رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: umesh 17 يونيو، 2021 0 تعليق

سماحة الإسلام مع غير المسلمين (2)


ما زال الحديث مستمرا عن سماحة الإسلام؛ حيث ذكرنا أن الإسلام هو دين العدل والتسامح مع غير المسلمين، وقد أوصى الله -تعالى- في كتابه العزيز، وكذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - في سُّنته بالمسالمين لنا مِن غير المسلمين خيراَ؛ من أجل ذلك جاءت تلك السلسلة للتذكير بسماحة الإسلام مع غير المسلمين في المجتمع المسلم، واليوم نتكلم عن هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم - في معاملة غير المسلمين.

     إن اللهَ -تعالى- قد أرسلَ نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق والرسالة الإسلامية الخاتمة؛ فكان رحمة للعالمين، ولقد كانت الدولة الإسلامية في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - رحمة وأماناً للناس جميعاً، فعاش اليهود والنصارى تحت حكم المسلمين آمنين على أنفسهم وأموالهم وأماكن عبادتهم، وكان الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - يعرضُ عليهم الدخول في الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يجبر أحداً منهم على الدخول في الإسلام, وهؤلاء الذين بقوا على دينهم كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحث المسلمين على حُسْنِ معاملتهم وعدم التعرض لهم بالأذى، ولم يسفك النبي - صلى الله عليه وسلم - دم أحد منهم بغير حق، روى البخاريُّ عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ.(البخاري حديث:1356)، وهكذا كانت حُسْن معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - لجاره اليهودي سبباً في إسلام ولده، فليحرص كل منا على أن يسلك منهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حُسْنِ معاملته لجيرانه غير المسلمين.

(1) عفو النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أهل الطائف

     روى الشيخانِ عن عُرْوَةَ بن الزبير أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- (زَوْجَ النَّبِيِّ) - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ؛ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ؛ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا، عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ (أي كما سمعت من جبريل) إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا.(البخاري حديث 3231 / مسلم حديث 1795).

(2) عفو النبي  صلى الله عليه وسلم عن مشرك أراد قتله

     روى البخاريُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَزْوَةَ نَجْدٍ فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ (أي الظهيرة) وَهُوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ (الشجر الملتف الكثيف) فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَاسْتَظَلَّ بِهَا، وَعَلَّقَ سَيْفَهُ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ، وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ؛ إِذْ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجِئْنَا، فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاخْتَرَطَ سَيْفِي فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي مُخْتَرِطٌ صَلْتًا، قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُ.فَشَامَهُ (أي: ردَّ الرجلُ السيفَ في غِمده) ثُمَّ قَعَدَ فَهُوَ هَذَا. قَالَ: وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم . (البخاري حديث 4139)، وفي رواية الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُحَارِبَ بْنَ خَصَفَةَ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ، حَتَّى قَامَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالسَّيْفِ فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ اللَّهُ -عز وجل-. فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ. قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: لَا وَلَكِنْ أُعَاهِدُكَ عَلَى أَلَا أُقَاتِلَكَ وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ. (حديث صحيح)(مسند أحمد جـ23صـ193 حديث 14929)

(3) عفو الرسول  صلى الله عليه وسلم عن ثُمامة بن أُثال

     روى البخاريُّ عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ. فَقَالَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ (أي تركت دين الآباء) قَالَ: لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم . (البخاري حديث 4372).

(4) عفو الرسول  صلى الله عليه وسلم عن المرأة اليهودية

روى البخاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بشاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ أَلَا نَقْتُلُهَا قَالَ لَا. (قال أنس) فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (البخاري حديث 2617).

(5) عفو النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أهل مكة

لما فتحَ نبينا - صلى الله عليه وسلم - مكة، اجتمع له أهلها عند الكعبة، ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ فِيكُم؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطّلَقَاءُ. (سيرة ابن هشام جـ4 صـ412).

(6) نبينا - صلى الله عليه وسلم - يوصي بأهل مصر خيراً

     روى مسلمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا؛ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا.(مسلم حديث:2543)، قال الإمامُ النووي -رحمه الله-: قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْقِيرَاطُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَانَ أَهْلُ مِصْرَ يُكْثِرُونَ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ وَالتَّكَلُّمِ بِهِ، وَأَمَّا الذِّمَّةُ فَهِيَ الْحُرْمَةُ وَالْحَقُّ، وَهِيَ هُنَا بِمَعْنَى الذِّمَامُ، وَأَمَّا الرَّحِمُ فَلِكَوْنِ هَاجَرَ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ، وَأَمَّا الصِّهْرُ فَلِكَوْنِ مَارِيَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ مِنْهُمْ، وَفِيهِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِنْهَا إِخْبَارُهُ بِأَنَّ الْأُمَّةَ تَكُونُ لَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ بَعْدَهُ؛ بِحَيْثُ يَقْهَرُونَ الْعَجَمَ وَالْجَبَابِرَةَ، وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يَفْتَحُونَ مِصْرَ. (مسلم بشرح النووي جـ8صـ338)، وروى الحاكمُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَالرَّحِمُ أَنَّ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ. (حديث صحيح) (السلسلة الصحيحة للألباني حديث 1374).

(7) حماية أم هانئ لرجلين من المشركين

     قَالَتْ أُمّ هَانِئِ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ: لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَكّةَ، فَرّ إلَيّ رَجُلَانِ مِنْ أَحْمَائِي (أقارب زوجها)، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيّ، قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخِي، فَقَالَ: وَاَللّهِ لَأَقْتُلَنهُمَا، فَأَغْلَقْت عَلَيْهِمَا بَابَ بَيْتِي، ثُمّ جِئْت رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِأَعْلَى مَكّةَ، فَوَجَدْته يَغْتَسِلُ مِنْ جَفْنَةٍ إنّ فِيهَا لَأَثَرَ الْعَجِينِ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمّا اغْتَسَلَ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَتَوَشّحَ بِهِ ثُمّ صَلّى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ مِنْ الضّحَى، ثُمّ انْصَرَفَ إلَيّ فَقَالَ مَرْحَبًا وَأَهْلًا يَا أُمّ هَانِئٍ مَا جَاءَ بِك؟ «فَأَخْبَرْته خَبَرَ الرّجُلَيْنِ وَخَبَرَ عَلِيّ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت، وَأَمّنّا مَنْ أَمّنْت، فَلَا يَقْتُلْهُمَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ. (سيرة ابن هشام جـ 4صـ411).

(8) عبد الله بن رواحة واليهود

     روى أحمدٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ أَفَاءَ اللَّهُ -عز وجل- خَيْبَرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا كَانُوا، وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ؛ قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ -عز وجل-، وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ (أظلمكم)، قَدْ خَرَصْتُ عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلِي، فَقَالُوا بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَدْ أَخَذْنَا فَاخْرُجُوا عَنَّا. (إسناده قوي)(مسند أحمد جـ 23صـ210).

ابن تيمية يطلق الأسرى النصارى

     قال الإمامُ ابن تيمية -رحمه الله-: خَاطَبْت غازان (ملك التتار) فِي إطْلَاقِ الْأَسْرَى، فَسَمَحَ بِإِطْلَاقِ الأسرى الْمُسْلِمِينَ، ثم قال غازان: مَعَنَا نَصَارَى أَخَذْنَاهُمْ مِنْ الْقُدْسِ فَهَؤُلَاءِ لَا يُطْلِقُونَ. فَقُلْت لَهُ: بَلْ جَمِيعُ مَنْ مَعَك مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ ذِمَّتِنَا ؛ فَإِنَّا نُفْتِكَهُمْ وَلَا نَدَعُ أَسِيرًا، لَا مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَأَطْلَقْنَا مِنْ النَّصَارَى مَنْ شَاءَ اللَّهُ. فَهَذَا عَمَلُنَا وَإِحْسَانُنَا وَالْجَزَاءُ عَلَى اللَّهِ. وَكَذَلِكَ السَّبْيُ الَّذِي بِأَيْدِينَا مِنْ النَّصَارَى يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ إحْسَانَنَا وَرَحْمَتَنَا وَرَأْفَتَنَا بِهِمْ؛ كَمَا أَوْصَانَا خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ؛ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ: «الصَّلَاةُ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» قَالَ اللَّهُ -تعالى- فِي كِتَابِهِ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ28صـ:618:617).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك