رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد فريد 12 مايو، 2020 0 تعليق

رمضان مدرسة التقوى

 

قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:183)، فبيَّن -سبحانه وتعالى- لنا في هذه الآية الكريمة أهمية الصيام، وأن الله -عز وجل- فرض علينا الصيام كما فرضه على الأمم السابقة لحاجة كل الأمم إلى شريعة الصيام، ثم أبان الله -عز وجل- عن حكمة فرضية الصيام فقال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي: تصلون بالصيام إلى التقوى التي هي أعلى المراتب.

فإن قال قائل: إن العبادات كلها توصل إلى تقوى الله -عز وجل-؛ لأن العبادة هي الوظيفة، والغاية هي التقوى، كما قال -تعالى- في أول أمر في القرآن في خاتمة الربع الأول من سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:21).

الصيام وخصوصية التقوى

     فكل العبادات توصل إلى تقوى الله -عز وجل-، لكن الصيام مِن بينها له خصوصية بتقوى الله -عز وجل-؛ فهو يتكون من نية باطنة لا يطلع عليها أحد إلا الله -عز وجل- وترك لشهوات يستخف بتناولها عادة مِن الطعام والشراب والشهوة، فلا تستطيع أن تحكم على عبد بأنه صائم، كذا قالوا في تعريف التقوى: «هي علم القلب بقرب الرب -عز وجل-».

استشعار قرب الله -تعالى

     فالله -عز وجل- فوق سماواته، لكنه قريب، وهذا القرب ليس كقرب الشيء المخلوق من الشيء المخلوق؛ لأن الله -عز وجل- ليس كمثله شيء في ذاته أو صفاته؛ فالتقوى استشعار القلب لهذا القرب، والصائم كذلك لولا أنه يستشعر قرب الله -عز وجل- منه؛فالصيام تدريب على تقوى الله -عز وجل. وقالوا كذلك في تعريف التقوى: «أن تترك ما تهوى لما تخشى»، والصائم كذلك يترك ما يهوى من الطعام والشراب والنكاح لما يخشى من عقوبة الله -عز وجل- إذا انتهك حرمة الصيام، فالصيام مدرسة التقوى.

سر بين العبد وربه

والصيام سر بين العبد وربه؛ ولذا أضافه الله -عز وجل- إلى نفسه الشريفة من بين سائر العبادات، قال - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي» (متفق عليه).

الصيام من الصبر

     فالأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد، بل يضاعفه الله -عزوجل- أضعافًا كثيرة بغير حصر عدد، فإن الصيام من الصبر، وقد قال الله -تعالى-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر:10)، والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله -عز وجل-، وصبر عن محارم الله، وصبر على الأقدار المؤلمة، وتجتمع الثلاثة كلها في الصوم؛ فالصيام اختصه الله -عز وجل- من بين أعمال العباد وأضافه إليه. قال سفيان بن عيينة -رحمه الله-: «هذا من أجود الأحاديث وأحكمها, إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله -عزوجل- ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة».

إضافة الصيام إلى الله -تعالى

     وفي إضافة الصيام إلى الله -عز وجل- وجهان: أحدهما أن الصيام مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جُبلت على الميل إليها لله -عز وجل-، ولا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصيام. وأما الصلاة وإن ترك المصلي فيها شهواته جميعها إلا أن مدتها لا تطول، فلا يجد المصلي فقد الطعام والشراب في صلاته، قال بعض السلف: «طوبى لمَن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره».

تقديم رضا الرب -تعالى

     لما علم المؤمن الصائم أن رضا مولاه في ترك شهوته, قدم رضا مولاه على هواه؛ فصارت لذته في ترك شهوته لله لإيمانه باطلاعه وثوابه وعقابه، وإذا كان هذا فيما حرم لعارض الصوم من الطعام والشراب ومباشرة النساء فينبغي أن يتأكد ذلك فيما حرم على الإطلاق كالزنا وشرب الخمر، وأخذ الأموال وهتك الأعراض بغير حق، وسفك الدماء المحرمة، فإن هذا يسخط الله -تعالى- في كل حال، وفي كل زمان ومكان.

الوجه الثاني: أن الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه غيره؛ ولذلك قيل: لا تكتبه الحفظة. وقيل: ليس فيه رياء، كذا قاله الإمام أحمد والله -تعالى- يحب من عباده أن يعاملوه سرًّا بينهم وبينه، وأهل محبته يحبون أن يعاملوه سرًّا بينهم وبينه؛ بحيث لا يطلع على معاملتهم إياه سواهم. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك