رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 7 ديسمبر، 2014 0 تعليق

سلسلة الأعمال الخيرية- القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 24 – قاعدة : الترك فعل

نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي؛ ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع، الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية.

الترك والكف فعل(1)، قاعدة مفادها أن الله – سبحانه وتعالى – جعل الثواب والعقاب مرتبًا على الفعل، فالعمل يترتب عليه إن كان صالحًا دخول الجنة والنجاة من النار، ودليل القاعدة، قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}(النازعات 40-41).

فوعد الجنة لمن وقع منه فعلٌ وتركٌ، فخاف مقام ربه، وترك هوى النفس، وهذا يدل على أن العبد مطالب بإيجاد الترك كما هو مطالب بإيجاد الفعل، وأنه يثاب على فعل ما أمر به، وترك ما نهي عنه، كما أنه يعاقب على ترك ما أمر به، وفعل ما نهي عنه .

ودليل آخر {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }(المائدة: 79)، فالمسلم كما هو مخاطب بالفعل، مخاطب بالترك؛ فالترك فعل؛ لأنه صرف النفس عن النواهي وكفها عن المحرمات .

     وقد جعل الله تعالى الثواب والعقاب والمدح والذم مرتباً على الفعل، وجعل دخول الجنة والنجاة من النار بسبب العمل، قال تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(النحل: 32) وقال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ ۖ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}(فصلت:28)، وهذا يوجب أن يكون الترك عملاً؛ لأنه داخلٌ في الثواب والعقاب والحسنات والسيئات كما دلت عليه النصوص الشرعية . وهذا ما قرره أهل العلم من الأصوليين وغيرهم .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «وتارك المأمور إنما يعاقب على ترك يقوم بنفسه وهو أن يأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالفعل فيمتنع، فهذا الامتناع أمر وجودي، ولذلك فهو يشتغل عما أمر به بفعل ضده، كما يشتغل عن عبادة الله وحده بعبادة غيره، فيعاقب على ذلك»(2).

     وقد ترك صلى الله عليه وسلم الشَّيءَ المطلوبَ دفعًا للمفسدَةِ الأكبرِ ، كتركه لبناء الكعبة على قواعد إبراهيم وعلل لذلك؛ حيث قال لعائشة رضي الله عنها: «يا عائشة، لولاَ أنَّ قومَكِ حديثُ عهدٍ بجاهليَّةٍ، لأمرتُ بالبيتِ فهُدِمَ، فأدْخلتُ فيه ما أُخرِجَ منهُ وألزَقْتُه بالأرضِ، وجعلتُ لهُ بابينِ بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا، فبَلَغْتُ بهِ أساسَ إبراهيم» (3).

ومن تطبيقات قاعدة (الترك فعل):

- ترك إطعام الجائع حتى مات؛ أو ترك إنقاذ الغريق حتى غرق ، فترك الإنقاذ والإطعام «فعل» لجريمة تلزم الضمان.

- كذلك ترك من أصابتهم الكارثة والنازلة بلا إغاثة ولا رعاية يعد تركاً لواجب، يؤثم عليه، فالكف عن فعل شيء، بعد وجود الداعي إلى فعله، يدل على تَرْكِه عمدًا.

- وترك الأموال المتصدق بها من المتبرعين في حسابات المؤسسة الخيرية أو الوقفية، وإهمال صرفها وحبسها من غير علة محدودة، يعد من الفساد، {والله لا يحب المفسدين}.

- وترك الفعل بعدم صرف الأموال على المستحقين أو الموقوف عليهم، وهذا تعدٍّ في الصدقة، والمعتدي في الصدقة كمانعها، فعلى من ولي أمر الوقف عليه ألا يؤخر أداء حقوق المستحقين في الوقف، إلا لضرورة تقتضي تأخير إعطائهم لحقوقهم: كحاجة الوقف إلى العمارة والإصلاح أو الوفاء بدين على الوقف؛ لأن هذا مقدم على الإعطاء للمستحقين(4).  

- وإعطاء المستحقين حقوقهم من غلة الوقف، يجب أن يكون بحسب ما اشترطه الواقف؛ لأن شروطه معتبرة، ولا يجوز كذلك للناظر وإدارة الوقف أن تؤخر حق الانتفاع من عين الوقف للموقوف عليهم بلا ضرورة تقتضي ذلك.

- وإذا ترك ناظر الوقف إيجار دور الوقف وقت الإيجار، وفوت الفرصة لمصلحة الوقف والموقوف عليهم، فإنه ضامن؛ لأنه ترك الفعل وأهمل في أداء واجباته، وكذلك من أهمل عمارة الوقف حتى تهالكت أصوله فتركه فعل يؤاخذ عليه .

- والامتناع وترك الشهادة بما يكون في مصلحة الوقف أو الموقوف عليهم، إذا دُعي للشهادة وهو قادر عليها ولا مانع يمنعه من ذلك فهو آثم؛ لأن بتركه يضيع حقوق لا بد من إثباتها . 

- وكذلك ترك الإنكار على المعتدي على الوقف ونهيه عن ذلك، يعد فعلاً؛ لأنه ترك واجب الدفاع ورد عين الوقف المغصوبة .

الهوامش:

1- انظر: شرح الكوكب المنير1/492، شرح طلعة الشمس لابن حميد الساعدي 1/35 الاعتصام للشاطبي 1/30، أضواء البيان للشنقيطي6/49 دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت 1995 م، وانظر أدلة القواعد الأصولية من السنة النبوية د.فخرالدين الزبير ص100-102، الدار الأثرية عمّان، الطبعة الأولى 2009م.

2- الفتاوى (14/281-282).

3- متفق عليه ، أخرجه البخاري برقم 1585، ومسلم برقم 1333

4- أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية، د.محمد الكبيسي، ( 2/198).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك