رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 22 فبراير، 2011 0 تعليق

سلفيـو مصـر والمهمة الشاقـة مابعـد التغيير

 

قال الله تعالى في كتابه العزيز: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} (آل عمران: 26).

فالعاقل اللبيب الذي ينظر بعين بصيرته إلى تصريف الله في خلقه وتقليبه للأيام والدهور، وما آلت إليه الأحداث سواء في مصر أم في تونس يقف أمامها موقف العظة والعبرة، ولا شكَّ أنَّها أحداثٌ تاريخيَّة بمعنى الكلمة، أحداثٌ هي أولاً وآخرًا بقدر الله تبارك وتعالى.

       ولقد كنا نسمع عن الثورات ونقرأ عنها بالتاريخ ولكن لم يَدُر بخلد أحدنا أن يعاين ويعاصر ثورة بهذا الحجم الهائل في ظل ما يسمى بالأنظمة الديكتاتورية – كما يصفها بعضهم- وإنْ كانت هذه الثورة ستغير الخريطة السياسية في مصر على حد وصفهم، فمن وجهة نظري أنها لن تقف عند هذا الحدّ، بل ستكون سببًا في تغيير خريطة مصر بأكملها داخليًّا وخارجيًّا، ولا شكَّ أنّها ستكون أيضًا سببًا رئيسًا في تغيير خريطة المنطقة جمعاء، وهذا ما يؤكده الخبراء والمختصون.

       ونحن لسنا بصدد التحليل السياسي للأحداث، وكذلك ليس هدفنا من هذا المقال الحديث عن شرعيَّة هذا الحدث من عدمه فليس هذا من اختصاصنا، ولكننا نتكلم عنه بوصفنا منهج ودعوة تأثرت وتتأثر بما يحدث وبما ستؤول إليه الأحداث في المستقبل إن شاء الله.

       ونحن حينما نحلل موقف السلفيّين وتفاعلهم مع الأحداث نجد أنه قد جاء مُعبِّرًا تمامًا عن المنهج الأصيل الذي تتبناه هذه الدعوة، فلقد كان موقفهم في غاية العقلانيَّة والحكمة والسياسة الشرعية.

        ولا شك أنَّ أهم نجاح حقَّقهُ السلفيُّون في مِصر خلال هذه الأحداث هو تجاوز الخلاف حول شرعيَّة هذا الحدث من عدمه، وهذا ما أكدَّه الداعية الشيخ عبد المنعم الشحات أحد رموز الدعوة بالإسكندرية حين وصف المشهد قائلاً: إن كل فريق في طريقه الذي اختطَّه لنفسه، وقد عَلَّمَتْنا التجاربُ أنَّ استهلاك طاقة الإسلاميّين في المِراء لا يحل الخلافَ وإنّما يَزيد الشقاقَ؛ وأكّد على أنَّ العلاقة بين الدعوة وأبنائِها قائمةٌ على مَرجعيَّة الدليل في الأمور الشرعيَّة، وعلى الثقة في المشايخ في الأمور الواقعيَّة.

       وقد أدت السلفيون دورًا بارزًا وأساسيا في هذه الأحداث وتفاعلوا معها من خلال جهود عديدة ومتنوعة، فعلى المستوي الشعبي كان لهم دور متميز تمثل في أمور عدة أهمها:

• حفظ الأمن من خلال تكوين اللجان الشعبية.

• دعوة الناس إلى عدم الصدام والعمل على حفظ الأموال والممتلكات، وكان ذلك من خلال البيانات والدروس المُكثَّفة في جميع المناطق والمحافظات.

• قيام الشباب السلفي بتوفير السلع الغذائية والخضراوات وأنابيب الغاز وكذلك وقود السيارات بأسعار رمزية ولاسيما في الأحياء والمناطق الشعبيَّة.

       وقد كان لهذه الجهود أثر واضح بين جموع المصريين بمن فيهم اللصوص والبلطجيَّة الذين استجابوا لنصح الشباب السلفي، ومن الطُرَف التي يذكرها الشيخ ياسر برهامي أنَّ بعض اللصوص بعد أن قضوا الليل بأكمله لإخراج خزانتين كبيرتين من خزائن إحدى الجهات الحكوميَّة، قامت مجموعة من الشباب السلفي بوعظهم بالحسنى بأنَّ هذا الأمر لا يجوز، فقاموا على الفور بتسليمهما لهم طواعية دون أيّ مقاومة، وعلى أثْر ذلك قام الشيخ بتسلميهما بنفسه لقوات الجيش، كما قام أيضًا بتسليم كميَّة من الأسلحة المسروقة من أقسام الشرطة التي دُمِرَتْ أثناء الأحداث.

       ولما سُئل الشيخ عن أهميَّة هذه الأمور وهل يليق بحجم الدعوة السلفيَّة وقيمتها أن تهتم بها في مثل هذا الوقت؟ فردَّ الشيخ أنْ من يقول بذلك فإنَّما ينتقص سببًا من أسباب رحمة الله، فقد قال النبي[: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، وهل كان دورنا طوال السنوات الماضية مُقتصرًا على ذلك؟ إنَّما قمنا به حين الحاجة إليه، وبفضل الله فإنَّ هذه المواقف أكْسَبت شباب الدعوة قدرًا كبيرًا في قلوب الناس قبل أن تُكسبهم شُهرة إعلاميَّة أو منزلة سياسيَّة قد يتوهم البعض أنهم يسعون إليها وهذا بفضل الله تبارك وتعالى.

       أما الجبهة الأخرى التي أثبت السلفيُّون فيها جدارتهم - بفضل الله - والتي جاءت مُنْسجمةً تمامًا مع مبادئهم وثوابتهم التي تَرَبوا عليها، فكانت في العمل على الحفاظ على عقيدة الشعب المصري وديانته من خلال البيانات المتتالية والمؤتمرات الحاشدة التي وجهوا من خلالها رسائل مباشرة إلى أصحاب القرار مُحذّرين إيّاهم من المَساس بالمادة الثانيَّة من الدستور المصري، التي تَنُصّ على أنَّ: الإسلام دين الدولة، واللغة العربيَّة لغتها الرسميَّة، وأنَّ مبادئ الشريعة الإسلاميَّة المصدر الرئيس للتشريع. جاء هذا في الوقت الذي بدأت فيه مجموعة من الشخصيَّات القبطيَّة والعلمانيَّة بالفعل بالتحرُّش بالمادة الثانيَّة من الدستور والمطالبة بإحداث تعديلات دستوريَّة تؤكّد على علمانيَّة الدولة والمطالبة بقيام ما يسمى بالدولة المدنيَّة!

        ودعا السلفيّون إلى تفعيل هذه المادة بمراجعة كافَّة التشريعات المخالفة للشريعة، وإلى إطلاق حملةٍ لجمع توقيعات مليونيّة للتأكيد على عدم المساس بها، مؤكدين أنَّ الأمَّة لم تَخترْ هذه المادةَ لتَبقى حَبيسةَ الأوراقِ والأدراج. (وقد تعرضت الفرقان لهذه الجهود بالتفصيل في العدد السابق).

       تأتي هذه الجهود التي بذلها السلفيُّون في مصر في ظل انشغال كل الطوائف والنُخَب السياسيَّة والإسلاميَّة بتحقيق الأهداف التي خرجوا من أجلها ألا وهي إقصاء النظام المصري عن سُدَّة الحُكم، وهو ما نجحوا فيه بالفعل.

       وعودة إلى عنوان المقال فإنَّ السلفيين أمام مهمة شاقَّة وتحدٍّ كبير بدأ منذ بدأت رياح هذه الأحداث تّهُبُّ على مِصر، ولقد نجح السلفيُّون بفضل الله في التعامل مع الحدث والتفاعل معه وإدارته بشكل جيد، حتى وإن تباينت مواقفهم أو تفاعلهم من مكان لآخر أو من شيخ لآخر، إلاَّ أنَّ الغالب الأعَمّ هو أن السلفيين لم يكونوا بعيدين عن ساحة الأحداث من خلال تلاحمهم مع الشعب ليل نهار كما بيَّنا.

       والتحدّي الأكبر والمهمَّة الشاقَّة أمام السلفيّين تأتي فيما بعد، فلا شكَّ أنَّ التغيير الذي حدث - نسأل الله جل وعلا أن يكون تغييرا إلى الأفضل- رُبَّما يفرض على جبهة العمل السلفي - إن صحت تلك التسمية - نوعا من العزلة في ظل الائتلاف الذي من المتوقع أن يحدث بين الأحزاب والطوائف والقوى السياسيَّة المختلفة بمن فيهم الإخوان المسلمون  الذين لا يمانعون في قيام ما يسمى بالدولة المدنيَّة أو تولي المرأة أو أحد الأقباط الولاية العامة.

         وربما يزيد من هذه العزلة النظرة غير الصحيحة للسلفيّين من كثير من شرائح المجتمع وطوائفه بمن فيهم الإخوان على أنَّ السلفيين مجرد دعاة لا أثر لهم خارج نطاق الوعظ الديني، وأنَّهم في حال سكون أو أنهم بحر مغلق ركدت مياهه، ولن يستطيعوا مواجهة الأمواج العاتية التي أخذت تتلاطم في بحور التغيير التي حدثت في مصر.

       نقول: إنَّ التحدّي الأكبر أمام السلفيّين هو كيفيَّة تجاوز هذه النظرة من خلال إعادة ترتيب البيت السلفي، والعمل على بناء رؤية مستقبليَّة جديدة للعمل السلفي في ظل المتغيرات الجديدة.

        ولاشك أنَّ الدور المجتمعي والإرشادي الهائل الذي قام به السلفيّون في السنوات الخمس الفائتة والذي كان العامل الرئيس وراء أسْلمة المجتمع المصري وهيمنة المظاهر الإسلاميَّة عليه، يُعَدُّ رصيدًا هائلاً لانطلاق الدعوة إلى آفاق جديدة تواكب هذه التغيرات.

ومن أهم ما يمكن للقائمين على رأس العمل السلفي من وجهة نظري القاصرة في الفترة الحالية هو ما يلي:

• بداية لابد من التخطيط الجيِّد والعمل على بناء رؤية واضحة المعالم لمستقبل الدعوة في الفترة المقبلة، فالتخطيط هو بداية النجاح لأي عمل، وقد قيل: إنَّ مَنْ فَشِلَ في التخطيط فقد خَطَّطَ للفشل.

• العمل على لَمّ الشمل السلفي وتوحيد الجهود وسد الثغرات وإيجاد خطاب سلفي موحد، ويمكن ذلك من خلال تكوين رابطة أو جبهة لعلماء الدعوة السلفيَّة في مصر تكون مهمتها التصدي لمحاولات النيل من ثوابت الشريعة أو المرجعية الإسلاميَّة للدولة، وتكون مرجعًا لشباب الدعوة في مصر ولاسيما وقت الأزمات.

• تفعيل مفهوم العمل الجماعي والمؤسَّسي المنظم والمنضبط والاستفادة من مساحة الحريَّات التي ستعطى، ولا شكَّ أنَّ ما كان بالأمس محظورًا فاليوم أصبح مباحًا.

• الاستفادة من تجارب العمل السلفي المنظم سواء في الداخل أم في الخارج، فمدرسة الإسكندريَّة على سبيل المثال تُمثل نموذجًا متميِّزًا لهذا العمل في الداخل - وإنِ اختلف معها البعض في بعض المفردات - فيمكن تجاوز ذلك من خلال التفاهم والحوار، كما أنَّ هناك تجارب أثبتت نجاحًا باهرًا في الخارج كالتجمع السلفي في الكويت وكذلك في البحرين.

• إيجاد وسيلة للتخاطب والتفاهم مع باقي الأحزاب والحركات السياسيَّة والإسلاميَّة حاليًا للوصول إلى صيغة مشتركة لتخطي هذه الأزمة وعدم الانعزال والتقوقع بعيدًا عنهم، ومستقبلاً في المشاركة الفاعلة في بناء مستقبل هذا البلد.

       وأخيرًا فالسؤال يعود ويفرضُ نفسه: هل سيستطيع السلفيُّون فعلاً أنْ يكونوا على مستوى هذا التحدّي، ويكونوا عُنصرًا فاعِلاً في بناء مُستقبل هذا البلد وصياغة مكوناته من جديد؟ أم سينشغل بعضهم ببعض وتظهر لهم خلافات جديدة تزيد الهوة فيما بينهم وتُثْبتُ ما قاله عنهم مخالفوهم؟! لا شَكَّ أنَّها مُهمَّةٌ شاقَّة تحتاج إلى جهودٍ حثيثة وصبرٍ طويل وتكاتف للجهود ولمٍ للشمل، وهم بإذن الله قادرون على ذلك والأيام خير شاهد، قال الله تعالى في كتابه العزيز: {فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد} (غافر: 44).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك