رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد إبراهيم منصور 4 أبريل، 2016 0 تعليق

سمات المنهج الإصلاحي(1)

الإسلام منهج متكامل، تشريع شامل لكل مجالات الحياة؛ فهو إيمان وعمل، عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، أخلاق وسلوك، ومسكين الذي يتصور أن الإسلام يقبل من المسلمين أن يكون محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم  إمامهم في الصلاة، ثم ليس عليهم بعد ذلك إن كان (كارل ماركس) إمامهم في الاقتصاد؛ إن الإسلام له منهجه الاقتصادي السياسي الإصلاحي الكامل في كل مجالات الحياة؛ ذلك المنهج الذي يحقق للإنسان السعادة في الدنيا، ولا ينسى معاده في الآخرة؛ لذلك نتعرض في هذه السلسلة لسمات هذا المنهج المبارك ومنها:

الشمولية

     وهي من أهم سمات هذا المنهج. والشمولية تعني: أن الإسلام يعتني بالمجالات كلها على المستويات والفئات كلها، لا يتحيز لمجال على مجال ولا لمستوى على مستوى ولا لفئة على فئة، ولا لقضية على أخرى. نعم هناك ترتيب للأولويات لكن ليس هناك إغفال لأي منها.

فالمنهج الإصلاحي يضع ضمن أولوياته الإصلاحية الإصلاح في مجالات الاعتقاد، والعبادة، والأخلاق، والفكر والمعاملات، والدعوة، والإصلاح الاجتماعي، ومجال الإصلاح الاقتصادي، والإصلاح السياسي.

المنهج الإصلاحي لا ينحاز لفئة على فئة؛ بل يتعامل في رؤيته الإصلاحية مع كل فئات المجتمع وطبقاته.

ونذكر بعض الأمثلة، وبالمثال يتضح المقال:

في مجال العقيدة

     في مجال إصلاح العقيدة، وما يمكن أن يطرأ عليها من خلل نجد النبي صلى الله عليه وسلم  وهو في حالة حرب يمر هو وأصحابه على قوم لهم شجرة يعلقون عليها سيوفهم تبركا، يقال لها ذات أنواط، فيقولون له: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لقد قلتم كالذي قال بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة».

     بل إن النبي صلى الله عليه وسلم  لم ينتظر حتى يحدث الخلل، فنبه على أصول الاعتقاد ولوازمه، ولم يفرق في هذا بين صغير وكبير، فها هو ذا يقول لابن عباس: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».

     وها هو ذا يقول لمعاذ: «هل تدري ما حق الله على عباده؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً»، ثم سار ساعة ثم قال: «يا معاذ بن جبل!»، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: «هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «حق العباد على الله ألا يعذبهم».

وفي مجال العبادة: ينبه النبي صلى الله عليه وسلم  على ما يمكن أن يكون من خلل في حينه، فيقول للمسيء صلاته ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ ثم يعلمه كيفية الصلاة.

الأخلاق والسلوك

     وفي مجال الأخلاق والسلوك: نجده يعلم الصحابة كيف تكون الأخلاق العالية السامية، فيقول صلى الله عليه وسلم : «ما دخل الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه». ويقول صلى الله عليه وسلم : «الراحمون يرحمهم الله». ويقول صلى الله عليه وسلم : «خيركم خيركم لأهله».

المعاملات الاقتصادية

     وفي مجال المعاملات الاقتصادية: يمر بالسوق فيجد طعاما يباع، فيضع يده في باطنه فيجد البلل فيقول صلى الله عليه وسلم : «من غشَّ فليس منا». ويأتيه بلال بتمر جنيب، يعني: جيد، فيقول صلى الله عليه وسلم : «أَكلُّ تمر خيبر هكذا؟». فقال له بعت الصاع بالصاعين فقال صلى الله عليه وسلم : «عين الربا» رده وبع الجمع (الرديء) بالدراهم وابتع بالدراهم، وهذه صورة من صور ربا الفضل «أن يبيع مطعوما بجنسه وأحدهما أكثر من الآخر»؛ لهذا نهاه النبي صلى الله عليه وسلم  عنها.

السياسة والإصلاح السياسي

     وفي مجال السياسة والإصلاح السياسي: يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». ويقول صلى الله عليه وسلم : «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم إمام عادل». ويقول صلى الله عليه وسلم  «من ولاه الله شيئا من أمر المسلمين، فاحتجب عن حاجتهم وفقيرهم احتجب الله دون حاجته».

القضاء

     وفي مجال القضاء: يقول الله عز وجل: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}. ويبين النبي صلى الله عليه وسلم  أن أساس العدل هو القضاء بحكم الله -عز وجل- فيقول صلى الله عليه وسلم : «القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة، رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار».

السلم والحرب

     وفى مجال السلم والحرب: يقول الله عز وجل: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}. ويقول عز وجل: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تقتلوا طفلا ولا امرأة». ويقول: «ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة».

الإسلام منهج حياة

مما سبق نجد أن الإسلام منهج حياة، فعن سلمان رضي الله عنه أن المشركين أتوه متسائلين بسخرية واستهزاء قائلين: علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة؟! فقال: «أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم».

نأخذ من هذا الحديث ثلاث فوائد:

- الفائدة الأولى: أن منهج التشكيك في الإسلام وثوابته وقضاياه وأحكامه منهج واحد على مر الدهور من أول ظهور الإسلام إلى اليوم بالطريقة نفسها، هو التركيز على قضية واحدة بالتشكيك حتى إذا وصل لتشكيك المسلم فيها توصل بذلك إلى التشكيك في غيرها، حتى وصل الأمر بكثير من الشباب في ذلك إلى الانحلال ثم الإلحاد. فقد ركز المشركون هنا على قضية واحدة؛ على قضية أحكام الخلاء، وسموها باسم منفر؛ كأنهم يقولون: «هل يستحق الخلاء كل هذا الاهتمام حتى يفرده نبيكم صلى الله عليه وسلم  بهذه الأحكام.

- الفائدة الثانية:

بيان كيفية التعامل مع مثل هؤلاء المشككين:

- أولا: نتثبت هل ورد هذا في القرآن؟ هل قال النبي صلى الله عليه وسلم  هذا؟ هل هذا الحكم ثابت؟ وإن لم نفهم الحكمة منه ففهم الحكمة أمر زائد «يزيد الإيمان بهذا الحكم، فإن جهلنا الحكمة فلا يعني هذا أن الحكم غير ثابت، بل نتهم أنفسنا ولا نتهم ديننا».

- ثانيا: إذا ثبت الحكم رفعنا به رؤوسنا ولم نخجل، ولم نتخاذل ولم نهرب، بل نفعل كما فعل سلمان؛ إذ قال: أجل. لم يقل: إن هذا الحكم كان خاصا بالبدو، أو خاصا بقوم يجهلون هذه الأمور وليس عاما، أو خاصا بزمن دون زمن، وإنما قال: أجل، ثم أخذ يعدد لهم أحكام آداب الخلاء وتفاصيلها ليرغم أنوفهم ويقطع طمعهم.

الفائدة الثالثة:

     وهي المقصودة هنا وهي أن الإسلام الذي اعتنى بالخلاء وآدابه وأولاه هذه العناية وأرسى له هذه الأحكام هل يعقل أن يغفل ما فوقها من أحكام كالبيع والشراء، والسياسة والاقتصاد والصحة والتعليم والبيئة والمرأة والطفل، والعلاقات الاجتماعية والسلم والحرب وغيرها، بلا شك لا، والذي يطالع صحيح البخاري أو صحيح مسلم أو أي كتاب من كتب السنة، يجد هذا الأمر واضحا جليا وهو أن الإسلام منهج حياة.

     منهج يُظل الإنسان في حال صحته ومرضه، في أخذه وعطائه، في ذهابه ومجيئه، في شدته ورخائه، في فرحه وحزنه، يضع له الإطار الذي يضمن سعادته وحياته الكريمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(الأنفال: 24).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك