رمضان في شرق أفريقيا… تقاليد إسلامية عريقة وعادات محلية متشابهة
يعيش سكان شرق أفريقيا في شهر رمضان المبارك أجواء روحانية هادئة، فعلى غرار الدول الاسلامية الأخرى، يرتبط هذا الشهر الكريم عند سكان شرق أفريقيا بالجانب الروحي أكثر من أي شيء آخر. الرجال تكفّلوا -منذ بضعة أيام- بمهمّة إعداد المساجد لهذا الضيف الكريم، من تجديد الحصر والسجّاد، وتنظيف الساحات، أمّا هيئة إدارة المساجد، فقد كثّفت مؤخّرا من اجتماعاتها، للتباحث بشأن البرنامج التنشيطي لاستقبال الضيف المبجل.
فبعد صلاة الجمعة من كلّ أسبوع، يستعرض أئمة المساجد ما تيسّر من الأحاديث النبوية والآيات القرآنية، مذكّرين المصلّين بالتعاليم السمحة للإسلام، والأهداف النبيلة للشهر الفضيل.
ويتميز السكان في شرق أفريقيا بحلول شهر رمضان بمساعدة الفقراء الذين غالبا ما يرتادون المساجد للصلاة والعبادة خلال الشهر الكريم؛ حيث إن المساجد تتحوّل إلى ملاجئ لأولئك المشرّدين الذين لا مأوى لهم، وأطباق المحسنين تغدو نعمة من الله، تقيهم وطأة الحرمان في شهر رمضان؛ ولهذا فإنّ المحسنين بصدد التزوّد منذ الآن بمختلف المنتجات استعدادا لتقديم الأطباق لرواد المساجد.
إفطار جماعي
وفي العادات الكريمة التي اعتادها سكان هذه القارة لدى حلول هذا الشهر المبارك إفطار جماعي في كل من المساجد والمؤسسات والبيوت، لسد احتياجات الفقراء والمعوزين الذين لا يجدون ما يسد رمقهم، وأعدت الهيئات الخيرية في العاصمة نيروبي ملاجئ إفطار لإيواء هؤلاء المحتاجين، فأهالي نيروبي يستعدون من جانبهم؛ لاستقبال شهر الصيام على طريقتهم الخاصة.. فبالنسبة لـ(أحمد محمد) «متزوّج وله ابن واحد»، فإنّ توفير احتياطي من المنتجات الأكثر استهلاكا في رمضان (السكر والتمور والحليب) يمرّ قبل كل شيء.. قال: إنّ لديه طقوسا أخرى قبل حلول رمضان، وتشمل بالأساس إرسال الأموال إلى عائلته الكبيرة في إحدى المناطق الداخلية للبلاد، وذلك لمساعدتها على “أداء فريضة الصيام دون صعوبات»، على حدّ تعبيره.
في كينيا
تشير التقارير أن مسلمي هذا البلد يقدر ما بين 8 إلى 10 ملايين مسلمٍ ، يُشكِّلون ما نسبته 35% من تعداد سكان هذا البلد، ينتشرون في مختلف أنحاء البلاد، ولاسيما في القطاع السَّاحليِّ في مُدنِ (باتا) و(لامو) و(مالندي) و(مومباسا)، كما يعيش مسلمون في مناطق الدَّاخل، كما في العاصمة نيروبي، والمناطق المتاخمة للحدود بين الصومال وكينيا.
ويعد مسلمي كينيا مِن أحرص الناس على التقاليد؛ حيث تتبادل الأسر المختلفة لاسيما المتجاورة تنظيم الإفطار الجماعي في كل يوم من أيام الشهر الكريم، وتُعقد جلسات جماعية بعد انتهاء صلاة التراويح يتبادل فيها الصائمون الأحاديث والحوارات حول أوضاعهم وأهم المشكلات القائمة، فضلاً عن تحديد أوجه إنفاق الزكاة المجموعة خلال رمضان وتوجيهها لمصارفها الشرعية حتى لا يكون هناك جائع خلال عيد الفطر، ويحتفل الجميع في هذه المناسبة بسرور وبهجة تعكس التضامن والتكاتف بين المسلمين.
ختم القرآن
وفي العاصمة (نيروبي) تشهد هذه الأيام ازدحامًا شديدًا في المساجد؛ حيث يحرص المسلمون على التوافد على المساجد توافدا مكثفا خلال صلاتيْ العشاء والتراويح، بل يصطحبون أطفالهم من أجل الحفاظ على العادات والتقاليد الرمضانية ومن أهمها حضور التراويح في المساجد، ويحرص الكينيون على ختم القرآن الكريم أكثر من مرة، وهناك عادات موروثة عن الأجداد يحرص عليها مسلمو كينيا في رمضان، وتتمثل في عدم إغلاق أبواب منازلهم طوال الشهر الكريم أمام الجميع، سواء الأقارب أم الأصدقاء أم أبناء السبيل.
المسحراتيه
ومن الأشياء المميزة في كينيا ما يتعلق بالسحور؛ فهناك من يقومون بإيقاظ الناس للسحور بإيقاعات الطبول، وضرب الدفوف، وأيضا من خلال الأناشيد الدينيه التي تعظِّم الشَّهر الفضيل، وتدعو إلى الصِّيام والقيام، وتبدأ هذه العادة قبل رمضان بأيامٍ قليلةٍ؛ حيث يتجول (مسحراتيَّة) كينيا في أحياء المدينة وأسواقها التي يسكنون فيها بأكملها قبل رمضان بيومَيْن، مهنئين المسلمين بمناسبة حلول الشَّهر الفضيل.
وتجدر الإشارة إلى أن حوانيت المواد الغذائية المملوكة للمسلمين في كينيا تغلق أبوابها في رمضان، ولا تقدم سلعها نهارًا إلا بعد صلاة العصر، استعدادًا لإفطار الصائمين؛ حيث يعد المسلمون الإفطار والمجاهرة به في نهار رمضان عارًا كبيرًا يوصَم من يُقدم عليه بصفات خسيسة تجبره على عدم الإقدام عليه مرة أخرى؛ حيث ينهى العلماء عن ذلك بحدة.
مأكولات الطاقة
يتناول الكينيون الأطعمة ذات المحتوى السكري في رمضان، ويقومون بِشواء البطاطا الكبيرة المليئة بالطاقة لتعويض ما فقدوه طوال النهار، أما المشروبات فمنها (الماتوكي) المخلوط بالتمر والموز، فضلاً عن الانتظام في شرب عصير البرتقال المنتشر بصورة مطردة في كينيا، فضلاً عن وجود شراب تقليدي يسمى (اوجي)، وهو مكوَّن من دقيق الذرة والماء المحلَّى بالسكر، ويُشرب حارًّا وباردًا، وأما الأطعمة الخاصة بالسحور فيحرص الكينيون على تناول الأرز والكالي مع تناول الشاي بالحليب.
في أوغندا
تعد أوغندا، الدولة الوحيدة التي لا يتغير فيها عدد ساعات الصوم صيفا وشتاء، وتشتهر بالعديد من العادات والتقاليد الغريبة في شهر رمضان المبارك، فعند الغروب قبيل الإفطار يتجمع الأطفال في القرى المسلمة في أوغندا، ويبدؤون بالنداء على الكبار عند كل بيت، ويتجمع عقبها الكبار للإفطار عند أحد المنازل يتم اختياره.
ضرب الزوجات
ويتناول الأهالي إفطارهم الذي يتكون غالبا من الشوربة والموز المشوي والخبز، عقب تأدية صلاة المغرب، وفي اليوم التالي يتم اختيار منزل آخر للإفطار فيه. ومن أغرب العادات لدى قبائل اللانجو الأوغندية في رمضان ضرب الزوجات على رؤوسهن قبل الإفطار، وبرضاها طبعا! تقوم بعدها المرأة بتجهيز الإفطار.
في تنزانيا
أما في تنزانيا فيعيش المسلمون فيها يوصفهم أصحاب بلاد، لديهم العادات والتقاليد الخاصة بهم، ولديهم حرية العقيدة وحرية ممارسة شعائرهم الدينية.
ويتسم المجتمع الإسلامي في هذه البلاد بالحفاظ على تعاليم الدين والاهتمام بإحياء كل المناسبات الدينية الإسلامية، وعلى رأسها بطبيعة الحال شهر رمضان الكريم.
تعظيم رمضان
ويعَظِّم التنزانيون شهر رمضان، ويضفون على يومياتهم مهابة خاصة تليق بجلال الشهر، فيستعدون له من منتصف شعبان ويزيّنون الشوارع والمساجد وحتى المحال التجارية، وينتهزونه فرصة لصلة الأرحام والتقارب الاجتماعي.
أما جانب المأكولات في تنزانيا فأهم ما يؤكل في رمضان التمر والماء المحلّى بالسكّر والأرز والخضروات، إلى جانب الأسماك بحكم أنهم بلد ساحلي.
ضرب الدفوف
عادةً يُعلن عن بدء رمضان متأخرا؛ ولذلك فإن أكثرهم لا يصومون أول يوم، ويتم إعلان رؤية الهلال بالإذاعة وفي التليفزيون، ويتناولون السحور مبكرا في الساعة الثانية والنصف صباحا، ويمسكون عن المفطرات قبل الفجر -الصادق- بعشر دقائق، أي وقت الإمساك، وتتجاوز ساعات الصيام هناك الـ12 ساعة.
وتعلن بعض المساجد عن انتهاء ساعات الصيام بضرب الدفوف، وقليل منهم يؤدون صلاة المغرب في المساجد، وتعاني البلاد من قلة عدد الدعاة وعلماء الدين، وبالتالي قلة الدروس والمحاضرات الد ينية، وكذلك قلة عدد المؤديين لصلاة التراويح.
وعموما يعيش المسلمون في شرق أفريقيا لدي حلول شهر رمضان المبارك أجواء روحانية، وليالي أفريقية، تتسم بالعبادة والتقرب إلى الله، والإنفاق، اضافة إلى الإفطار الجماعي والتكافل بين المسلمين في شرق الخير.
لاتوجد تعليقات