رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 13 مايو، 2014 0 تعليق

سلسلة الأعمال الخيرية -القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 14- العادة محكَّمة

نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية.

العادة محكمَّة، قاعدة من القواعد الخمس الكبرى، وهي ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية، والفقهاء يوردون لفظ العادة، وأحياناً يوردون العرف، وقولهم: «العادة محكمة» والمراد والعرف أيضاً؛ لأن بعض العلماء لا يرى التفريق بينهما.

ومعنى محكَّمة: اسم مفعول بمعنى فاعل أي حاكمة فالمراد أن تكون العادة حَكَماً يرجع إليها عند الاختلاف، ويقضى لمن وافقها.

ودليلها: قوله-تعالى-: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (البقرة:233)، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند بنت عتبة: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» (1).

والقاعدة أفادت أنه إذا جرت عادة الناس على أمر من الأمور فإن هذه العادة حجة معتبرة، بشرط ألا يخالف العرف أو العادة أصلاً أو نصاً شرعياً، أو قاعدة متفقاً عليها، أو إجماعاً.

وهذه القاعدة من قواعد الفقه الكبرى التي سهلت أمور الناس ويسرت حاجاتهم، ومن الأدلة الناصعة على صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، والحكم بالعرف من أقدم مصادر القانون، كما يذكر ذلك المؤرخون، فكان هو حاكم حياتهم ومنظم شؤونهم.

ولقاعدة العادة محكمة معنى آخر ذكره أهل العلم وهو: استعمال الناس حجة يجب العمل بها(2).

ويدخل تحت هذه القاعدة قواعد كثيرة منها: الثابت بالعرف كالثابت بالنص، والثابت بالعرف كالثابت بدليل شرعي، والعرف كالشرط.

وللقاعدة أهمية كبيرة في مجالات القضاء والإفتاء، وتخريج الأحكام، وتطبيق النصوص على جزئياتها، وأنها طريق صالحة لحل طائفة من المشكلات، وحسم ما يقع في بعضها من الخلاف والنزاع.

ومن التطبيقات المتعلقة بهذه القاعدة:

أن ألفاظ الواقفين المتبرعين تبنى على عرفهم(3).

أن أنشطة العمل الخيري وترتيبه إذا لم تَستَقِم إلا بإجراءات معيَّنة مراعاةً لنظام عامٍّ؛ فلابد من مراعاتها، ولا يُنكَر التزامها.

لو تبرع متبرع بوقود للتدفئة الخاصة بالمسجد، وزاد عن حاجة المسجد في الفصل الشتوي، فإن العرف يقتضي أن يبقى ما زاد للدورة الشتوية القادمة.

وقف مدرسة لدرس الحديث، فمقصود درس الحديث يعرف من العرف(4).

وجواز وقف المنقول مستقلا عن العقار إن جرى العرف بوقفه.

الوعاء الذي يقدم فيه الطعام للفقراء، إن جرت العادة بإعادته أعاده، وإلا فهو صدقة معه.

حرز المال المتصدق به يكون بما جرت العادة بحفظه، وكذلك الطعام يحفظ بما جرت فيه العادة في حفظ الطعام، ويلزم حفظ الوديعة فيما تحفظ فيه عادة.

أن مقدار ما يُصرَف للمحتاج يختلف باختلاف الأحوال والبلدان، وإنما يُضبَط بمراعاة العرف والعادة.

مقدار ما يعطى للعامل في المؤسسة الخيرية مما يُقتَطَع من الدخل، إنما يحدَّد بحسب أجرة المثل أو أقل، ويجري تحديده استناداً للعرف من قِبَل القائمين على المؤسسات كمجالس إدارتها أو جمعياتها العمومية، مثلاً (5).

ومن أعطى لمؤسسة خيرية مالا فهو صدقة؛ لأن ذلك ما جرت عليه العادة، ويسقط إدعاؤه أن هذا المال قرض مرتجع.

سن البلوغ لكفالة اليتيم يثبت بحكم العادة، أي ما جرت العادة على عده بالغاً.

الهوامش:

1- أخرجه البخاري في صحيحه برقم2211.

2- مجامع الدقائق 308، ومجلة الأحكام العدلية، المادة (37).

3- ابن نجيم: الأشباه والنظائر، 117، حمزة: الفوائد البهية: 156- 158.

4- ابن نجيم: الأشباه: 119.

5- قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، صفر عام 1408هـ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك