رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 20 مايو، 2014 0 تعليق

سلسلة الأعمال الخيرية- القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال 15 الخيرية والوقفية -المشقّة تجلب التيسير

نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية.

قاعدة: المشقة تجلب التيسير ، عدها الفقهاء من القواعد الكلية الخمس، وهي بمعنى: أن الأحكام التي ينشأ عن تطبيقها حرج على المكلَّف ومشقةٌ في نفسه أو ماله، فالشريعة تخففها(1).

     ودليلها: قوله - تعالى -: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ}(البقرة: 185)، وقوله - تعالى - {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(الحج: 87). وقوله جل جلاله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ .}(البقرة: 286)، ووجه الدلالة في تلك الآيات: أن الشريعة الإسلامية تتوخى دائما رفع الحرج عن الناس، وليس في أحكامها ما يجاوز قوى الإنسان الضعيفة، وهذه النصوص دلت على ذلك لعموم معناها، وانطلاقا منها استنبط الفقهاء تلك القاعدة، وجعلوها بمثابة نبراس يستضيئون به عند النوازل والوقائع، ويعالجون كثيرا من المسائل والقضايا على أساسها(2).

وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه مرفوعا: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا»(3). وأيضا – عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم، أمرهم من الأعمال بما يُطيقون»(4).

فدلت هذه الآيات والأحاديث على أن التيسير ركن من أركان الدين، وقاعدة أساسية تلازم كافة الأحكام الشرعية، فمتى وجدت المشقة وجد معها التيسير، غير أن المشقة يجب أن تكون حقيقية لا ظنية، مشقة مقبولة شرعا، لا مشقة دلال واستهتار وركون إلى الدعة.

وفقه التيسير عند الفقهاء هو منهج علمي، ومدرسة فقهية، وطريق فُتيا وحياةٍ أمثل للمسلمين، فالتيسير ورفع الحرج عن المكلفين إذا لم يُصادم نصاً صريحاً أو إجماعاً معتَبَراً، وكان متفقاً مع أصول الشرع الكلية، ومقاصده العامة مراعياً تبدّل الأزمان والأماكن وتغيّر الظروف والأحوال؛ فهذا مما ينبغي العمل به، وجريان الفُتْيا عليه؛ فأزمان المحن والشدائد ليست كأزمان السعة والاستقرار وأحوال الخائفين ليست كأحوال الآمنين، ومن وقع في ضرورةٍ أو حاجةٍ ليس حاله كحال من هو في السّعة والطمأنينة.

ومن التطبيقات المتعلقة بهذه القاعدة:

لا مانع من استحداث نظم وآليات عمل في المؤسسات الخيرية تحقق التيسير لكل من يتعامل معها.

وفي حال النوازل والكوارث ييسر على الناس استلام إغاثاتهم، وتخفف شروط المساعدة المتفق عليها عند الجهات الخيرية، فالوقت لا يسع لدراسة الحالات والكشف عن حاجاتها بدقة.

     وإذا تعذر على صاحب الصدقة إيصالها إلى مستحقيها، فإن ذلك ييسر بتسليمها لأصحاب المعرفة والدراية في أحوال الناس وحاجاتهم لإيصالها إليهم، أو التبرع بها لجهة خيرية لتقوم بإيصالها، وكذلك زكاة المال وزكاة الفطر والكفارات، وغيرها من الأموال المتبرع بها .  وجواز استعانة الإنسان المكلَّف بعملٍ خيري بغيره؛ إذا تعذر عليه أن يقوم بذلك بنفسه، وجواز أن يكون هذا المكلَّف غير مسلم إذا شق وجود مسلم.

ويجوز صرف تبرُّعٍ عُيِّن لجهة لغيره استثناءً؛ إذا حدثت ضرورة قصوى لا يمكن تلافيها دون ذلك؛ فيكون هذا خاصاً بحال الضرورة؛ لأن المشقة تجلب التيسير، ويتعيَّن أن يتولى تحديدَ الضرورة شخصيةٌ أو جهة مؤهَّلة لذلك(5).

     نظراً لأن الإسلام محارَب بالغزو الفكري والعقدي من جهات لها من يدعمها، وفي الغالب لا يوجد من يساعد في مواجهة هذا المد، فإن الدعوة إلى الله وما يعين على إعلاء كلمة الله وشريعة الإسلام يدخل في معنى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} (التوبة: 06)، في الآية الكريمة المحدِّدة لمصارف الزكاة(6).

الهوامش:

1- الوجيز في إيضاح القواعد الكلية: ص 157.

2- «القواعد الفقهية» ص303.

3- أخرجه البخاري في صحيحه ، برقم 69.

4 - أخرجه البخاري في صحيحه ، برقم 20

5 - قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، صفر عام 1408هـ.

6- قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، ربيع الآخر عام 1405هـ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك