رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رجب أبو بسيسة 14 مايو، 2017 0 تعليق

زاد على طريق العمل التربوي (1)

 

المتأمل في واقعنا المعاصر يجد أن الأمة تفتقد إلى جيل متميز يحمل قضاياها، وينهض بها من رقدتها ليرجع بها إلى سابق عزها ومجدها. جيل يتربى في محاضن تربوية بطريقة دقيقة ومتأنية ولاسيما في ظل هذا الواقع المرير؛ لذلك كانت هذه الكلمات، أبعثها رسالة للمعلم والمربي الذي يعد أهم محاور العملية التربوية، واليوم مع الزاد الأول.

القناعة أولا:

أول المعاني التي لابد من توفرها في المعلم أو المربي نفسه، حتى ينجح في العملية التربوية ويحقق الثمرة المرجوة من العمل هي القناعة بأهمية العمل التربوي وضرورته مع الشباب، ومما يساعد على صناعة هذه القناعة ما يأتي:

1- التربية أساس التغيير.

ينبغي أن يعلم المعلم أو المربي أن تربية النشء هي أساس التغيير؛ فالمتأمل في القصص القرآني يجد أن التغيير في كل قصة من القصص كان يبدأ بالشباب.

     فانظر مثلا في قصة موسى -عليه السلام- بدأ التغيير فيها بغلام صغير، ما لبث أن أصبح شابا غيّر الواقع، فبداية القصة كانت بقول الله -عز وجل-: {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴿} (القصص:7)؛ فالتغيير في بني إسرائيل بدأ بشاب، وهو موسى عليه السلام.

     ثم انظر بعد ذلك كيف كان تأثيره في الشباب من بعده، وكيف جاء النصر وفتح بيت المقدس على يد الشباب، قال -تعالى-: {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه}(يونس:83)، تلك الذرية التي كان من أفرادها (يوشع بن نون) فتى موسى -عليه السلام- الذي رباه وأعده ولازمه في رحلاته، كما أخبرنا بذلك القرآن وبينته السنة، قال -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} (الكهف:60)؛ فيوشع بن نون كان فتى، وتربى على يد موسى -عليه السلام- وخط بعمله قصة تغيير جديدة في بني إسرائيل.

     ذلك الفتى الذي حبست الشمس عن مغيبها لأجله، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها، ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر ولادها، فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك، فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه».

     وقصة يوسف -عليه السلام- أيضا بدأ التغيير فيها بفتى رأى رؤيا، قال -تعالى-: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (يوسف:4)، فيوسف عندما رأى الرؤيا كان فتى صغيرا، تربى في بيت أبيه يعقوب -عليه السلام- وسرعان ما مرت الأيام واستطاع يوسف فتى الأمس ورجل الغد، بل رجل مرحلة أن يترك لنا قصة تغيير يتلوها القرآن إلى قيام الساعة بإذن الله.

     وقصة إبراهيم -عليه السلام- بدأ التغيير فيها في مرحلة الفتوة، قال -تعالى-: {قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} (الأنبياء:60)، فإبراهيم -عليه السلام- عندما بدأ التغيير والإصلاح كان شابا اصطفاه الله -عز وجل- وجعله من الصالحين، قال -تعالى-: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (النحل:120-121)، وهكذا يجد المتأمل أن رحلة التغيير في كل عصر وزمان قادتها هم الشباب.

وفي القصص النبوي قصة غلام الأخدود من بدايتها إلى نهايتها تتكلم عن غلام استطاع أن يغير واقع الأمة التي كان يعيش فيها.

ولاحظ أن ذلك الغلام لم يذكر لنا القرآن ولم تذكر لنا السنة أنه كان نبيا من الأنبياء، بل هو مجرد غلام أراد أن يصلح المجتمع ويخرجه من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد.

ولك أن تتخيل كيف ضحى بحياته من أجل الوصول إلى هدفه السامي وغايته النبيلة.

وفي تاريخ أمتنا وسلفنا الصالح تجد أن الشباب الذي تربى على منهاج النبوة هو من تحمل المسؤولية ونصر القضية، بداية من مصعب بن عمير، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن عباس، وأبي هريرة رضي الله عنهم جميعا.

ومرورا بمحمد بن القاسم، وقتيبة بن مسلم، والبخاري ومسلم، وصولا إلى يوسف بن تاشفين، والنووي، والعز بن عبدالسلام، وابن تيمية وابن القيم، وألب أرسلان، ومحمد الفاتح، ومحمد بن عبدالوهاب، والشوكاني، وغيرهم من رموز الأمة الذين تركوا لنا في تاريخهم بصمة خالدة نتعلم منها ونسير على هديها.

فكل هؤلاء كانوا شبابا تربوا داخل المحاضن التربوية، ثم ما لبثوا أن انطلقوا منها وملؤوا الدنيا خيرات وبركات.

ولا نقول: إن هذه تواريخ وقصص مضت.

لها زمانها ولنا زماننا، بل نقول: إن الواقع يشهد على ذلك ويؤيده؛ فالمتأمل في واقع الصحوة الإسلامية اليوم يجد أن الشباب هم قوامها ونبراسها ومصدر قوتها وحاملو رايتها، فاللهم بارك في شباب المسلمين.

2- اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالتربية

لقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بالتربية اهتماما بليغا وإلا فقل لي: هل قامت دعوة الإسلام، وتكونت أمة خير الأنام، وارتفع دين الملك العلام إلا ببركة التربية؟ بتربية جيل على يد أعظم مرب عرفته البشرية محمد صلى الله عليه وسلم .

لقد استطاع صلى الله عليه وسلم أن يقيم دولة الإسلام، وأن يقيم هذه الحضارة التي ضربت بجذورها في أعمال التاريخ ببركة تربية جيل على الاستقامة التي صحت بها العقائد والأخلاق والسلوكيات.

ببركة تربية النبي صلى الله عليه وسلم انطلق الصحابة كالضوء في الدنيا يدعون أهل الأمصار، ويفتحون البلدان، بل ويفتحون القلوب قبل أن يفتحوا البلدان. فالمتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه كان مهتما بشباب الصحابة اهتماما بالغا رغم مشاغله وأعبائه!

فها هو ذاصلى الله عليه وسلم يوجه ويربي عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - على قيام الليل فيقول: «نعم الرجل عبدالله، لو كان يقوم من الليل» ويوصي عبدالله ابن عمرو بعدم الانقطاع عن هذه الطاعة والعبادة؛ فيقول له: «يا عبد الله بن عمرو، لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل».

ويعاتب أسامة بن زيد لما قتل نفسا لم يؤمر بقتلها، فكان عتابه بحزم فيه حب، وصرامة فيها شفقة، كما ورد في الصحيحين: «يا أسامة: أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟»، وفي رواية: «ماذا تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة».

وانظر كيف ربي مصعبا قبل المدينة، وأعده إعدادا يستطيع من خلاله أن يتحمل المسؤوليات ويواجه المخاطر. وكيف أرسل معاذا الشاب الذي لم يكمل الثلاثين من عمره إلى اليمن ليدعوهم للإسلام وليكون عليهم واليا وقاضياً.

     وقبل أن يرسله قربه ورباه وأعده، بل كان من كلماته صلى الله عليه وسلم التي أثرت في معاذ، قوله له: «يا معاذ إني أحبك»، بل وصل الأمر من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بتربية الشباب، ومن الحماسة المتأججة في قلبه تجاههم أن يزور غلاما يهوديا وهو على فراش الموت ليدعوه إلى الإسلام، مع أن الواقع يقول: إن هذا الغلام لن يفيد الإسلام في شيء - بمفهوم المقاييس الدنيوية عند بعضهم-؛ لأنه سيموت، ولكن من شفقة النبي[ أنه كان يحرص على إسلام هذا الغلام؛ ولما رأى والد ذلك الغلام تلك الحماسة والشفقة والرحمة من جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لابنه: أطع أبا القاسم، فأسلم الغلام، وفرح رسول اللهصلى الله عليه وسلم، وقال: «الحمد لله الذي أنقذ بي نفسا من النار»، بل يلقى صلى الله عليه وسلم أبا عمير، فيقول له مداعبا: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟»

     ويأتيه شاب يقول له: يا رسول الله أئذن لي بالزنا؛ فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: «ادنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه. قال: فلم يكن بَعدُ ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.

وغيرها من المواقف الكثيرة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم التي تدل على اهتمامه بتربية الشباب ورحمته بهم وشفقته عليهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك