رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مركز سلف للبحوث والدراسات 14 مايو، 2019 0 تعليق

رمضان وصفاء العبادات

أظلّنا شهر رمضان الذي يتنافس في الظفر بأجوره المتنافسون، ويشمر عن ساعد الجِدّ والاجتهاد فيه المتسابقون؛ فهو موسم القربات المتنوعة والطاعات الكثيرة، غير أن بعض المسلمين تتجاذبهم البدع يمنة ويسرة؛ لتضيع عليهم أجور هذه العبادات، وتكدِّر صفوها بالمخالفات؛ فالأحرى بالمسلم أن يحتاط لدينه؛ لأن الله -تعالى- لا يقبل من العبادات إلا ما كان خالصًا صوابًا؛ فلا تكثير الأعمال ينجيها، ولا تزيينها بالبدع يبقيها، حتى تستوفي الشرطين, ومصداق ذلك قوله -سبحانه وتعالى-: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف: 110)، وكذلك ما صحَّ عن نبينا[: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ»، وفي هذه الكلمات سنذكر أهم ما يجتهد فيه المسلم خلال شهر رمضان، مع التنبيه على بعض المخالفات التي يقع فيها بعض الناس، ولاسيما في عصرنا الحاضر.

أولاً: قربات في رمضان

- صيام النهار: لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه»، قيام الليل: لقوله صلى الله عليه وسلم : «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه»، الإكثار من قراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه في هذا الشهر الذي أُنزل فيه، مع الحرص على خشوع القلب، الصدقة؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، تفطير الصائمين: قال صلى الله عليه وسلم: «من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا»، الاعتكاف؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام؛ فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يومًا، العُمرة في رمضان؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عُمرة في رمضان تعدل حجة– أو حجة معي»، تحرِّي ليلة القدر؛ لفضلها العظيم، قال صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه»، الحرص على الدعاء عند الإفطار، وقول الذكر المسنون بعد الإفطار: «ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله»، تعجيل الفطور وتأخير السحور ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «ثلاثة من النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة»، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فضل السحور بقوله: «تسحَّروا؛ فإن في السحور بركة»، وعن عمرو بن ميمون الأودي قال: «كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطارًا، وأبطأهم سحورًا»، الحرص على الذكر المطلق والمقيَّد، والإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: مخالفات في رمضان

     الاعتماد على حساب الفلكيين في دخول رمضان: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «فإنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم، أو الحج، أو العدة، أو الإيلاء، أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يُرى أو لا يُرى لا يجوز، والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه، ولا يُعرف فيه خلاف قديم أصلًا ولا خلاف حديث، إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غُمَّ الهلال، جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب؛ فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا، وهذا القول وإن كان مُقيَّدًا بالإغمام ومختصًّا بالحاسب؛ فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه».

بدعة التسحير

     وهو تنبيه الناس على السحور؛ ففي بعض الديار يقول المؤذنون في الجامع عبر مكبرات الصوت: تسحروا كلوا واشربوا أو ما أشبه ذلك، وفي بعضها يسحرون بدق الطار والغناء والرقص واللهو واللعب، وفي بعضها يضربون بالنفير على المنار، ويكررونه سبع مرات، ثم بعده يضربون بالأبواق سبعًا أو خمسًا؛ فإذا قطعوا حرم الأكل؛ إذ ذاك عندهم.

      والتسحير لم تدع ضرورة إلى فعله؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم قد شرع الأذان الأول للصبح للدلالة على جواز الأكل والشرب، والثاني للدلالة على تحريمهما؛ فلم يبق أن يكون ما يعمل زيادة عليهما إلا بدعة؛ لأن المؤذنين إذا أذنوا مرتين انضبطت الأوقات وعلمت. قال ابن الحاج المالكي: «كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يعرفون جواز الأكل بأذان بلال ومنعه بأذان ابن أم مكتوم، وإذا كان ذلك كذلك؛ فلا حاجة تدعو إلى ما أحدثوه من التسحير، ثم مع ذلك فيه من المفاسد ما تقدم ذكره من التشويش على من في المسجد من المتهجدين».

تعجيل السحور

     وهذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي صحابته الكرام كما تقدم في قربات رمضان، وقد شاعت ظاهرة تعجيل السحور في بعض الديار في الولائم والمناسبات، وفي بعض البلدان العربية يقسمون التراويح إلى قسمين من بداية رمضان إلى نهايته؛ بحيث يجعلون القسم الثاني منها من بعد السحور إلى وقت أذان الفجر، فيكون الوتر قبيل الأذان، وبفعلهم هذا يكون سحورهم قبل الفجر بوقت طويل، والله المستعان.

دعاء القنوت

     ما يتخلل دعاء القنوت من مخالفات سواء لدى الإمام أو المأمومين: وسنشير إلى بعضها وهي: رفع البصر إلى السماء أثناء الدعاء، المبالغة في رفع اليدين ظناً أن هذا أقرب للإجابة، وأبلغ في الخشوع، السجع المتكلف، رفع الصوت به، تلحينه والتعبد بذلك، حتى إنك تسمع تغنيه بالدعاء كتغنيه بالقرآن، الاعتداء في ألفاظ الدعاء ومعانيه، وتكثيرها بلا حاجة، ومن الأخطاء أيضًا التأمين على موضع من الدعاء ليس محلاً للتأمين، أو قول: سبحان الله، في موضع ليس محلًّا لها.

دعاء ختم القرآن في الصلاة

     وهذا لا أصل له، وأما خارج الصلاة؛ فقد ورد فعله عن أنس رضي الله عنه ، قال الشيخ ابن عثيمين: «لا أعلم في ختمة القرآن في قيام الليل في شهر رمضان سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة أيضًا، وغاية ما ورد في ذلك أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا، وهذا في غير الصلاة»، وقد ألف العلامة بكر أبو زيد رسالة بعنوان (جزء في مرويات دعاء ختم القرآن وحكمه داخل الصلاة وخارجها)، وخلاصتها: أن ما تقدم مرفوعًا وهو في مطلق الدعاء لختم القرآن لا يثبت منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو إما موضوع، أو ضعيف لا ينجبر، ويكاد يحصل القطع بعدم وجود ما هو معتمد في الباب مرفوعاً؛ لأن العلماء الجامعين الذين كتبوا في علوم القرآن وأذكاره أمثال: النووي، وابن كثير، والقرطبي، والسيوطي، لم تخرج سياقاتهم عن بعض ما ذكر، فلو كان لديهم في ذلك ما هو أعلى إسنادًا لذكروه. أما الموقوف؛ فقد صح من فعل أنس بن مالك رضي الله عنه الدعاء عند ختم القرآن، وجمع أهله وولده لذلك، وأنه قد تابعه على ذلك جماعة من التابعين.

وأما عن دعاء الختم في الصلاة؛ فقال -رحمه الله-: ليس فيما تقدم من المروي حرف واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد من صحابته -رضي الله عنهم- يفيد مشروعية الدعاء في الصلاة بعد الختم قبل الركوع أو بعده، لإمام أو منفرد.

ليلة الختمة

     ومن الملاحظ أن العامة من الناس يحرصون حرصًا شديدًا على حضور (ليلة الخاتمة) مع إهمال كثيرين لصلاة التراويح في بعض الليالي الفاضلة! رفع الصوت بالدعاء بعد ختم القرآن، ويكون هذا الدعاء جماعياً، أو كل يدعو لنفسه، ولكن بصوت عال، تعمُّد تأخير أذان المغرب بدعوى الاحتياط، التلفظ بالنية عند السحور، كأن يقول القائل: اللهم إني نويت أن أصوم، الإمساك قبل أذان الفجر بعشر دقائق، تخصيص اليوم السابع والعشرين من رمضان بعُمرة، وهذا التخصيص لم يأت دليل عليه؛ فيكون من البدع، الاحتفال بذكرى غزوة بدر، الصمت وعدم الكلام في حال الصوم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «أما الصمت عن الكلام مطلقًا في الصوم، أو الاعتكاف، أو غيرهما؛ فبدعة مكروهة باتفاق أهل العلم»، وقراءة سورة الأنعام في رمضان في ركعة واحدة ليلة الجمعة، أو في آخر ركعة من التراويح ليلة السابع أو قبلها.

     وقد سُئل عنها شيخ الإسلام ابن تيمية: هل هي بدعة أو لا؟ فأجاب: «نعم بدعة؛ فإنه لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين، ولا غيرهم من الأئمة أنهم تحرَّوا ذلك، وإنما عُمدة من يفعله: ما نُقل عن مجاهد وغيره من أن سورة الأنعام نزلت جملة مشيَّعة بسبعين ألف ملك؛ فاقرؤوها جُملة؛ لأنها نزلت جُملة، وهذا استدلال ضعيف، وفي قراءتها جُملة من الوجوه المكروهة أمور، منها: أن فاعل ذلك يطوِّل الركعة الثانية من الصلاة على الأولى تطويلًا فاحشًا، والسُّنة تطويل الأولى على الثانية كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها: تطويل آخر قيام الليل على أوّله، وهو خلاف السنة؛ فإنه كان يُطوِّل أوائل ما كان يصلِّيه من الركعات على أواخرها والله أعلم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك