رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 11 فبراير، 2014 0 تعليق

سلسلة الأعمال الخيرية- القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال 3 الخيرية والوقفية. « كل ما صح بيعه صح هبته « (1)

نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع، الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية .

والقاعدة الثالثة : ( كل ما صح بيعه صح هبته ) 2، وقد نص أهل العلم على أن كل ما جاز بيعه جازت هبته(3)، وجاز التصدق به؛ ومفهوم ذلك أن ما لا يجوز بيعه لا تجوز هبته، ولا التصدق به، كالخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقد صح من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما سمع النبي صلى الله عليه وسلم  غداة فتح مكة يقول: إن الله حرم بيع الميتة والخمر والخنزير والأصنام(4)، فهذه منصوص على تحريم بيعها، فلا تصح هبتها.

وأفرد السيوطي كذلك قاعدة في كتابه الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية: «(ما حرم أخذه حرم إعطاؤه)، كالربا ومهر البغي، وحلوان الكاهن والرشوة وأجر النائحة ، والزامر(5).

ويشترط لصحة الصدقة والوقف أن يكون الموقوف مملوكاً للواقف ساعة وقفه ملكاً باتاً، لا ينازعه فيه أحد، وألا يكون محجوزاً عليه، أو مرهوناً لأي جهة .

وهذا ما اتفق الفقهاء على اشتراط كون الموقوف مالاً متقوماً، معلوماً، مملوكاً للواقف ملكاً تاماً، أي لا خيار فيه. أي أن يكون الموقوف مملوكاً للواقف حين وقفه ملكاً تاماً: أي لا خيار فيه؛ لأن الوقف إسقاط مِلْك، فيجب أن يكون الموقوف مملوكاً.

جاء في حاشية ابن عابدين ما نصه: أن الواقف لا بد أن يكون مالكاً له وقت الوقف ملكاً باتا(6).

     والشريعة الإسلامية أعطت الحق للواقف بأن يشترط ما يشاء في وقفه، شريطة أن لا تتعارض شروطه مع الشريعة، ومن الشروط التي نص عليها العلماء أن تكون منفعة الموقوف مباحة، لا حُرمة فيها، وعليه فلا يصحّ وقف ما كانت منافعه محرّمة كآلات اللهو، وما أشبهها؛ لأن الوقف قُربة والمعصية تنافيه .

فالهبة يشترط فيها أن تكون مما أذن الشرع، وسلط المكلف على التصرف فيه بالبذل للغير، ولاسيما وأنه بذل بدون عوض، فيجوز هبة العقارات والمنقولات والمبيعات المباحة، ولا بأس بذلك.

فمثلاً: يجوز أن يهب العقارات، كالأرضين والدور والمساكن والمزارع والمنقولات المباحة، مثل السيارات في زماننا والدواب والأطعمة والأكسية والأغذية، هذه كلها أعيان تباع وتجوز هبتها(7).

     وعند أبي حنيفة : من اشترى شيئاً بعقد بيع فيه خيار للبائع ثلاثة أيام، ثم وقفه في مدة الخيار، لم يصح الوقف؛ لأنه وقف مالا يملك ملكاً تاماً؛ لأن هذا البيع غير لازم(8)، فلا يصح وقف عقارٍ أو بستانٍ ولم يتمكن الواقف من ملكه ملكاً تاماً، كالعقارات المملوكة للدولة، مثل: الشاليهات والقسائم الصناعية، والمزارع التي توزع على المواطنين للانتفاع بها؛ لأن من شروط الوقف أن يكون الشيء الموقوف ملكاً تاماً للواقف، والشاليهات ليست مملوكة لهم، ومن ثم لا يملك المنتفع بها أن يوقفها وقفاً شرعياً؛ لأنها غير مملوكة له . ولهذا يشترط أن يقدم للقاضي أصل الوثيقة الدالة على ملكيته للعقار.

الهوامش:

1 - مختصر قواعد العلائي ، ابن خطيب الدهشة: ص395- 396.

2 - الهبة بالمعنى الأعم تشمل الهدية والصدقة ، والعطية ، وكلها تمليك في الحياة بلا عوض.

3 - «ما جاز بيعه، جاز هبته»، انظر القاعدة في الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعي، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، ص 469، ط- دار الكتب العلمية بيروت ، 1983م  .

4 - صحيح سنن أبي داود للألباني ، برقم 3486 .

5 - الأشباه والنظائر ، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، ص 150.

6 - حاشية ابن عابدين، ج3، ص 497.

7 - شرح زاد المستقنع، لمحمد بن محمد المختار الشنقيطي، دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية،

www.islamweb.net، رقم الدرس 417.

8 -البدائع: 220/6، (الدر المختار ورد المحتار): 393/3، 395.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك