلمين والمزارعين المسيحيين في معظمهم.

     ولكن يقول (فيليب هوجون) مدير الأبحاث لمعهد إفريقيا للعلاقات الدولية والاستراتيجية ومقره فرنسا إن «الانقسامات لا تعتمد بصور جذرية على الدين، فالعنف في تلك الدولة هو بالأساس جنائي أو متعلق بالمافيا وليس متعلقا بالنواحي الأيدلوجية فيما يتعلق بتحالف السيليكا»، ويضيف أن تحول بعض تلك المواجهات إلى مواجهات دينية فإن ذلك ليس بجديد.

     ولكن يحذر (إيبايي) من المجلس الانتقال أن ذلك خطر للغاية، فالناس عادة ما يتقاسمون كل شيء ويعيشون في سلام، ولكن السياسيين هم الذين يضربون بعضهم بعضا من أجل مكاسب سياسية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك