رمضان في عيون العلماء والدعاة مدرسة إيمانية وتربوية وسلوكية (1)
الحمود:العزم على التوبة
التركماني:إقامة العبودية لله
الداودي:حماية الشعائر من الإنحراف
شهر رمضان المبارك، مدرسة متواصلة ومستمرة لتربية الأجيال وتهذيبهم، وصقل نفوسهم، وتزويدهم بشحنات إيمانية، لذا نحاول من خلال هذا التحقيق استطلاع آراء العلماء الربانيين والدعاة العاملين حول معاني هذا الشهر الكريم؛ لأن ذلك مما يعين المسلم على أداء عبادته؛ حيث تنشط همته، وتسمو غايته.
استشعار نعمة الله
في البداية قال الشيخ محمد الحمود النجدي -رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي-: إن من المعاني المهمة لشهر رمضان استشعار نعمة الله -تبارك وتعالى- علينا، بقدوم هذا الموسم المبارك ونحن على قيد الحياة، فرمضان شهرٌ تفتح فيه أبواب الجنة والخيرات والبركات، وتغلق فيه أبواب النار والعقوبات، وتسلسل فيه الشياطين ومردة الجن، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُبشّر أصحابه بقدوم رمضان فيقول: «قد جاءكم شهرُ رمضان ، شهرٌ مبارك، كَتبَ اللهُ عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبوابُ الجحيم، وتغلُّ فيه فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، منْ حُرم خيرَها فقد حرم».
ضرورة العزم على التوبة
كذلك من معاني رمضان ضرورة العزم على التوبة من جميع الذنوب والخطايا فهو شهر التوبة والمغفرة والرحمة، فأبواب الجنان مفتوحة، وأبواب الجحيم مغلقة، والشياطين مقيدة، فمن لم يتبْ في رمضان فمتى يتوب؟! ومن لم يطلب رضا الله -تعالى- فيه فمتى يطلبه؟! فعن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أتاني جبريلُ فقال: يا محمد، منْ أدرك رمضان فلم يُغفر له، فأبعدَه الله، فقلتُ: آمين». رواه ابن حبان وغيره.
إخلاصُ العمل لله عز وجل
ومن أهم المعاني كذلك إخلاصُ العمل لله -عز وجل- واحتساب الأجر من الله تعالى، في الصيام والقيام وقراءة القرآن، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولاسيما، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «منْ صامَ رمضان إيمانا واحتسابًا، غُفر له ما تقدّم من ذنبه»، وقال : «منْ قامَ رمضانَ إيمانا واحتسابا، غُفرَ له ما تقدّم من ذنبه» متفق عليهما.
ميدان للمنافسة على الخيرات
أخيرًا فإن رمضان ميدان المنافسة على الخيرات الكثيرة المتنوعة، كالرحمة والمغفرة والدرجات والحسنات وإجابة الدعوات، والعتق من النار، نسأل الله -تعالى- الإعانة فيه على كل خير إنه سميع الدعاء.
إقامة العبودية لله عزَّ وجلَّ
ومن بريطانيا شاركنا الشيخ الدكتور عبد الحق التركماني؛ حيث قال: إن رمضان يعني إقامة العبودية لله -عزَّ وجلَّ- برابع أركان الإسلام الخمسة، وهي الشهادتان، والصلاة والزكاة والصيام والحج، هذه الأركان تمثل ركيزة الشعائر التعبدية، ومباني الإسلام ومقاصده وغاياته الكلية، والعبادة حقٌّ خالص لله -تعالى- على عباده المكلفين من الجنِّ والإنس، يؤديها المؤمنون منهم على الوجوه المتنوعة التي شرعها الله تعالى لهم، فمن العبادات ما يتعلق بالقلب، ومنها ما يتعلق باللسان، ومنها ما يتعلق بالجوارح والأركان.
وللصيام نصيب من هذه الجوانب كلها: ففيه إخلاص القلب وتوجهه إلى الله ومراقبته والصدق معه بالغيب، وفيه اشتغال اللسان بالذكر والدعاء وقراءة القرآن والكف عن قول الزور والفحش والفجور، وفيه تعريض الجسد للجوع والعطش امتثالًا لأمر الله -تعالى- وتواضعًا له وتذللًا بين يديه، وفيه حبس النفس عن الشهوات وتكسير جنوحها وطغيانها.
تجديد الصلة بالله
ومن المعاني المهمة لمن ابتلي بالإقامة في بلاد تغلب عليها المادية والغفلة والانغماس في الشهوات؛ يجد في شهر رمضان مناسبة عظيمة لتجديد الصلة بالله، وتجديد التوبة والإنابة، ومراجعة النفس، ولومها على غفلتها وتفريطها، وينبغي أن يكون هذا خطابًا للنفس وللغير، ففي هذا الشهر الفضيل يتوجه كثير من المسلمين إلى المساجد، ويقبلون على الطاعة، فلابدَّ من تذكيرهم بالغاية التي خلقوا من أجلها: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات: 56)، والمصير الذي هم سائرون إليه: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}(الانشقاق: 6)، فلا بد من أن تعلو الأصوات على المنابر وفي الدروس والمحاضرات بالتذكير بالله وأسمائه وصفاته ووعده ووعيده وحقه على خلقه، وذلك بالكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة، والمنهاج النبوي الذي فيه بيان الحق، ورحمة الخلق، واللين والرفق، والتبشير بما وعد الله به عباده من قبول توبتهم وغفران ذنوبهم وتكفير سيئاتهم كلما جددوا الإنابة إليه، والإقبال عليه.
رمضان جزء من كيان الأمة
ولابد أن نستشعر أن رمضان على مرِّ هذه القرون قد صار جزءا من كيان هذه الأمة في ثقافتها وعاداتها وتقاليدها؛ ولأن المسلمون في الغرب يعانون الغربة، ويشعرون بالتهديد في هويتهم وكيانهم، فينزعون إلى التشبث بعوامل التميز والمحافظة على الهوية القومية، وعند ذلك يصبح الارتباط بحقائق الإسلام ارتباطًا بالموروث القومي المكون للهوية المميِّزة؛ فتخفت روح العبودية لله أو تضيع، وتفقد الحقائق الإسلامية الكبرى مضامينها الإيمانية والتعبدية.
ويحدثنا التاريخ أن الأمم عندما تتخلى عن دينها تتحول شعائره إلى ممارسات تقليدية، ويكون البروز الأكبر لهذه الظاهرة فيما له صلة وثيقة بهوية المجتمع، كالصوم والأعياد ومراسيم الزواج ودفن الموتى. وفي إطار هذه المشكلة يتجه كثير من الدعاة والخطباء إلى مخاطبة جمهورهم المسلم من خلال التركيز على الجوانب النفعيَّة المعنوية أو المادية للعبادات، ولاسيما الصيام، مثل الصحة النفسية أو الجسدية، والتدرب على الصبر، والشعور بمعاناة الجوعى والفقراء والمظلومين، وأظن أن لهم في خطابهم هذا نوايا طيبة، لكنه للأسف يؤدي إلى عكس ما يظنونه صنعًا حسنًا؛ فهو يغرس المفهوم النفعي والمادي في النظر للحقائق، حتى الدين والعبادة، وفي هذا تحريف للمفاهيم والمقاصد الكلية للعبادة ولما شرعت له.
أسأل الله -تعالى- أن يبارك علينا وعلى جميع المسلمين هذا الشهر الفضيل، وأن يصلح أحوال المسلمين، ويدفع عنهم الفتن، ما ظهر منها وما بطن. وبالله تعالى التوفيق.
خصوصية الدول الاسكندنافية
ومن السويد شاركنا المدير التنفيذي لوقف الرسالة الإسكندنافي حسين الداودي؛ حيث قال: إن رمضان فيه من الخصوصية في دول الشمال والدول الاسكندنافية خصوصا؛ حيث ساعات الصيام الطويلة التي تكاد تصل في أيسلندا على سبيل المثال إلى أكثر من ٢٢ ساعة، وفي بعض المدن الشمالية في السويد والنرويج تصل ساعات الصيام إلى ٢٤ ساعة - وهذا ليس من باب الفكاهة - نعم في ترومسو الشمس لا تغرب طوال شهر رمضان والصيام على التقدير فالإمساك والإفطار يحصل والشمس مشرقة فلا خصوصية أجمل من هذه.
حماية السنة وأحكامها
ورمضان أيضًا له خصوصية في هذه الأوضاع وذلك لحماية السنة وأحكامها ولا سيما أن جهات معينة تريد الخروج عن السنة وتخرج فتاوى عجيبة وغريبة مثل إقامة صلاة التراويح بعد صلاة المغرب وأيضًا جر الناس لاعتماد الحساب الفلكي بدلاً من الرؤية الشرعية التي لها طعم خاص وتحرك مشاعر المؤمنين نحو فريضة وشعيرة عظيمة من شعائر الإسلام وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، فالمسلمون في بلاد الإسلام يجهزون أنفسهم لأداء الشعائر، وهنا نجهز أنفسنا لحماية الشعائر من الانحراف المنهجي والشرعي؛ لأن السنة المطهرة في غربة كبيرة والحفاظ عليها من أوجب الواجبات.
الشرطة السويدية
ولرمضان هذه السنة خصوصية كبيرة وحدث كبير؛ حيث تقوم الشرطة السويدية بتوزيع منشورات تهنئ المسلمين بقدوم شهر رمضان المبارك وأيضا المتاجر السويدية الكبيرة تقدم تخفيضات وتوفر خصوصا التمور والأطعمة الشرقية التي يستهلكها الصائمون وهذه سابقة كبيرة في السويد، وهنا يظهر أيضًا الحاجة إلى كتب ومواد تعريفية تبين مفهوم الصيام وفلسفته لغير المسلمين، وهذا النقص واضح؛ لأن الأقلية المسلمة لا تزال تهتم بنفسها وبأمور المنتجات الحلال ولا تلتفت للمجتمع الذي تعيش فيه والمواطنون الاسكندنافيون يتوقون لمعرفة هذه الخصوصية التي يرون مظاهرها الواضحة في المجتمع.
وقف الرسالة الاسكندنافي
وهناك مؤسسات مثل وقف الرسالة الاسكندنافي الذي هو بحاجة إلى دعم كبير لتأليف هذه المواد وترجمتها لبيان سماحة الدين وبيان هذه الفرائض وأهميتها للإنسان قبل المسلم ولعل الله يهدي بذلك أناسًا إلى الحق وإلى صراط الله المستقيم، فالحاجة كبيرة والمسلمون مطالبون بالمساهمة والتآزر لبيان العقيدة والسنة الصحيحة ومنهج خير القرون السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، ومن هنا وعبر مجلتكم الموقرة وعبر هذا المنبر الإسلامي العريق والمؤسسة الرائدة نوجه نداء للمسلمين بالمشاركة في دعم التعريف بالإسلام في اسكندنافيا والمساهمة في طباعة الكتب وإقامة الأنشطة التي تجسر الهوة، وتقرب الفهم لدين الله، وتزيل الغبش الحاصل من تصرفات المتطرفين والمنحرفين عن المنهج الحق؛ ولكي نقف صفًا واحدًا ضد الإرهاب الذي يمارس باسم الإسلام والمسلمين.
لاتوجد تعليقات