رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فَتْحي بِن عَبدِ الله المَوْصِليِّ 25 نوفمبر، 2017 0 تعليق

سنة لا تتغير وثوابت لا تتبدل

قال -تعالى- في محكم كتابة العزيز: {فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض}، هذه الآية الكريمة تحدد لنا حقائق شرعية، وأصولا علمية ينبغي للقائم بأمر الدين والإصلاح والمرابط على ثغور العلم والدعوة ألا يفارقها، ومن هذه الحقائق ما يلي:

الأمور التي لا نفع منها

- الحقيقة الأولى: الأمور التي لا نفع منها كالشكوك والشبهات والإرادات الفاسدة والأعمال الباطلة والتصورات الخطأ مآلها إلى زوال، ونهايتها إلى اضمحلال؛ فقد حكم الله عليها كوناً وشرعاً بعدم الثبات والدوام.

التمحيص والامتحان

- الحقيقة الثانية: أن الزبد وهو الدخيل على الأصل مما قد اختلط بالحق لا يكون زبدا يطفو على الساحل، ويتميّز عن الأصل إلا بعد جريان الماء في الوديان وتمحيص الذهب على النيران؛ فالكلام فيه من باب الكلام في سنن التمحيص والامتحان.

حقيقة كونية

- الحقيقة الثالثة: كل شيء ليس فيه منفعة ولا هو من الباقي فهو داخل في معنى الزبد، وهذه حقيقة كونية دلت عليها السنن الشرعية.

سنن التدافع

- الحقيقة الرابعة: في سنن التدافع وأحكام التقابل وحركة التواصل الأشياء جميعها إما أن يكون مصيرها إلى الزبد، وإما مصيرها إلى النافع الباقي الصافي؛ فالقسمة في النتيجة ثنائية، والمتأرجح بينهما يصمد إلى أحدهما في نهاية الحال.

ما ينفع الناس

- الحقيقة الخامسة: أن ما ينفع الناس من القرآن والإيمان، والمحكم من الآراء والأقوال، والصحيح من الفكر والاعتقاد، والخالص من العمل والنيات، محكوم له قدرا وشرعا بالبقاء والثبات والاستقرار.

المنافع الضرورية

- الحقيقة السادسة: أن المنافع المذكورة في الآية التي حُكم لها بالمكوث والبقاء هي المنافع الضرورية والحاجية والتحسينية بقرينة السياق؛ فإن الله -تعالى- ذكر في المثال الماء الجاري ومصلحته ضرورية، وذكر الذهب ومصلحة الناس إليه في البيع والشراء حاجية، وذكر الحلية ومصلحتها تحسينية، قال تعالى: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}.

وأشارت الآية إلى نوع المنافع وإلى أوصافها: نوع المنافع: ضرورية وحاجية وتحسينية، أوصافها: منافع صافية ومصالح خالصة.

معيار المنفعة الباقية

-الحقيقة السابعة: ذكرت الآية معيار المنفعة الباقية؛ فالباقي في الأرض من المنافع هو ما كان موجودا لمنفعة الناس من أصول الإيمان والمعاش والحياة. والآية أشارت إلى ضابط مهم في هذا الباب: أن التفاضل بين المنافع والمصالح يكون بحسب عموم منفعتها وشمول فائدتها.

      وفِي الآية إشارة بليغة، وهي: أن الحق الصافي النقي الذي جاء به الوحي موجود أصالة لمنفعة الناس ولتحقيق مصالحهم الدينية والدنيوية؛ لهذا قال تعالى: {وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}.

بقاء ثبوت ومكوث

- الحقيقة الثامنة: أن بقاء هذه المنافع الصافية في الأرض هو بقاء ثبوت ومكوث، كما يعبر عنه العلماء بأنه (بقاء الأمثل وحفظ الأفضل)، وهو نوع من أنواع الدفاع عن الحق في الأرض وإظهاره على الباطل؛ فالباطل له صولة وجولة لكن لا تكون له في النهاية دولة؛ لهذا قيل: (العبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية).

البقاء للأصلح

- الحقيقة التاسعة: أن هذه الآية جاءت بقاعدة كونية وشرعية مهمة، وهي (أن البقاء في هذا العالم يكون للأصلح والأنفع لا للأقوى)، فالعاقبة للأصلح والأنفع دلّ عليها الشرع والعقل، وتجري مع العدل.

ومن لم يتدبر هذه الحقائق يبقى غافلاً عن علاقة القدر بالشرع، ويبقى جاهلاً بالمقاصد والمصالح، ويبقى عاجزاً عن تدبير الواقع بالواجب، ولا يتمكن من فهم سنن التدافع والتنازع، ويبقى يعيش في التصادم والتناقض!!.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك