روائع الأوقاف في قطاع الخدمات العامة
كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أوّل دار ضيافةٍ عامّة لقاصدي المدينة المنوّرة، وهو في ذاته وقْفٌ بلا أدنى شك، ولم يكن للنبيّ صلى الله عليه وسلم دار ضيافةٍ في أوّل الأمر؛ فكان المسلمون الجدد، والمطرودون من قبائلهم وأحياء العرب غير المسلمة في ذلك الوقت، كلُّهم يأوون إلى المسجد، وفيه كانت الجماعة المعروفة بأهل الصُّفَّة من فقراء المهاجرين، سواءً المهاجرين من مكّة المكرّمة أم غيرها.
وقد أشار المقريزي إلى أنّ عمر بن الخطّاب كان أوّل من اتّخذ داراً للضّيافة غير المسجد؛ وذلك سنة 17 من الهجرة، وأعدّ فيها الدقيق، والسمن، والعسل، وغيره، وجعل بين مكة والمدينة من يحمل المنقطعين من ماء إلى ماء حتى يوصلهم إلى البلد؛ فلما استُخلف عثمان بن عفان رضي الله عنه ، أقام الضيافة لأبناء السبيل، والمتعبّدين في المسجد، وأوّل من بنى دار الضيافة بمصر للناس، عثمان بن قيس بن أبي العاص السهميّ، أحد من شهد فتح مصر من الصحابة، وكذلك الخليفة المستنصر بالله؛ فإنّه أحيا أرضاً مواتاً، وأوقفها على دور ضيافة الفقراء ببغداد.
الوقف على تعبيد الطرق ورصفها
قال ابن بطوطة وهو يعدّد أوقاف دمشق التي عجز عن عدّها وحصرها:
«... ومنها أوقافٌ على تعديل الطرق ورصفها؛ لأنّ أزقّة دمشق لكلِّ واحدٍ منها رصيفان في جنبيه، يمرُّ عليهما المترجِّلون، ويمر الرُّكبان بين ذلك، ومنها أوقافٌ لسوى ذلك من أفعال الخير».
الوقف على خدمة البريد
حادثةٌ حدثت في عهد السلطان المظفّر حاجي على مصر، كشفت حجم الأوقاف التي وقفها المسلمون على خدمة البريد.
قال ابن تغري بردي: «ثمّ ورد الخبر باختلال مراكز البريدِ بطريق الشام؛ فأخذ من كلِّ أميرٍ مُقَدَّمِ ألفٍ: أربعة أفراس، ومن كل طبلخاناه: فرسان، ومن كلِّ أميرِ عشرةٍ: فرس واحد، وكشف عن البلاد المرَصَّدَة للبريد؛ فوجد ثلاثَة بلادٍ، منها وقْفُ الملك الصالح إسماعيل، وَقَفَ بعضَها، وأخرجَ باقيها إقطاعات؛ فأخرجَ السلطان عن عيسى بن حسن الهجّان بلداً تعمل في كلِّ سنةٍ عشرين ألف درهم، وثلاثة آلاف إردبّ غلّة، وجعلها مُرَصَّدَةً لمراكز البريد».
الوقف لإبعاد الأذى عن الطرقات
اشترط بعض الواقفين من أهل القطيف في الجزيرة العربية، الإنفاق من ريع وقفه على غرض إزالة (العناصيص)! وهي الحجارة الناتئة والبارزة في الطريق العامة، التي من شأنها أن يتعثّر بها المسنّون والمكفوفون، أو من لا يتنبّه لوجودها من المبصرين الأصحّاء. وكذلك في فاس من بلاد المغرب، وُجدت أوقافٌ للإنفاق على رفع الحجارة من الطرقات، وإبعاد المؤذيات من طريق السائرين.
فرعى الله أمّةً اهتمّت كلَّ هذا الاهتمام! وبذلت من حرّ مالها، رعايةً لخصلةٍ جاء وصفها في الحديث الشريف أنّها أدنى خصال الإيمان!«... وأدناها إماطة الأذى عن الطريق».
وذُكر أنّ في جنوب الجزائر أوقافاً مرصودة للإنفاق على من يحمي النّاس من أذى الحشرات السامّة، والزواحف، كالعقارب، والأفاعي. وأوقاف أخرى بمصر وغيرها لتطعيم الكلاب الضالّة حتى لا تُصاب بداء الكَلَب، وشراء الأدوية لمكافحة الحشرات الضارة، كالقمل، والجراد.
لاتوجد تعليقات