رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: صقر حسين آل درعان 22 نوفمبر، 2011 0 تعليق

سقوط إيران الوشيك

لا يخفى على المتبصر في الساحة السياسية الآن, أن الأمور تبدو وكأنها خرجت عن السيطرة وتتجه إلى طريق ووجهة غير معلومتين!! ولكن المتابع للتحليلات السياسية الصادرة عن كثير من مراكز الدراسات الاستراتيجية يجد أنها  تتفق على أن ما يحدث ليس خروجا فعليا عن السيطرة وإنما هو إعادة ترتيب للأوراق من أجل التجهيز لمنظومة عالمية جديدة.

ومن خلال هذه المقالة سوف نمر على المراحل المتعددة التي من المتوقع أن تمر بها المنطقة.

واقع الشأن الإيراني الداخلي:

       يخفى على بعضنا أن الوضع الداخلي في إيران بلغ درجة كبيرة من التفكك والتشرذم ما بين حكومة أحمدي نجاد ومرشد الثورة من جهة, وبين المعارضة الإصلاحية والحكومة من جهة أخرى، وما دق إسفين هذه الانشقاقات هو ما عمد إليه مرشد الثورة علي خامنئي من إطلاق يد أحمدي نجاد من أجل قمع المعارضة الإصلاحية وتكميم أفواهها؛ مما عزز قبضة أحمدي نجاد على أجهزة الدولة.

       ثم التفت هذا الأخير بالتمرد على مرشد الثورة كتعيين صهره (أسفنديار رحيم مشائي) نائبا للرئيس نجاد رغم توجهاته الليبرالية؛ مما دفع مرشد الثورة إلى أمر نجاد بإقالته من المنصب، ولكن هيهات وهو الذي-أحمدي نجاد- قد أحكم سيطرته على أجهزة الدولة رافضا تدخل مرشد الثورة، وهو ما يعد سابقة خطيرة تهدد مكانة ولاية الفقيه المقدسة عند الساسة الإيرانيين؛ ولهذا تشير الدلائل والمعطيات إلى أن هناك ثورة من نوع جديد قد تقع في إيران قريبًا مختلفة عن تلك الثورة التي حدثت في عام 1979، فزعيمها هذه المرة ليس قائداً دينياً، مثل الخميني، أو شعبًا يبحث عن الحرية، كما حدث في الثورات العربية في مصر وتونس وليبيا، أو ما زال يحدث في اليمن وسوريا، ولكن بطلها هو (أسفنديار رحيم مشائي) صهر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، ومبعوثه الشخصي ونائبه الأول ورئيس الأركان السابق، الذي يعمل على تحريض أنصاره للقيام بثورة ضد المرجعيات الدينية والمرشد الأعلى علي خامنئي، من أجل تقوية نفوذ الرئيس أحمدي نجاد وصلاحياته، وأملاً في خلافته في مقعد الرئيس في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في عام 2013.

       ومن جهة أخرى فالحرس الثوري أصبح داخل إيران كيانا مستقلا ذا ميزانية خاصة واستيراتيجية مستقلة عن باقي أركان الدولة, فهذا موقع الحرس الثوري «بصيرت» الإلكتروني, نشر مقالاً, ذكر فيه أن بحوزته وثائق وإثباتات عن ارتباط جماعة «المشائية» التي ينتمي إليها الرئيس الإيراني بالأجهزة الاستخباراتية الغربية والحركة الماسونية, مؤكداً أنه يعتزم نشر الوثائق قريباً.

       وبعد وقوف الحرس الثوري, أهم جهاز عسكري وأمني في الجمهورية الإسلامية, خلال العامين الماضيين إلى جانب الرئيس ضد المعارضة الإصلاحية, يرى المراقبون أن توجيه اتهام من هذا القبيل يعكس عمق الخلاف بين الرئيس وفريقه من جهة, والداعم الرئيسي له أي المرشد الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري التابع له من جهة أخرى.

اقتصاد إيران المتهالك:

       منذ قرابة ثلاثة أشهر عمد البنك المركزي الإيراني إلى إلغاء الأصفار الثلاثة للتومان مقابل الدولار الواحد ومن قبل كان الألف تومان يساوي الدولار الواحد، ولعل هذه الخطوة بالإمكان إدراجها تحت المحاولات البائسة للحكومة الإيرانية من أجل نشر الأوهام بأن التومان والاقتصاد الإيراني قوي وبعيد عن الانهيار، لكن خبراء ومراقبين يعتقدون أن البنك المركزي الإيراني لن يكون قادراً بعد ذلك على التحكم بقيمة التومان، ما يرجح عندها انهيار التومان انهياراً كاملاً.

       ومن جهة أخرى فقد أدت الأزمة الاقتصادية العالمية إلى مخاطر كبيرة على اقتصاد إيران, فالبطالة في تزايد مستمر إلى جانب عدم وجود وظائف متاحة مع أجور منخفضة, وإفلاس المصانع والشركات أدى إلى تأخير الأجور مما ترتب عليه توقف الإنتاج والفصل وفقدان العمل مما جعل المنظمات العمالية المستقلة، تقوم في نهاية المطاف باحتجاجات واسعة نتيجة لسياسة الحكومة الفاشلة.

       ومعدل البطالة فيها وصل إلى 38% بينما معدل البطالة في دول المنطقة يصل إلى 9.6%, وعلى مستوى العالم يصل إلى 7.9% مما يؤكد أن البلاد في مأزق حقيقي وتحتاج إلى تدخل فوري لإنقاذ الاقتصاد من سياسة الحكومة الفاشلة.

لماذا الآن ضرب إيران؟

       إيران التي وقفت إلى جانب أمريكا والصهاينة في العراق وأفغانستان ولولاها ما تحقق ذلك الاحتلال، هاهي ذي الآن أصبحت الدولة القادمة التي يجب أن تنهار وتضرب من أجل استكمال المخططات الصهيونية والأميركية.

       لماذا يجب أن تضرب إيران الآن؟ للإجابة عن هذا السؤال هناك وجهان، الأول هو بدء انحسار هيمنة أهل العمائم على أركان الدولة الإيرانية كما تقدم معنا، ووثوب التيار القومي الليبرالي, وهذا الأخير ليس في صالح الدولة الصهيونية التي كانت وما زالت تتمتع بعلاقات قوية مع أصحاب العمائم وليست (إيران – جيت) في حرب العراق وإيران عنا ببعيدة.

       والوجه الآخر هو رغبة الدولة الصهيونية بالوصول إلى الهيمنة العسكرية في المنطقة بعد أن تضرب الدولة التي توهم الكثير أنها أقوى دولة في المنطقة بسبب الإعلام الموجه.

        ولعلنا فيما يأتي نتكلم بتفصيل أكثر عن مخططات الدولة الصهيونية من أجل الوصول للهيمنة العسكرية والاقتصادية في المنطقة.

الهيمنة العسكرية الإسرائيلية:

       بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا سوف تنقطع الإمدادات الإيرانية لحزب الله اللبناني ويصبح مشلول الحركة ويأتي الوقت المناسب لضرب إيران دون الخوف من حزب الله على الكيان الصهيوني، وفي الحقيقة فأن المصائب تكالبت على حزب الله خلال فترة السنتين الماضيتين، فقد اكتشف حزب الله أن الإسرائيليين اخترقوه على كل المستويات، جندوا رجاله ووصلوا إلى مواقعة السرية، وآخرها اكتشاف ثلاثة مسؤولين، أحدهم معني بالبنى التحتية المهمة يعمل جاسوسا لإسرائيل، وهناك الحصار الأميركي على رجاله وفروعه الخارجية في الغرب، الذي عطل نشاطه المدني والمالي خارج المنطقة، ثم أصيب الحزب بخسائر مالية كبيرة بسبب عمليات احتيال تعرض لها، والآن يعاني زلزالا سياسيا وأمنيا بسبب الانهيار الذي يواجهه حليفة نظام دمشق، ولو غامر ودخل في حرب مع إسرائيل، فستكون هي الضربة القاضية، ثم لا ننسى أن ثلاثين عاما تعد أطول من معدل عمر الأحزاب العسكرية.

أما عن (إسرائيل) فلن تتوانى في حشد التأييد الأممي لهذه الضربة العسكرية بذرائع نذكر منها:

1- الثورات العربية في المنطقة أدت إلى سقوط الأنظمة السابقة وسوف تأتي أنظمة حكومية ذات توجهات إسلامية عن طريق الانتخابات الحرة، وبالتالي سوف تصبح (إسرائيل) محاطة بدول ذات توجهات إسلامية، وستبدأ هذه الحكومات بتشديد اللهجة مع إسرائيل والضغط عليها من أجل تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني. وستبدأ التحركات والمظاهرات التشجيعية باتجاه إسرائيل من أجل الهدف نفسه وهنا ستظهر إسرائيل أمام العالم بالدولة المهددة بالزوال ومما يعد عذراً لأي تصرف عسكري إسرائيلي في المنطقة  وهاهو ذا وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك يحذر من التداعيات التي وصفها بـ«الخطرة» والمترتبة على التغييرات الحقيقية التي خرجت بها ثورات الربيع العربي، بما فيها تعاظم قوة التيارات الإسلامية في المنطقة العربية، وفق تعبيره.

       وقال باراك في كلمة ألقاها الخميس28 /10/2011 خلال حفل تخريج دفعة ضباط إسرائيليين: «الربيع العربي أسقط أنظمة مستبدة وهو يفتح الباب أمام تحقيق تطلعات شعوب المنطقة، ولكنه في الوقت نفسه يفتح الباب واسعا لدخول جهات إسلامية في عالم القوة السياسية وفي ميادين مختلفة».

       ورأى باراك أن تعاظم قوة التيارات الإسلامية يجسّد «خطراً مستقبليا ومحورياً على استقرار المنطقة بأكملها».

       وأضاف: «يدنا ممدودة دوماً للسلام، ولكن هذه اليد لم تُقبل دائما، والرد الحقيقي لشعب إسرائيل على جميع ما يدور من حولنا هو جيش قوي مستعد وجاهز ومدرب ومزود بالعتاد وعلى رأسه القيادة الميدانية».

2- القنبلة النووية الإيرانية هي - كما ذكرت إسرائيل- معدة لضربها إلا إذا كان لإسرائيل ضربة عسكرية استباقية لوقف استكمال بناء هذه الترسانة النووية الإيرانية.

       في حال تحقق ما سبق, أصبح الوقت مناسباً لضرب إيران ولكن بقوة عسكرية إسرائيلية فاحشة الدمار ذات تكنولوجيا متطورة تكون صدمة للدول الإقليمية وإيذاناً بهيمنة إسرائيل في المنطقة وإذعان كل الدول للمرحلة القادمة، وما هذا إلا تكرار للاستراتيجية التي عمدت إليها أميركا للهيمنة على العالم بعد الحرب العالمية الثانية عندما ضربت اليابان بالقنبلة النووية وكانت بعدها المهيمنة على معظم دول العالم وما زالت.

الهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية:

       بعد تحقق الهيمنة العسكرية لإسرائيل يبقى الركن الآخر الذي يستلزم وجوده من أجل استمرارية هذه الهيمنة العسكرية، ألا وهو الهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية، ولا يخفى على الكثير قضية الديون السيادية الأمريكية المتزايدة سنويا وأن الدولار الأمريكي هو أساساً عملة منهارة منذ فترة وما صموده وهيمنته إلا بسبب الدعم الصهيوني المسيطر على أقطاب الاقتصاد العالمي، ولعله بعد تحقق الهيمنة العسكرية سيصبح من المناسب للصهاينة فك الدعم عن الدولار الأمريكي إيذاناً بانحداره من أجل إظهار عدم جدواه بوصفه عملة دولية للتداول النفطي، وبعد ذلك ستهرع الدول النفطية من أجل البحث عن عملة أخرى مستقرة يتداول بها النفط بكل قوة وسيكون الوقت هنا مناسب لأقطاب الاقتصاد العالمي من الصهاينة لاقتراح عملة إلكترونية للتداول النفطي لا تتأثر باقتصاديات أي دولة بالعالم وهو ما سيكون الملاذ الآمن للدول النفطية.

        وكما كانت واشنطن هي العاصمة العالمية للاقتصاد العالمي بسبب الدولار وكانت من قبلها لندن هي العاصمة الاقتصادية العالمية بسبب الجنيه الإسترليني, ستكون تل أبيب هي العاصمة الاقتصادية العالمية بسبب هذه العملة الإلكترونية ولن يتحقق ذلك إلا كما ذكرت آنفا بدعم أقطاب الاقتصاد العالمي من الصهاينة.

       وبعد تحقق الهيمنة العسكرية والاقتصادية لإسرائيل في المنطقة أصبح من الضروري إحكام هذه الهيمنة بالتوغل إلى داخل أجهزة دول المنطقة بذريعة متوقعة وهي مكافحة الإرهابيين من عناصر حزب الله, وهذا ما درجت عليه أمريكا في السنين الماضية باتخاذ مكافحة عناصر القاعدة ذريعة لإحكام قبضتها داخل الدول الإسلامية، ومنها نعلم أن حزب الله سوف يبقى ولن يجتث بعد سقوط نظام إيران وسوريا، ولعل قتل بن لادن من قبل أمريكا هو إيذان ببدء تصفية قيادات تنظيم القاعدة وخلاياها من أجل أن تصفو الساحة للإرهابيين الجدد عناصر حزب الله.

       ولعله يجدر  بنا التنويه إلى أن كل ما سبق هي مخططات قد لا تتحقق وقد تتحقق وعلمها عند الله نسأله أن يصرف عنا كل سوء.

تفاؤل بعد تكالب:

       من خلال ما سبق لعل الحزن والهم قد ألقى ظلاله على قلب كل مسلم غيور, ولكن ينبري القلم لبث التفاؤل بإذن الله في قلوب صنّاع التاريخ منكم, أحفاد الصحابة أنتم.

 - من أول ما أتصور أنه من مواطن التفاؤل في الأحداث السابقة سقوط دولة إيران الصفوية, مملكة المجوس التي دعا النبي[ على كسراها حين قال: «اللهم مزق ملكه» وما زالت ممالكهم تتمزق وتسقط كلما قامت لها شوكة.

- ذكرنا سابقاً أن دولة (إسرائيل) سوف تتخذ ذرائع عدة من أجل لتسويغ تنفيذ مخططاتها.

       ومن تلك الذرائع سقوط الأنظمة العربية الحاكمة بسبب الثورات وسيطرة حكومات ذات أغلبية إسلامية في تلك الدول عن طريق الانتخابات الحرة، ولا ريب أن هذه الأغلبية الإسلامية لم تتحقق لها السيطرة إلا بسبب كف إسرائيل وأمريكا أيديهما عن التخريب للحيلولة دون حدوث ذلك، وترك ذلك يتحقق بطريقة تلقائية، وفي حدوث ذلك إطلاق العنان لكل مظاهر الدعوة الإسلامية على جميع طبقات المجتمع وانتهاء تاريخ القمع المنظم لكل المظاهر الإسلامية كما كان يحدث من قِبل الحكومات السابقة, وسوف يؤدي ذلك إلى رقي المجتمعات الإسلامية والقضاء على الانحرافات الفكرية والأخلاقية وتأسيس أفراد مجتمع أصحاب رؤى وإحساس بالمسؤولية ورغبة بالتطور والنمو، ويوافقها في ذلك إدارة سياسية قوية من قِبل حكوماتهم ذات الأغلبية الإسلامية، ولا ريب أن الصهاينة لن يستطيعوا حينها السيطرة على تلك الدول بشكل دائم, وليست ماليزيا عنا ببعيدة؛ حيث نجحت وتجاوزت المخططات الصهيونية لضرب اقتصاد دول النمور الآسيوية.

- ومما يدعو إلى التفاؤل كذلك انفكاك تهمة الإرهاب عن أهل السنة في كل مكان وانحصارها في الطائفة الباطنية، وذلك سوف يؤدي إلى التضييق على الميليشيات الصفوية المتخفية في دول المنطقة ومراقبة أموالها وتحجيم نشاطاتها كما هو العكس الآن تماماً، وهذا إن شاء الله سوف يؤدي إلى استباب الأمن وانتعاش الاقتصاد تبعاً لذلك, والحمدلله رب العالمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك