{سلسلة {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} كلمة إلى الشباب
كتبه فضيلة الشيخ: ناظم بن سلطان المسباح
مِن مظاهر قدرة الباري عز وجل في بني آدم أنَّ خَلْقَهم يمرُّ أطواراً, قال تعالى: {مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} (نوح: 13 - 14), فمنها مرحلة الصِّبا, ثمَّ الشباب ثمَّ الشيخوخة.
وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} قوله تعالى: {الله الذي خلقكم مِن ضعف} في الآية دليل على قدرته في نفس الإنسان ليعتبر, ومعنى: {مِن ضعف} مِن نطفة ضعيفة, وقيل: «مِن ضعف» أي في حال ضعف, وهو ما كانوا عليه في الابتداء مِن الطفولة والصِّغر, {ثمَّ جعل مِن بعد ضَعفٍ قوةً} يعني الشبيبة, {ثمَّ جعل مِن بعد قوة ضَعفاً} يعني الهرم.
والواحد مِنَّا لا يملك تغيير هذه السُّنن الجارية عليه مِن الباري سبحانه, فنحن نرغب في طول فترة الشَّباب بل بقائه:
ألا لَيْـتَ الشَّبابَ يعُودُ يَوْماً
فأُخْبِـرَهُ بِما فَعَلَ المَشِيـبُ
قال آخر:
وَلَّى الشَّبابُ فَما لَهُ مِنْ عَوْدَةٍ
وأَتَى المَشِيبُ فأَيْنَ مِنْهُ المَهْرَبُ
فهل نستطيع أن نُحقِّق مِثل هذه الأُمنية؟ طبعاً لا! {و لَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً}, وقال سبحانه: {ولَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْويلاً}.
فالشباب مرحلة القوة والنَّشاط والحماس والعطاء والبِناء والتَّحدِّي, وهذه نِعمة عظيمة مِن الباري سبحانه, سنُسأل عنها عِندما نقِف بين يدي الله عز وجل, قال عليه الصلاة والسلام: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة مِن عند ربِّه, حتَّى يُسألَ عَن خمس: عَن عمره فِيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله مِن أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وماذا عمِل فيما علِم؟» أخرجه الترمذي, فمَن أعانه الله سبحانه وحفظ شبابه, واستغله بطاعة الله ورسوله [ مِن حِفْظِ كتاب الله, والدعوة إلى الخير والإصلاح, والتَّمرس في أمور الدُّنيا المفيدة التي تعود عليه وعلى أمَّته بالخير والقوة, فله البشرى في الدُّنيا والأُخرى, قال [: «سبعة يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه ـ وذكر مِنهم ـ شابٌّ نشأ في عبادة الله...», يا لها مِن بُشرى ـ شباب الإسلام ـ تكون في كَنَفِ وكرامة وظلِّ عرش ملك الملوك وعلاَّم الغيوب الكريم المنَّان, وخصَّ الشباب بهذه الكرامة لكونه مظنَّة غلبة الشهوة؛ لما فيه مِن قوة الباعث على متابعة الهوى؛ فإنَّ ملازمة العبادة مع ذلك أشدُّ وأدلُّ على غلبة التَّقوى كما قال العلماء. ومَن أهدر شبابه في المخدرات والخمور والجري وراء العاهرات الفاجرات, وضيَّع ما أمره الله تعالى مِنَ الصلوات, وبقية الواجبات, فسيندم حين لا ينفع النَّدم, قال تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (الزمر: 55 - 58).
إعداد: لجنة الدعوة والإرشاد
لاتوجد تعليقات