رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فَتْحي بِن عَبدِ الله المَوْصِليِّ 15 يوليو، 2019 0 تعليق

زلـة العالــم

 

تطلق الزلة في استعمال الفقهاء والأصوليين على السيئة بلا قصد؛ فإذا استرسل العالم في الخطأ أو عدل عن سنن الصواب بغير قصد منه مع وجود القصد الحسن والنية الصالحة في تحري الصواب؛ فيكون ما صدر منه من قبيل الزلة أو الهفوة أو السقطة.

     والزلة بهذا المعنى تستعمل في مخالفة العالم لحكم شرعي بغير قصد مخالفة ظاهرة لا يتوقع صدورها من مثله؛ لهذا لا يدخل في مصطلح (زلة العالم)  الخطأ في المسائل الاجتهادية الدقيقة ولا المخالفة من غير المؤهل ولا ممن عُهد عليه الخطأ والمخالفة، ولا ممن فعل ما فعل بقصد سيء ونية فاسدة.

لهذا لا تطلق الزلة على كل أحد ولا على كل خطأ أو ذنب.

     وأسباب وقوع العالم في (الزلة) كثيرة؛ فتارةً تقع الزلة أو الهفوة بسبب العجلة، وتارة قد يرتبكها بسبب الغفلة عن النظر في العاقبة، وتارة عن تقصير في الاجتهاد، أو توسع مذموم في الاستنباط، أو عن تأويل بارد، أو من عدم تصور للواقع، فيطير الناس بالزلة في كل مطار، ويشيع  عنها الكلام في كل مقام؛ لهذا حذر السلف منها كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «ويلٌ للأتباع من زلة العالم»؛ لهذا يتجاذب (زلة العالم) حقان:

- الحق الأول: حفظ حق الشريعة الذي يقتضي التحذير من الزلة.

- والحق الثاني: حفظ حق العالم ومكانته بالاعتذار له.

وحتى يجمع المتكلم في هذه المسألة بعلم بين (التأصيل والتفصيل، وبين الاعتذار والتحذير)  ، يحتاج أن يقف على الأمور التالية:

- الأول: الزلة لا توجب هدر المحاسن والفضائل.

- الثاني: الزلة لا ترفع العدالة ولا تقدح في المكانة.

- الثالث: الزلة من العالم قد تكون في أمور عظيمة وقد تكون في أمور صغيرة.

- الرابع: الأصل في زلة العالم الاعتذار له.

- الخامس: وجوب التغافل عن زلات العلماء والكبار بحسب الإمكان.

- السادس: الزلة لا تصلح محلا للاقتداء والتأسي.

- السابع: وجوب تحذير العامة والخاصة منها.

- الثامن: يستعظم أمر الزلة إذا ظهرت على لسان عالم متبوع.

- التاسع: التحذير منها يكون بحسب نوعها وآثارها وشيوعها.

- العاشر: الزلة مطلوبة الدفع والرفع في الابتداء والانتهاء؛ ولهذا جاء في الحديث: «اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذُ بِكَ أنْ أَضِلَّ أو أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أوْ أُزلَّ، أوْ أظلِمَ أوْ أُظلَم، أوْ أَجْهَلَ أو يُجهَلَ عَلَيَّ».

فاستعاذ من الضلالة أولاً ثم الزلة ثانياً...

فهذه عشرة كاملة في أحكام التعامل مع (زلة العالم) نصفها وجد لحفظ حقه، والنصف الآخر منها وجد لحفظ حق الشريعة وحراستها من الزلات والهفوات والأخطاء؛ فلا تنس نصيب الشريعة ولا تزهد في حفظ حق العلماء.

وبهذا يتحقق العدل التام، ويكون الفهم الجامع والقول الناصح.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك