رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: علاء إبراهيم عبدالحميد 22 أكتوبر، 2019 0 تعليق

سنة الصحابة حجة (1)

 

شعارُ أهلِ البدع والضلالات هو استبدال سنَّةٍ بسنَّةٍ وطريقةٍ بطريقة؛ حيث يريدون من الأمَّةِ أن تستبدلَ الذي هو الأدنى بالذي هو خير، يريدونَ مِنها أن تستبدلَ سنَّةَ الضلالة والغواية بسنَّةِ الرشاد والهداية، سنَّةِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسنةِ أصحابه الكرام وخلفائه الراشدين -رضي الله عنهم أجمعين.

     وانظر ما يشيعه أهلُ الأهواء من الطَّعن في الصحابةِ، وإسقاط عدالتهم، والتهوين من أقوالهم، وأننا لسنا في حاجة إلى اجتهاداتهم وآرائهم، كلُّ هذا بمزاعمِ التجديد، ودعاوى العقلانيةِ ومواكبةِ التحدِّيات العصرية؛ يقول أحدهم: «فإذا سألني سائل الآن: ألا يسعُك ما وسِع الصحابةَ في فهم القرآن؟! فجوابي بكل جُرأة ويقين هو: كلا، لا يَسعني ما وسِعَهم؛ لأن أرضيَّتي العلميَّةَ تختلف عن أرضيتهم، ومناهج البحث العلميّ عندي تختلف عنهم، وأعيش في عصرٍ مختلف تمامًا عن عصرهم، والتحديات التي أواجهها تختلف عن تحدياتهم»، هذا بعض كلامهم في إهدار فهم الصحابة للقرآن الكريم والعمل به، والدعوة لفهمه بعيدًا عن فهم الصحابة -رضي الله عنهم- له، والسؤال الذي يفرض نفسه: أيُّ فهم للقرآن يريدون؟! بل أيُّ دين يبغون؟!

مخالفةٌ لإجماع الأمَّة

     ولا شكَّ أن هذه الدعاوى مخالفةٌ لإجماع الأمَّة وما تتابع عليه علماؤُها من معرفة قدر الصحابة علمًا ودينًا وورعًا، وتقديمهم على سواهم، يقول الإمامُ الشافعيُّ في كتاب الرسالة القديمة بعد ذكر الصحابة -رضي الله عنهم- والثناء عليهم بما هم أهله: «وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استُدرِك به علمٌ واستُنبط به، وآراؤهم لنا أحمدُ وأَولى بنا من آرائنا عندَنا لأنفسنا، والله أعلم. ومَن أدركنا ممَّن أرضَى أو حُكِي لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلَموا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه سنَّةً إلى قولهم إن اجتَمَعوا، وقولِ بعضهم إن تفرَّقوا، فهكذا نقول: إذا اجتمَعوا أخذنا باجتماعهم، وإن قال واحدهم ولم يخالفه غيره أخَذنا بقوله، فإن اختَلَفوا أخذنا بقول بعضِهم ولم نخرج من أقاويلهم كلِّهم».

وجوب اتباع الصحابة -رضي الله عنهم

     ولا يعنينا بالكلام هنا قول الصحابي واختلاف العلماء في حجيته، أو ترتيب الأخذ عن الصحابة وتفاوت منازلهم، وإنما سيقتصر الكلام هنا على وجوب اتباع الصحابة -رضي الله عنهم- من حيث الجملة؛ وهو ما دلَّت عليه الأدلَّة من الكتاب والسنة والآثار تصريحًا وتلميحًا؛ دفعًا لشبهات من ألغى سنَّتَهم ولم يعتبر فهمَهم للشريعة.

الرَّدِّ عليهم

ويمكن إجمالُ الرَّدِّ عليهم في عددٍ من المقدمات؛ يتبيَّن بمجموعها للمنصِف حجِّيَّة سنة الصحابة -رضي الله عنهم:

المقدمة الأولى

     اصطفاء الله -تعالى- للصحابة، فقد اصطَفَى الله -سبحانه- الصحابة -رضي الله عنهم- على النَّاس، واختارهم لصحبةِ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -؛ قال -تعالى-: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} (النمل: 59)، وفي تفسيرها يقول ابن عباس فيما يرويه عنه أبو مالك: «أصحاب محمَّد اصطفاهم الله لنبيه»، وعن الوليد بن مسلم قال: قلت لعبد الله بن المبارك: أرأيت قول الله: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}، من هؤلاء؟ فحدثني عن سفيان الثوري قال: «هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -».

خير هذه الأمَّةِ

     ولهذا يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «من كان مستَنًّا فليستنَّ بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، كانوا خيرَ هذه الأمَّةِ، أبرَّها قلوبًا، وأعمقَها عِلمًا، وأقلَّها تكلّفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ونَقلِ دينه، فتشبَّهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم كانوا على الهدي المستقيم».

مفهوم الاصطفاء

     والاصطفاء: افتعالٌ من التصفيةِ، فيكون الله -تعالى- قد صفَّاهم من الأكدار، والخطأ من الأكدار، وعليه: فيكونون مصفَين منَ الخطَأ، ولا ينتقضُ هذا بما إذا اختَلَف الصحابةُ في مسألةٍ ما؛ لأن الحقَّ لم يَعدُهم، فلا ينسَب الكدر إلى قول بعضِهم، وهذا لأن خلاف بعضهم لبعض بمنزلةِ معاتبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أموره، فإنها لا تخرجه عن حقيقة الاصطفاء.

المقدمة الثانية

     شهادة الله -تعالى- لهم بالعلم: شهد الله -تعالى- للصحابة -رضي الله عنهم- بأنهم أوتوا العلم في غير ما آية من كتابه: فقال -سبحانه-: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} (سبأ: 6)، وعنى بهم -كما قال قتادة- أصحابَ النبيِّ محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وقال -تعالى-: {حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا} (محمد: 16)، قال ابن زيد: «هؤلاء المنافقون، والذين أوتوا العلم: الصحابة -رضي الله عنهم-».

     وعن عكرمة قال: كانوا يدخلون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا خرجوا من عنده قالوا لابن عباس -رضي الله عنهم-: ماذا قال آنفًا؟ فيقول: كذا وكذا، وكان ابن عباس -رضي الله عنه-من الذين أوتوا العلم، ووجه الدلالة من هذه الآيتين: أن اللام في (العلم) ليست للاستغراق، وإنما هي للعهد، أي: العلم الذي بعث الله به نبيَّه - صلى الله عليه وسلم -، وإذا كانوا قد أوتوا هذا العلم كان اتباعهم واجبًا.

المقدمة الثالثة

     وصف الله -تعالى- لهم بالصدق وأمرُ المؤمنين بأن يكونوا معهم: شهد الله -تعالى- للصحابة الكرام -رضي الله عنهم- بالصدق، كما أمر المؤمنين بتقواه وأن يكونوا مع الصادقين؛ فقال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 119)، وقد وردت آثار عن غير واحد من السلف في تعيين الصادقين في الآية: فقال نافع: مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وقال الضحاك: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما -رحمة الله عليهم-، وقال سعيد بن جبير: مع أبي بكر وعمر -رحمة الله عليهما.

الصحابةَ أئمَّةُ الصادقين

     يقول ابن القيم: «ولا ريب أن الصحابةَ أئمَّةُ الصادقين، وكلُّ صادق بعدهم فبهم يأتمُّ في صِدقه، بل حقيقة صدقه اتباعُه له، وكونُه معهم، ومعلومٌ أنَّ مَن خالفهم في شيء -وإن وافقهم في غيره- لم يكن معهم فيما خالفهم فيه، وحينئذٍ فيصدق عليه أنه ليس معهم، فتنتفي عنه المعيَّة المطلقة، وإن ثبَت له قسطٌ من المعية فيما وافقهم فيه».

المقدمة الرابعة

     موافقة القرآن الكريم لآرائهم: حبا الله -تعالى- الصحابة -رضي الله عنهم- بخصيصة ليست لأحد من الأمة، أعني: نزول القرآن الكريم موافقًا لآرائهم؛ مما يدلُّ على أن أحدًا ممن جاء بعدهم لا يساويهم ولا يدانيهم في رأيهم، وكيف يساويهم وقد كان أحدهم يرى الرأي فينزل القرآن بموافقته؟!

القرآن موافق لآراء الصحابة

     وأمثلة نزول القرآن موافقًا لآراء الصحابة كثيرة، ومنها: ما ذكره عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في قوله: «وافقت ربي في ثلاثٍ: فقلت: يا رسول الله، لو اتَّخذنا من مقامِ إبراهيم مصلًّى، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (البقرة: 125)، وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرتَ نساءَك أن يحتجَّبن؛ فإنَّه يكلِّمهنَّ البَرُّ والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الغيرةِ عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدلَه أزواجا خيرًا منكنَّ، فنزلت هذه الآية»، وقال أيضًا - صلى الله عليه وسلم : «وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر».

الصلاة على عبد الله بن أبيّ بن سلول

     ولما توفي عبد الله بن أبيّ بن سلول قال عمر - رضي الله عنه -: يا رسول الله، أتصلِّي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم  -: «إنما خيرني الله فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} (التوبة: 80)، وسأزيد على سبعين»، قال: إنه منافق! فصلَّى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل الله -عز وجل-: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} (التوبة: 84).

ولما حكَّم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سعدَ بن معاذ في بني قريظة فقال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتلَ مقاتِلتهم وتُسبى ذراريهم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «حكمت بحكم الله»، أو: «بحكم الملك».

المقدمة الخامسة

     إخباره - صلى الله عليه وسلم - بأنهم أمَنَة للأمَّة من ظهور البدع: لقد أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن نسبةَ أصحابه إلى من بَعدهم كنِسبته إلى أصحابه، وكنسبة النجوم إلى السماء، وذلك التَّشبيهُ في وجوب اهتداء الأمَّة بالصحابة ما هو إلا نظير اهتدائهم بنبيهم - صلى الله عليه وسلم -، ونظير اهتداء أهل الأرض بالنجوم.

أصحابي أمنة لأمَّتي

     يقول أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: صلينا المغربَ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلِّي معه العشاء، قال: فجلسنا، فخرج علينا فقال: «ما زلتم هاهنا؟» قلنا: يا رسول الله، صلَّينا معك المغربَ، ثم قلنا: نجلس حتى نصلِّي معك العشاءَ، قال «أحسنتم» أو: «أصبتُم»، قال: فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيرًا ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: «النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعَد، وأنا أمنةٌ لأصحابي، فإذا ذهبَت أتى أصحابي ما يوعَدون، وأصحابي أمنة لأمَّتي، فإذا ذهب أصحابي أتَى أمَّتي ما يوعدون».

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك