رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.خالد راتب 23 يوليو، 2013 0 تعليق

رمضــــان.. وتحـديات الواقـع

 

عندما كان يهلُّ شهر رمضان بهلاله يرى كتائب الإيمان تتحرَّك متعطشةً لصيامه وقيامه، معتكفين على قراءة القرآن وتدبُّره، مترجمين القراءة إلى عمل صالح نافع يجمَعُ بين حسنة الدنيا والآخرة، رافعين أكُفَّ الضراعة لربهم، تتجافى جنوبهم عن المضاجع، مسارعين في الخير كالريح المرسَلة، يخرجون من نصرٍ إلى نصر، لهم مكانهم ومكانتهم بين الدول، يعمل لهم الأعداءُ ألف حساب..

وكان رمضان سعيدًا بهم، ينتظر لقاءَهم، كما كانوا ينتظرون لقاؤه، ومرَّت الأيام، وتغيَّرت الأحوال، فخرَج رمضان ليُهِلَّ بهلاله على كتيبةٍ غيرِ الكتيبة، خرج على قوم يصومون ويقومون، لكن لا أثر لهذا الصيام في حياتهم؛ فمنهم من أمسك عمَّا أحلَّه الله، ووقع فيما حرَّمه، فراح مسترسلاً بلسانه في الأعراض والخصومات والجدال..

     ومنهم من عانى ألم الجوع والعطش، وما زال شحيحًا بخيلاً على عباد الله، يكنِزُ المال، ولا يؤدِّي حقه، يرى الجائع والمسكين والطريد والشريد، ولا يتحرَّك تُجاهه بنفقة ولا كسوة..

     يهل هلال رمضان والأمة الإسلامية محاصرةٌ فكريًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا ونفسيًّا، بين المطرقة والسندان، بين علمانية تسعى ليل نهار في فصل الإسلامِ عن الحياة، وماسونيَّةٍ تحاول زعزعة وهدم العقائد، مستغلَّةً الفقرَ والجهل والمرض (الثالوث المدمر) الذي أحاط بأكثرِ الدول الإسلامية؛ حيث تعمل الماسونية في الخفاء، تُظهِر الخيرَ للناس، وباطنها فيه العذاب، وبين جهل مركب - وهذا هو الخطر العظيم - يصور الأمورَ على غير حقيقتها، ويوقن أصحاب هذا الجهل أنهم على شيء، بل وينقاد خلفهم مَن طمَس اللهُ بصيرتهم، وانحدرت عقولهم، وأظهروا أنفسهم للمجتمع أنهم هم النخبة التي تفكِّر وتفهم، ولا بدَّ للكل أن يسير خلفها!

      دخَل علينا رمضان، والقدس ما زال أسيرًا يتجرَّأ عليه إخوانُ القِردة والخنازير يدنِّسونه، ويمنَعون المسلمين من الصلاة فيه، ويعتدون على إخواننا في فلسطين أشد الاعتداء.

 والروافض يذبحون أهل السنَّة في العراق، وفي إيران.. ويدفَعون بالسلاح والأموال لمحاربة المعارضة في سوريا.

 وفي بورما يحرَّق المسلمون وهم أحياء، وتقطَّع أجسادهم، ويُرمَون في المصارف!

      تحديات كثيرة تواجه المسلمين، ولكن هل سنجعل من شهر الصيام انطلاقةً جديدة للتغيير والتمكين؛ فإن الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم، وما تبدَّلت النعم وتحوَّلت إلى نِقَم إلا عندما أوقفنا سنَّة التغيير من حياتنا، وتغيير النعمة تبديلها بنقمة، بالسلب لها أو تعذيب أهلها؛ قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(الأنفال: 53)، فلا يسلبهم الله نعمة وهَبَهم إياها «إلا بعد أن يغيروا نواياهم، ويبدلوا سلوكهم، ويقلبوا أوضاعهم، ويستحقوا أن يغير ما بهم مما أعطاهم إياه للابتلاء والاختبار من النعمة التي لم يقدروها ولم يشكروها» (ظلال القرآن: 3/423).

      وشهر رمضان فرصة عظيمة للتغيير؛ فالكون كله مهيَّأ للتغيير؛ الشياطين مصفَّدة، وأبواب النار مغلقة، وأبواب الجنة مفتَّحة، وفي كل ليلة عتقاءُ من النار، ومنادٍ ينادي: يا باغي الخير، أقبِلْ، ويا باغيَ الشَّرِّ، أقصِرْ..

      والتغيير لا بد أن يكون عميقًا من سويداء القلب؛ فالتغيير البارد الذي يعتني بالمظهر ولا يركز على الجوهر سرعان ما ينتهي أثرُه، ويعودُ الناس مرة أخرى إلى سابق عهدهم، فيدخلون ويخرجون من رمضان بغير نفعٍ.

      والتمكين يأتي بعد التغيير، فهما وجهان لعملة واحدة، لا قيمة لأحدهما دون الآخر، وهذا ما حدَث بعد صيام سبعة عشر يومًا مِن رمضان، استطاع الصيام الحقيقي أن يغيِّر ويمكِّنَ؛ ففي غزوة بدرٍ في السابع عشر من رمضان حقَّق المسلمون انتصارًا مدويًّا أقلق العرب والفرس والعجم والعالم كله في أول لقاء مع صناديد الكفر، فكان صيامُهم وقيامهم - إيمانًا واحتسابًا - دافعًا قويًّا لمواجهة التحديات بكلِّ قوة وصبر ويقين، فهل نجعل من رمضان هذا العام نقطةَ البداية الحقيقية لتغيير ما بأنفسنا، وتمكين الإيمان في قلوبنا؛ حتى يتحقَّق وعدُ الله لنا: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(النور: 55).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك