رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 1 ديسمبر، 2014 0 تعليق

سلسلة الأعمال الخيرية- القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 23- خير الأمور أوساطها

نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية.

خير الأمور أوساطها، وفي لفظ أوسطها(1)،  ومعنى القاعدة أن الخير في الاعتدال في كل شيء؛ فالفضيلـة وسط بين رذيلتين، وهـذا مرجع تقـدير القيمة، وما يبذل لكل محتاج، وغيرها(2).

     فالوسط في كل شيء هو نقطة التوازن والاعتدال وبه يكون الثبوت، وبه يجتنب السقوط، وهو محمود إن كان بين خطأين أو فاسدين شرعا أو عقلا، وقد جاء نص القرآن بمثال واضح في هذا في قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}(الإسراء: 29)، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا}(الفرقان: 67).

وأنشد بعضهم:

عليك بأوساط الأمور فإنها

                              نجاة ولا تركب ذلولاً ولا صعباً     

فالإسراف ممقوت، والتقتير ممقوت؛ لذا وجب البحث عن الفضيلة بينهما، وهكذا في جميع الأمور.

واختيار أواسط الأمور في الأعمال الخيرية أمر مطلوب، فعلى المؤسسات الخيرية أن تختار أواسط الطعام في وجبات إفطار الصائمين، فلا تضع أدني أنواع الطعام، ولا تسرف بوجبات باهظة الثمن، ولعلها لا تكون من مأكول من تُعد لهم وجبات الإفطار. 

وكذلك في تحديد ما يفي باحتياجات الأسر المتعففة ، وطلاب العلم ، والدعاة، والأيتام والأرامل، وغيرهم، علينا أن نختار أواسط الأمور، فالمؤسسات الخيرية مؤتمنة على الأموال التي بأيديها، ويتوقع المتبرعون أن نقدم لأهل الحاجات ما يفي بمتطلباتهم من غير تقتير ولا إسراف .

فاختيار أواسط الأمور في أعمالنا الخيرية، يحافظ على ثقة المتبرعين في مؤسساتنا الخيرية، وكذلك نظرة المستفيدين والمجتمع في صرفنا لما بأيدينا من أموال مخصصة لنفع أهل الحاجات .

ومن التطبيقات العملية لتلك القاعدة:

- في حال الإغاثة لمن أصابتهم نازلة على المؤسسات الخيرية والإغاثية أن توفر لهم احتياجاتهم، وأن يبذل لهم المعروف من غير إسراف ولا تقتير؛ فخير الأمور أواسطها .

- ما يصرف للعاملين في المؤسسات الخيرية مقابل أدائهم يحدد بأواسط الأمور ، فلا ينبغي للمؤسسة أن تُعطي رواتب عالية، وعليها أن تُعطي الأجور كأجور المثل، ويختار أواسطها ، وحسب طاقة المؤسسة . 

- تحدد قيمة كفالة اليتيم ورعايته بأواسط ما يصرف أمثاله من الأولاد، ولهذا ينبغي أن تكون كفالة الأيتام بقيمة تحددها البيئة التي يعيش فيها اليتيم، فتكاليف الحياة تتفاوت من بلد إلى آخر؛ وكذلك مخصصات الأرامل والأسر المتعففة وغيرهم .

- المصاريف التشغيلية في المؤسسات الخيرية لا تتجاوز العرف، فعلى المؤسسات الخيرية التزام الاعتدال في الصرف، وأن تختار أواسط ما يفي بتشغيل المؤسسة، فلا تسرف في توفير التجهيزات من أثاث وأجهزة وغيرها، إلا إذا كان هنالك متبرع وداعم لتلك التجهيزات، ويوضع ما يوضح ذلك للمتبرعين وللمستفيدين .

- وفي التقارير التي ترسل للمتبرعين وإعلاميات المؤسسات الخيرية وإقامة الاحتفالات في المناسبات، علينا أن نلتزم بأواسط الأمور، والاعتدال في الصرف، فخير الأمور أواسطها.

الهوامش:

1- تنبيه: الحديث الذي يُروى: خير الأمور أوسطها لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من أقوال الحكماء، كما قال ابن عبد البر في  الاستذكار، وقال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء: أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من رواية مطرف بن عبد الله معضلا. اهـ.

وقال السخاوي في المقاصد الحسنة: رواه السمعاني في ذيل تاريخ بغداد بسند مجهول عن علي مرفوعا وهو عن ابن جرير في التفسير من قول مطرف بن عبد الله ويزيد بن مرة الجعفي. وكذا أخرجه مطرف والديلمي بلا سند عن ابن عباس مرفوعا. اهـ

2 - موسوعة القواعد الفقهية للبورنو (5/302).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك