رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رجب أبو بسيسة 27 مايو، 2017 0 تعليق

زاد على طريق العمل التربوي (2)

 

المتأمل في واقعنا المعاصر يجد أن الأمة تفتقد إلى جيل متميز يحمل قضاياها، وينهض بها من رقدتها ليرجع بها إلى سابق عزها ومجدها. جيل يتربى في محاضن تربوية بطريقة دقيقة ومتأنية ولاسيما في ظل هذا الواقع المرير؛ لذلك كانت هذه الكلمات التي أبعثها رسالة للمعلم والمربي الذي يعد أهم محاور العملية التربوية، واليوم مع الزاد الأول.

- اهتمام السلف الصالح بالتربية

     على هذا الهدي المبارك درج السلف الصالح من التابعين ومن بعدهم؛ إذ كانوا يسمون معلم الأولاد (المؤدب والمربي)، ويحرصون على أن يتحلى أولادهم بحسن السمت والهدي الصالح، من دوام السكينة والوقار والخشوع والتواضع؛ فكانوا يهتمون بتربية الناشئة على الإيمان الصحيح والخلق النبيل.

فعن مسكين بن بكير أنه قال: مر رجل بالأعمش وهو يحدث، فقال له: تحدث هؤلاء الصبيان؟ فقال الأعمش: هؤلاء الصبيان يحفظون عليك دينك.

      وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجالسهم ويسألهم عن الأمور الكبار، قال الزهري -رحمه الله- لغلمان أحداث: «لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يبتغي حدة عقولهم».

     وعن كنانة العدوي قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد أن ارفعوا إليَّ كل من حمل القرآن حتى ألحقهم في الشرف من العطاء، وأرسلهم في الآفاق يعلمون الناس؛ فكتب إليه أبو موسى الأشعري: إنه بلغ من قبلي ممن حمل القرآن ثلثماثة وبضع رجال»، وكان هذا في البصرة وحدها!

      ومما جاء في كتاب (الدراري في ذكرى الذراري): أن المفضل بن زيد رأى شابا وسيما، فارسا شجاعاً عليه مخايل الذكاء؛ فسأل أمه: كيف ربيته؟ فقالت: حينما أتم خمس سنوات أسلمته إلى المؤدب؛ فحفظ القرآن وتلاه، ثم رغَّبته في مفاخر قومه، ولقنته مآثر آبائه وأجداده؛ فلما بلغ الحلم حملته على أعناق الخيل؛ فتمرس وتفرس، وصار يمشي بين البيوت يصغي إلى كل صرخة مظلوم.

     وروى الجاحظ أن عُتبة بن أبي سفيان لما دفع ولده إلى المؤدب، قال له: «ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بَنِيَّ إصلاح نفسك؛ فإن أعينهم معقودة بعينك؛ فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت، علمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم روِّهم من الشعر أعفه ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجهم من علم إلى غيره حتى يحكموه؛ فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، وعلمهم سير الحكماء، وأخلاق الأدباء، وجنبهم محادثة النساء، وتهددهم بي، وأدبهم دوني، وكن لهم كالطيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء، ولا تتكل على عذري فإني قد اتكلت على كفايتك، وزد في تأديبهم أزد في بري إن شاء الله.

     وقال عبدالملك بن مروان ينصح مؤدب ولده: «علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم السفلة؛ فإنهم أسوأ الناس رعة وأقلهم أدبا، وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا، وجالس بهم أشرف الرجال وأهل العلم منهم، ووقرهم في العلانية وأنبهم في السر، واضربهم على الكذب؛ فإن الكذب يدعو إلى الفجور، وإن الفجور يدعو إلى النار».

     وهذا أبو يوسف من أخص تلاميذ أبي حنيفة -رحمه الله- يقول: «كنت أطلب الحديث وأنا مقل المال؛ فجاء إليَّ أبي وأنا عند الإمام، فقال لي: يا بني، لا تمدَّن رجلك معه؛ فإن خبزه مشوي وأنت محتاج! فقعدت عن كثير من الطلب، واخترت طاعة والدي فسأل عني الإمام وتفقدني، وقال حين رآني: ما خلفك عنا؟ قلت: طلب المعاش. فلما رجع الناس وأردت الانصراف دفع إليَّ صرة فيها مائة درهم، فقال: أنفق هذا! فإذا تم أعلمني، والزم الحلقة؛ فلما مضت مدة دفع إلىّ مائة أخرى، وكلما تنفذ كان يعطيني بلا إعلام كأنه يُخبَر عني بنفادها حتى بلغت حاجتي من العلم، أحسن الله مكافأته وغفر له».

     لقد صار هذا التلميذ أعز من أبناء العالم؛ حيث حمل لواء العلم بعد الإمام، وقرر المذهب من بعده، ولم يحصل له ذلك ويصل إلى ما وصل إليه في الفقه والعلم، إلا بوجود الإكرام والبذل والتربية من أبي حنيفة - رحمه الله-.

     وذكر الراغب الأصفهاني أن المنصور بعث إلى من في الحبس من بني أمية يقول لهم: ما أشد ما مر بكم في هذا الحبس؟ قالوا: ما فقدنا من تربية أولادنا.

     هذه الآثار ونحوها تدل دلالة صريحة على ضرورة تربية النشء على الأخلاق الحسنة، وأنها ملازمة لتعلم العلم لا تنفك عنه، فإذا أخفق البيت في التربية، أو أهملت المدارس والمؤسسات في دورها التربوي؛ فلا مناص من القيام بهذا الواجب عبر الوسائل الممكنة، وفق برامج تربوية هادفة نافعة عبر المحاضن التربوية.

     كان السلف يهتمون بالتربية مع أنهم كانوا يعيشون في أجواء إيمانية ينعمون فيها بالتحاكم إلى الشريعة ويدعون إليها؛ فكيف بالمسلمين اليوم وقد تحكم فيهم عدوهم، وحرموا من شريعة ربهم، وابتليت بلادهم بالمحن المتتابعة والفتن المتنوعة، ورمتهم قوى الشر والشرك عن قوس واحدة، واجتمعت عليهم ظلمات بعضها فوق بعض، وانتشرت في بلادهم الأفكار المنحرفة والمناهج الضالة، وأصبح شبابنا يعاني الأفكار الصدامية والتكفيرية، ومحاولات أخرى تدعو لإحياء المناهج القديمة، التي تدعو إلى الخرافات والبدع؛ كالمعتزلة، والأشاعرة، والصوفية.

     فضلا عن ذلك فإننا بدأنا نسمع اليوم عن حركة قوية لدعاة الإلحاد والإباحية، والدعوات التنويرية -كذبوا- ناهيك عن وسائل البث المباشر، ووسائل الإعلام من الجرائد والمجلات والشبكة العنكبوتية، وانتشار الفواحش، والتبرج والسفور، إلى أن أصبح الواقع اليوم مريراً يحتاج إلى جيل يلتمس خطى النبي صلى الله عليه وسلم في التربية، ولاسيما وأن أهل الباطل أبرزوا لنا جيلا من أبنائنا المسلمين يحب الراحة والكسل.

جيل لا يهتم بعظائم الأمور، وضعفت صلته بالله وبالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في القيام والنهوض.

     وأنقل لكم كلام القس (صموئيل زويمر) الذي تحدث به في خطاب له في مؤتمر في القدس عام 1935م، موضحا أهداف التبشير؛ حيث قال: «ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريما، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله، وبالتالي فلا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها؛ وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية، وهذا ما قمتم به خلال الأعوام المائة السالفة خير قيام، وهذا ما أهنئكم عليه وتهنئكم دول المسيحية والمسيحيون جميعا عليه.

     من الأمور التي تساعد على صناعة القناعة بأهمية العمل التربوي استشعار الأجر المترتب على هذا العمل؛ فانظر إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما أرسله إلى خيبر، وهو ينبهه إلى الغاية من الجهاد: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم».

وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا».

     وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير».

وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من دل على خير فله مثل أجر فاعله».

     وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله»؛ فهذا أجر حراسة ثغور، فكيف بأجور من يحافظ على المجتمع ويبنيه وينشر الفضيلة ويحارب الرذيلة.

      والأدلة في هذا الباب كثيرة، وكفى بالداعية شرفا وقدرا أن يقوم مقام الأنبياء والرسل! فالدعوة باب من أبواب الأجر والثواب الجزيل المستمر حتى بعد الممات، والعاقل من يعمل على ألا تموت حسناته بموته.

      وفي الاتجاه الآخر مما يساعد على هذا المعنى أيضاً معرفة العقوبة المترتبة على عدم الاهتمام بتربية النشء والتقصير فيها؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته».

وقال صلى الله عليه وسلم : «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت غاشا لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة».

- فتيان في حلقة تحفيظ القرآن. رعية.

- مجموعة تعلمها السنة رعية.

- شباب تفقههم في الدين رعية.

- جيل أنت مسؤول عن تربيته رعية.

- وبالتالي، كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته.

     فأنت كما تأخذ أجراً وثواباً على العمل التربوي والدعوة إلى الله والاهتمام بالشباب؛ فكذلك أنت مسؤول وستحاسب إن قصرت أو فرطت أو تركت؛ فاحذر أن تكون من هؤلاء.

بعد هذا السرد السريع لأهمية هذا العمل العظيم، لابد أن يكون لك دور قوي وفعال في مجال العمل التربوي، ولاسيما تربية الشباب.

فمن عاش لدينه وإن عاش متعباً، لكنه يبقى ذكره ويرفع الله قدره، ومن عاش للدنيا عاش صغيراً ودفن يوم دفن.

ياشباب المجد جدوا             رب داع لا يــــرد

لا يـــقـــم بالــديــن إلا             من له عزم وجد

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك