رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إيمان الوكيل 16 نوفمبر، 2014 0 تعليق

سلوكيات غير صحيحة سائدة في حياتنا الأسرية – الـتـعــصــب

الأسرة في الإسلام كيان مقدَّس، وهي اللَّبِنَة الأساسية في بناء المجتمع الإنساني السليم، ولهذا أَوْلَى الإسلام بناءها عناية فائقة، وأحاط إنشاءها بأحكام وآداب تكفل أن يكون البناء متماسكاً قويّاً، يحقِّق الغاية الكبرى من وجوده، وعند غياب هذه الآداب ووجود ما يخالفها فإن كثيراً من المشكلات والأزمات تحدث بين الزوجين، فتتعرض الأسرة إلى هزَّات عنيفة، قد تؤدِّي إلى زعزعة أركانها وانفصام عراها، وأحاول في هذه السلسلة استعراض بعض السلوكيات السلبية التي سادت في بعض الأسر وأحدثت تمزقًا نفسيًا وعلى إثرها اهتزت العلاقات داخل الأسرة، وفقدت الاستقرار والأمان، واليوم نتناول إحدى هذه السلوكيات وهي التعصب.

التعصب هو اتجاه سلبي يتكون لدى الفرد من محصلة تجارب وخبرات وتفاعلات اجتماعية، وهو من أشد الآفات الاجتماعية والنفسية وأكبرها؛ حيث تفتك بالأسرة وتؤدي إلى انهيارها.

     والتعصب هو التشبث بالرأي والاعتقاد بأنك دائماً على صواب، والمغالاة في فرض الأوامر وهذا المشهد تراه داخل الأسرة مع الأم والأب للأبناء، والزوج للزوجة، ويتضمن أيضاً إلقاء المحاضرات المطولة أو امتلاكك للرأي والكلمة الأخيرة دائماً حتى لو أجمع غيرك على خطئك، فالإقناع شيء وفرض الرأي بالقوة شيء آخر، ولا يلجأ إلى هذا الأخير إلا من قصر رأيه، وضعفت حجته، وزل منطقه. وما أجمل هذه الحكاية التي يروى فيها أن زوجا قبض على طائر صغير، وأخذ يتأمله مع زوجته، ثم قال: ما أجمل هذا العصفور! فأجابت الزوجة: عفواً إنها عصفورة.

فقال الزوج: عصفور.

فقالت الزوجة: عصفورة.

وتشبث كل منهما برأيه، واحتدم الجدال، وتحول إلى مناقشة، فمشاجرة لم تهدأ نارها إلا بعد وقت طويل، وبعد مضي سنة، تذكر الزوج هذه الحادثة فقال لزوجته ضاحكاً: أتذكرين تلك المشاجرة البلهاء بخصوص العصفور؟

     قالت: نعم أذكر، وقد فكرت بالطلاق يوم ذاك، ولكنني أشكر الله على النهاية السعيدة، وأعترف لكَ يا عزيزي أنك كنت على خطأ في إحداث كل هذه الأزمة بسبب عصفورة.. فقال الزوج: عصفورة! ولكنه عصفور، قالت: كلا! بل عصفورة.. واحتدم القتال من جديد!! فكم هناك من عصفور وعصفورة وراء المشاجرات!

أسباب تعصب الزوج على زوجته

1- الأمية الدينية وهي تدني الثقافة الإسلامية ولاسيما فيما يتعلق بحقوق المرأة وكونها تاج أسرتها وحقها في إبداء رأيها وفي تكافؤ الحياة الزوجية.

2- العادات والتقاليد التي تحدد دور المرأة ولاسيما بكونها فقط مطيعة وليس لها حق التعبير واعتقاد الرجل أن له الحق بامتلاكه لزوجة صالحة وأطفال اتخاذ كل قرارات العائلة لمجرد أنه رجل.

3- النظرة السلبية للمرأة بسبب التعصب النوعي ضد المرأة، وبالتالي تصبح المرأة مهمشة داخل المجتمع.

4- المرأة القوية فقد يخشى الرجل فقدانها أو أنها لا تحتاج له؛ لذلك يتخذ التعصب والإلزام أساس المعاملة بينهم لجعلها أكثر اعتماداً عليه.

5- التربية وآثارها فإذا كان الرجل تربي مع أب متعصب فلعله لم يتعلم أسلوباً آخر يتصرف به مع الآخرين.

6- اعتقاد الرجل أن القوامة بالديكتاتورية والتمسك والتعصب في الرأي وحرمان الزوجة من المشاركة في الرأي وإهمال رأيها والابتعاد عن منهج الشورى والمرونة في الحياة الزوجية.

أثر تعصب الزوج وفرض رأيه على زوجته

التعصب صور وألوان كثيرة منها: أن الرجل يحب أن يثبت نفسه بما يقرر ويصمم عليه ولا يسمح بأي نقاش في قراره؛ فالزوج المتعصب يميل إلى صلابة الرأي والمحافظة عليه، ويتصف بجمود الفكر، ويميل إلى العدوانية عند معارضته..

     والمرأة أيضا تحب أن تثبت نفسها بالدخول في نقاش للقرارات التي لا تناسبها؛ مما يؤدي إلى العديد من المشكلات الأسرية المترتبة على تعصب الزوج الذي لا يسمح بمجرد النقاش، ويترتب عليها معارضته واتهامه لها بالجدال ولا يستوعب كونها فقط تناقش ولا تعطي قرارات ولا رأياً معتمداً، ويأخذ نقاشها على محمل الجد وهنا ما في شك من حدوث مشكلة، فعندما يكون هدف الرجل بحياته أن يؤمن مستقبل زوجته وأبنائه وبداخله يحدث ذلك فقط بالطاعة له بلا نقاش أو حوار وما يحدث عكس ذلك هو خروج عنه ويصل به الحال إلى أنه يدعي معرفته بكل الأمور فنادراً ما يكون محبوبا من قبل أسرته..

     فعليك أن تفهم أن المرأة تثبت نفسها باعتمادها عليك، وأن الاختلافات والمناوشات بينكما تجدد حيوية الحياة الزوجية؛ فاعترف عند قيامك بارتكاب خطأ ما، أو عجزك عن تقديم إجابة لسؤال ما، و لا تسهب في الإجابة عن سؤال يسير؛ لأن ذلك من شأنه أن يزعج زوجتك وحاول ألا تفرض رأيك، وإذا رأيت عدم استعداد الطرف الآخر لقبوله فاسكت لتوفر على نفسك متاعب لا حاجة لك بها.

تعصب الآباء وأثره على الأبناء

     التعصب هو وظيفة نفسية خاصة؛ تتلخص في التنفيس عما يعالج في النفس من كراهية وعدوان مكبوت نشأ عليه الفرد ويورثه، فهو مرض اجتماعي يولد الكراهية والعداوة في العلاقات الأسرية فهو حاجز للتفاهم بين الأب والأبناء يعوق النمو النفسي لهم، ويدفعهم إلى الاضطراب، فمن البديهي أن الأطفال لا يولدون ولديهم كراهية وتمرد على الواقع الأسري لكنه شعور مكتسب من تعصب الآباء خلال عملية التربية، فالبعض لا يحب أن يأخذ برأي الابن وإن كان على يقين بأن رأيه صواب حتى لا يقال إن رأي الابن هو الأصح.

والأصل أن نربي الأطفال منذ الصغر على الحوار والاستماع للآخرين، وأن نمارس ذلك عمليا في الأسرة، وأن نبتعد عن التمسك بالرأي الآخر، ولاسيما إذا ثبت أنه خطأ ويؤكد أنه من أساليب التربية تعويد الصغار على الأخذ برأيهم إن كان صوابا، فهذا يعد تحفيزا لهم.

 كيفية التعامل مع الشخص المتعصب

إن أكثر ما يحتاجه الرجل من المرأة هو الاحترام وبالمقابل يعطيكِ هو الحب والتقدير، والطريقة المثلي للتعامل مع الشخص المتعصب التي تجبره على الإنصات والاستماع لأي حديث غير حديثه هي الصدق والوضوح:

1- اعرض رأيك بأسلوب مرن مقترناً بجملة «هذا رأي ولك كامل الحرية في اتخاذ القرار» هذا يجعله مؤهلاً للتفكير، ويعطيه انطباعاً أن القرار لا زال بيده.

2- الحديث بأسلوب مباشر وبه كثير من الشجاعة، واعرض رأيك وإيجابياته ولا تسفه رأيه، واذكر بهدوء سلبياته، واحذر أن يكون علاجك للتعصب ناتجاً عن تعصب منك، ولا تبد تعصباً في الدفاع عن رأيك مهما كانت نسبة صحته؛ فتندرج تحت النوع الذي يعشق التحكم في كافة مجريات الأمور كالزوج والأولاد ويحب فرض الأوامر ومشاهدة الآخرين ينصاعون لها وينفذونها.

3- الهدوء واللامبالاة والإصرار عند اتخاذ موقف مضاد لرأيه وهذا كفيل بجعله يشعر بقمة الرفض في البداية، ولكن بعد فترة قد يشعر بالانهزام ولا يصل إلى هذه المرحلة بسهولة، إنما يقوم ببعض الحيل الدفاعية دفاعاً عن آرائه، وبإصرارك وصدك لهذه الحيل الدفاعية يخضع هو أخيراً لموقفك.

4- التعبير عن رأيك بصورة لطيفة وخالية من الخوف ليأخذ فكرة إيجابية عن رأيك ويجد في نفسه رغبة للإنصات إليكِ.

فالأسرة عبارة عن وحدة اجتماعية تقوم على زواج شخصين، يترتب عليه نتاج في الأطفال فلا بد من قيامها على التحاور والود والتفاهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك