رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إعداد: قسم التحرير 22 مايو، 2023 0 تعليق

سمات العقيدة الإسلامية وآثارها في حياة المسلمين

 

 

العقيدة الصحيحة تحرر العقل من الأوهام والخرافات وتحفزه على التفكير الصحيح     

منذ أن جاءت رسالةُ الإسلامِ، وأعداءُ الله لها بالمرصادِ؛ وذلك لأنَّهم عَرَفوا أنَّ مصدر عِزِّ هذا الدين وعِزَّة أهله، وسِرّ تجدُّدِه في نُفُوس المسلمينَ؛ بتمسُّكهم بهذا القرآنِ العظيم وسُنَّة نبيِّهم الأمين، وقد اتَّخذت هذه العداوةُ صُوَرًا متعددةً، وأشكالًا مختلفةً، وهؤلاء الأعداءُ نوعان: أعداءٌ للإسلام أعلنوا عداءَهم في وضوحٍ، ومنافقون يُظْهِرون غيرَ ما يُبْطِنون، ويصطنعونَ الحِرْص على الإسلام، وهم في الحقيقة يَسْعَون إلى تحقيقِ أغراضهم الخبيثة، من انتقاص الإسلام، وذلك بإثارة الشُّبهات حول أصوله وثوابته، ونحن اليوم مع إحدى هذه الشبهات وهي: ادعاؤهم أن التمسك بالعقيدة الإسلامية رجعية، وأن الوقوف على ذلك نوع من الجمود والتخلف الحضاري، وأنه تعصب للموروثات القديمة، ويستدلون على ذلك بحال المسلمين الآن وواقعهم الأليم.

وجوه إبطال الشبهة

(1) العقيدة هي الجانب الغيبي الذي يتطلب الإيمان به إيمانا لا يرقى إليه الشك، ولها آثار واضحة في حياة المسلمين.

(2) العقيدة الإسلامية عقيدة ثابتة واقعية، إيجابية تتماشى مع واقع الإنسان ومتطلبات وجوده، قال -تعالى-: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286).

(3) تمتاز العقيدة الإسلامية بالشمول والتوازن والوسطية؛ مما يجعلها تقضي على التعصب وتبطل دوافعه.

أولا. معنى العقيدة وأثرها في حياة المسلمين

      أصل العقيدة في اللغة: من عقد الحبل، والبيع، أي: شده، والعقد: هو العهد، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(المائدة: 1)، ومعناها: الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده، وتعريفها في الاصطـلاح بأنهــا: «الجانـب النظـري الـذي يطلـب الإيمـان بـه أولا قبل كل شيء، إيمانا لا يرقى إليه شك، ولا تؤثر فيه شبهة، ومن طبيعتها تضافر النصوص الواضحة على تقريرها، وإجماع المسلمين عليها من يوم أن ابتدأت الدعوة».

      ومصدر العقيدة: هو النص الديني الصحيح، المدعوم بالعقل السليم، فضلا عن الإجماع الإسلامي العام، منذ الجيل الأول وإلى يومنا هذا على الأصول والكليات الكبرى المتفق عليها، فيما يتعلق بتلك العقيدة.

 آثار العقيدة في حياة المسلمين

وللعقيدة الإسلامية آثار واضحة في حياة المسلمين إذا كانت ماثلة في أذهانهم، حاضرة في نفوسهم، حية في قلوبهم. ومن آثارها ما يلي:

(1)  العقيدة تحرر الإنسان

من عبودية غير الله

وهذا يستوجب من الإنسان المسلم التحرر من كل ولاء لغير الله، والتمرد على كل قانون غير شرع الله، وهذا توجيه الخالق - عز وجل - ينبض بكل هذه المعانى؛ حيث قال -تعالى-: {ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} (88- القصص)، وقد وصف القرآن الكريم محمدا - صلى الله عليه وسلم  وهو حامل لأوسع الرسالات وأعمها- بالعبودية لله في مقام الرفعة، فقال -تعالى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} (الإسراء: 1).

(2)  العقيدة تحرر العقل

 من الأوهام والخرافات

      العقيدة تحرر العقل من الأوهام والخرافات، وتحفزه على التفكير الصحيح، ولقد اتجهت العقيدة إلى العقل، وعملت على تحريره من التقليد الأعمى، والخضوع للأفكار والعقائد والعادات الموروثة، وأقام الإسلام عقيدته على اليقين، قال -تعالى-: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (النجم :28)، كما اتجهت إلى تحرير العقل من الأساطير والخرافات والأوهام والجهل والسلبية، قال -تعالى-: {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (يونس: 101).

(3) العقيدة تحيي الشعور بالعزة والكرامة

      يستمد المسلم هذا الشعور من عزة الله -تعالى-؛ حيث قال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون: 8)، والعقيدة الإسلامية تطمئن الإنسان المسلم على رزقه وأجله، وقد تجلت هذه الطمأنينة في مواقف كثيرة، كموقف ابن تيمية؛ حيث قال ابن تيمية -لمن زج به من الحكام في السجن-: «ماذا تصنعون بي؟ إن قتلي شهادة، وإن سجني خلوة، وإن نفيي سياحة».

(4) العقيدة تغرس

 في نفس المسلم الاستقامة

      تظهر آثار العقيدة الإسلامية الصحيحة عندما يلتزمها المسلم؛ لأنه يستشعر تلك الصلة الدائمة مع خالقه، فيستحيي أن ينحرف، ويحاول تطهير نفسه وشعوره وجوارحه من الآثام، فتصبح نفسه عند الالتزام بالعقيدة حساسة تحس بلسع المنكر والإثم حينما تستمع إلى قوله -تعالى-: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (ق:16).

(5) تغرس في الإنسان

 روح التضحية والبذل والعطاء

      تجعل العقيدة الإسلامية الإنسان يستخلص أعز ما يملك من النفس أو المال أو الولد في سبيل الله، ولعلنا نتذكر كلمة خالد بن الوليد لملك الروم: «أتيتكم بقوم يحبون الموت حبكم الحياة»! وهي العقيدة الإسلامية التي أخرجت حنظلة في ليلة عرسه إلى صفوف المجاهدين يوم أحد ليرتفع شهيدا في سبيل الله.

(6) تكسب الإنسان

 روح الانضباط والمسؤولية

       تؤدي العقيدة الإسلامية بالإنسان إلى أن يضبط سلوكه وفق أوامر الله وتوجيهاته، فتجعله متحكما في هواه، لا عبدا لشهواته قال -تعالى-: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (الشمس:7-10).

(7) تبعث السعادة والطمأنية والأمن

      في ظلال عقيدة الإسلام، يتذوق الإنسان طعم السعادة، التي يرجوها كل الناس، ويسعون إليها بكل جهد، وباتباع شتى الأساليب، وفي ظلها يبتعد عن الندم على ما فات، والقلق على ما هو آت، ولتحقيق هذه السعادة عليه الإقبال على كتاب الله، والعمل بما فيه من أوامر ونواه، كل ذلك ليضمن السعادة في الدارين: الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل:97).

ثانيا: العقيدة الإسلامية

عقيدة ثابتة مستقرة

      العقيدة هي التصور الرباني الكلي الثابت الذي تدور الحياة حوله، وهذا التصور مع ثباته في قيمه وأصوله، لا يعني تجميد حركة الفكر والحياة، وإنما يسمح بالحركة، بل يدفع إليها دفعا، لكنها الحركة داخل نظام مستقر وأطر ثابتة، فلم يمنع الإسلام من الاستفادة بالخبرات العقلية، والعلمية، والفكرية في نصرة العقائد الدينية، وتقديمها بالصورة اللائقة والمناسبة لكل عصر، لمخاطبة الإنسان في كل عصر بما يناسب عقله وإدراكه.

عقيدة الإسلام عقيدة واقعية

      وعقيدة الإسلام عقيدة واقعية تتعامل مع المسلم وقدراته المحدودة، فلم تكلفه شططا، ولم تعنته، ولم تأمره أن يعتقد محالا، أو أن يؤمن بما لا يتوافق مع العقل، بل إن العقيدة الإسلامية جاءت لتعبر عن احتياجات النفس الإنسانية الواقعية للإيمان، فالإنسان يحتاج إلى الإيمان بالله وبوحدانيته؛ حيث نجد أن عقيدة التوحيد تتوافق مع نزوع النفس الإنسانية نحو الوحدة؛ لما فيها من معاني السلام الداخلي، والأمان النفسي، والإنسان بحاجة إلى الإيمان باليوم الآخر؛ حيث تتحقق معاني العدالة التي قد يجدها ضائعة مهدرة في حياته الدنيا.

      والعقيدة الإسلامية عقيدة إيجابية؛ ذلك أنها تربط بين قلوب معتنقيها برباط الإيمان والمحبة والتراحم، وهو رباط لا يعدله أي رباط آخر من جنس أولغة أو قومية أو مصلحة مشتركة، فهذه العلاقات تظل سطحية، لا تقوى أمام المحن والهزات الاجتماعية والاقتصادية، أما معاني الأخوة في العقيدة والوحدة الإيمانية فتحول الكثرة إلى وحدة، والأثرة إلى إيثار، والفرقة إلى اجتماع، فوجودها سبب في علو المجتمعات والأمم، فهي ليست خيالية يصعب تطبيقها، ولا تطلب من الإنسان فوق طاقته، قال -تعالى-: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286).

ثالثا: النظرة الشمولية

 والمتوازنة للكون والحياة

      تمتاز العقيدة الإسلامية بنظرتها الشمولية والمتوازنة للكون والحياة، فقد عرفت الإنسان تعريفا كاملا، أصله ونشأته وأطواره، وحياته وموته، وحياته بعد الموت، وما يرافق ذلك حتى يقر به القرار، إما إلى الجنة وإما إلى النار، وكذلك تطرقت للكون أصله وظواهره والغاية منه، وامتاز هذا التطرق بتوازن في التعريف للحياة بشقيها الدنيوي والأخروي، فبينت حقيقة كل منهما، قال -تعالى-: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (القصص: 77).

 

التصور الإسلامي عن الكون والحياة والإنسان

     العقيدة الإسلامية هي التصور الإسلامي عن الكون والحياة، والدين الذي يدين به المسلمون، وإنها بما تشتمل عليه من معان سامية لجديرة بأن تحرر الوعي الإنساني من سطوة الأوهام والأساطير، وترده إلى فكرة سهلة بسيطة لا لبس فيها ولا تعقيد، ومن سمات هذه العقيدة أنها عقيدة واقعية؛ فهي تعالج مشكلات الإنسان علاجا قريبا يلائم قدرته ومشاعره، ولا يكلفه ما لايطيق اعتقاده من الحالات والأحكام الممتنعة التي لا يسيغها عقله، وهي في جملة ذلك بمنأى عن التفريغات الذهنية وطرائق الجدل في عرض العقيدة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك