رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 6 مايو، 2014 0 تعليق

سلسلة الأعمال الخيرية – القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 13 – لا ضرر ولا ضرار

نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية .

لا ضرر ولا ضرار ، قاعدة من القواعد الخمس الكبرى، وهي ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية ؛ ومعناها: أنه لا يجوز الإضرار ابتداءً؛ لأنَّ الضـرر ظلـم والظلـم ممنـوع، كمـا لا يجـوز مقـابلة الضـرر بمثلـه؛ فليـس لأحد أن يُلـحِق ضـرراً بغيـره، وإذا وقـع الضـرر فـلا بـد أن يـُزال(1). 

ودليلها قوله صلى الله عليه وسلم : «لا ضرر ولا ضرار»(2). ولفظ الحديث نفى الضرر أولاً ، ثم نفى الضرار ثانياً ، ونفي الضرر قُصد به عدم وجود الضرر فيما شرعه الله لعباده من الأحكام، وأما نفي الضرار: فأُريد به نهي المؤمنين عن إحداث الضرر أو فعله .

وبعض أهل العلم قال في معنى: «لا ضرر ولا ضِرار»، أن الإنسان لا يجوز له أن يضرّ بنفسه ولا بغيره.

وقيل إنهما بمعنى واحد، وقيل: الضرر هو الذي يحصل بدون قصد أي إلحاق الضرر بالآخرين من دون قصد وإذا كان من قصد يسمى ضراراً.

     فقد حرّم الإسلام الضرار بكل أنواعه، حتى حرّم الإضرار بالآخرين منذ ولادتهم إلى حين وفاتهم، بل وبعد موتهم ، فحرّم إضرار الأم بولدها، كما قال الله تعالى: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}(البقرة: 233)، وحرّم تغيير الوصية بعد سماعها، وحرّم إضرار الموصي في وصيّته، وحفظ للأموات حقوقهم حتى حرّم سب الأموات؛ فما أعظمها من شريعة، وما أحسنه من دين .

والضرر يدفع بقدر الإمكان(3).قال علي حيدر: يعني: لو دخل عليك سارق مثلاً فادفعه عنك بقدر إمكانك، فإذا كان ممن يندفع بالعصا فلا تدفعه بالسيف(4).

ومن التطبيقات المتعلقة بهذه القاعدة:

لا يسوغ إيذاء أو إضرار أي جهة مسلمة، سواء بالفعل أم بالقول، بنشــر الشائعــات، أو الغيبة، أو انتقاص جهة مَّا، أو منافستها على موظفيها؛ ولو كان ذلك من باب مقابلة ما فَعَل، قال صلى الله عليه وسلم : «أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك»(5).

لا يسوغ لأي جهة أن تعمل عملاً خيرياً يُلحِق بها أو بغيرها الضرر، فالضرر والضرار يجب رفعهما ويعاقب قاصد الإضرار.

لا يجوز إعطاء أصحاب الحاجة والعوز طعاماً منتهي الصلاحية أو فيه ضرر على الصحة لإصابتها بإشعاعات خطرة، وغيرها من المواد العينية التي تضر بالصحة .

كذلك لا يجوز للمؤسسة الخيرية مقابلة الضرر بمثله وهو الضرار، كما لو أضر شخص وأخذ من طعام الصدقة أو أضر بمبنى من مباني الوقف لا يجوز للمؤسسة الخيرية المتضررة أن تقابل ذلك الشخص بضرر، بل يجب عليها أن تراجع الحاكم ويطلب إزالة ضرره بالطريقة المشروعة.

يجوز أخذ التبرعات من غير المسلمين إذا كان جانبهم مأموناً، ولم يكن في أخذها ضرر بالمسلمين بأن ينفذوا لهم أغراضاً في غير صالح المسلمين، أو يستذلوهم بها(6).

على المؤسسات الخيرية أن تكلِّف بالعمل لديها من يحصل بهم مقصود المؤسسة بما لا يُلحِق ضرراً بعملها .

 لا مانع من بيع التبرعات العينية إذا كانت سريعة العطب، أو لعدم انتفاع المؤسسة الخيرية بها، أو لكونها غير صالحة لمن يُتَبَرع لهم ثم يُستبدَل بقيمتها غيرها؛ ما دام هذا يحقق المصلحة للمتبرَّع لهم؛ وذلك دفعاً لضرر تَلَفِها وعدم الانتفاع بها(7).

     يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، أي إن الضرر العام الذي يصيب عموم الناس يزول، وإن حدث ضرر خاص، وهو الذي يصيب الفرد أو الفئة القليلة، كحالات الكوارث العامة يجوز تقديم الطعام والمأوى لمن يفتقد ذلك، ويتحمل الضرر الخاص، من أجل دفع ضرر عام، وكذلك يجوز التطوع بهدم البيوت والأشجار إذا حدث حريق، وأراد هذا الحريق أن يلتهم البلدة بأكملها(8).

الهوامش:

1 - جامع العلوم والحكم لابن رجب: ص 267. وانظر» مجلة الأحكام العدلية، المادة (19)، وشرحها لعلي حيدر 1/32، 33.

2 - سنن الدار قطني: (85)، السنن الكبرى للبيهقي: (6/69)، المستدرك للحاكم: (2345)، وصححه ووافقه الذهبي، عن أبي سعيد الخدري. ورواه مالك في الموطأ: (2/571) مرسلاً. وابن ماجه في سننه: (2362) عن عبادة بن الصامت وعن ابن عباس. قال النووي له طرق يقوي بعضها بعضاً، وقال ابن الصلاح: مجموعها يقوي الحديث، ويحسنه وقد احتج به جماهير أهل العلم.

3 - مجامع الحقائق 323، ومجلة الأحكام العدلية، المادة (31).

4 - شرح المجلة لعلي حيدر 1/37.

5 - سنن أبي داود: (2/108)، سنن الترمذي: (1/238)، الدارمي: (2/264) عن أبي هريرة بسند حسن .

6- قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة، صفر عام 1408هـ.

7 - قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة وصفر عام 1408هـ .

8 - مدخل إلى الفقه الإسلامي ، د.عزت العزيزي، ص 229.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك