رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 8 أبريل، 2019 0 تعليق

رقية الأبناء.. تربية وتحصين..!

 

قد لا يدخر الوالدان جهداً فى بذل كل أسباب الحماية والأمان لأبنائهم ولاسيما فى المراحل الأولى من أعمارهم؛ حيث لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم أي ضرر، ولكنّ الكثير من الآباء والأمهات قد يغفلون عن الأخذ بأقوى أسباب الحماية والتحصين للأبناء، إنه السبب الذي شرّعه الله -تعالى- وأمرنا أن نأخذ به، وذلك في كتابه العزيز، ومن خلال سنّة النبي - صلى الله عليه وسلم -..إنها الرقية الشرعية..!

     وقد يلفت انتباهنا شكوى الكثير من الأمهات بكاء الصغار بلا سبب، وأنهن يجدن أطفالهن يعانون من صعوبات النوم وتكرار القلق ليلاً مع البكاء والصراخ دون أسباب ظاهرة وبطريقة أكثر من المعتاد، إلى الحد الذى يتعب الأم والمحيطين بالطفل فضلاً عن الطفل نفسه، فكيف تحلّ الرقية والتحصينات هذه المشكلة؟

أهمية رقية الأبناء وتحصينهم بالذكر

     إنّ أهمية رقية الأطفال وتحصينهم بما ورد من الأذكار الصحيحة، ترجع إلى أنّ فضلها وبركتها -أي حقيقة تأثيرها العلاجي والوقائي- صحيحة وأكيدة لا شك فيها؛ إذ هي آيات من القرآن الكريم وأذكار صحيحة وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان يرقي بها أحفاده، ويوجّه الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- ليحصّنوا بها أبناءهم.

أعزائي، إنّ المربي إذ يواظب يوميًاعلى رقية طفله الصغير منذ اليوم الأول لمولده إلى أن يشب، ويفصح لسانه، ويستطيع أن يردد أذكار الرقية يومياً بمفرده إنما يجني في الحقيقة أكثر من فائدة:

- أولا: تحصين الابن فعليًا بالأذكار والأدعية الصحيحة التي تمثل بمجموعها الرقية الشرعية.

- ثانيًا: تأسيس الإيمان العميق في نفس الطفل من خلال ترديده يوميا لآيات القرآن الكريم والأدعية الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، مما يبني في نفسه الإيمان العميق والصلة المتينة برب العالمين.

كيف تصير الرقية حصنا ووقاية للصغار؟

     أعزائي المربين، قد علمنا أنّ شياطين الجنّ لهم إلمام بالبشر، وتسلطهم على ضعفاء الإيمان أشدّ من غيرهم؛ إذ يقول الله -تعالى-: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} - الأعراف:27-، وأخبرنا الله -عزّ وجلّ- أن كيد الشيطان ضعيف واهٍ: {إنّ كيد الشيطان كان ضعيفاً}، وأقوى أسلحة المؤمن وأيسرها -فى الوقت نفسه- لردّ كيده، هو ذكر الله -تعالى-، فعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الشيطان واضعٌ خَطْمه على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خَنَس، وإذا نسِي الله التقم قلْبه فوسوس».

تحصين الصغار

     وأمّا الصغار فإنّهم لا يعرفون كيف يدفعون عن أنفسهم كيد الشيطان؛ لذلك فإنّ تسلطه عليهم وارد أكثر من الكبير الذى يعرف كيف يتحصن بالذكر؛ ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوجّه الآباء إلى قوله - صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان جنح الليل، فكفُّوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ؛ فإذا ذهب ساعة من العشاء، فخلوهم» - رواه البخارى ومسلم- أي: امنعوهم من اللعب وقت انتشار الشياطين.

     وتبقى مسؤولية تحصينهم واجبة على آبائهم، كما وجّه النبي - صلى الله عليه وسلم - أسماء بنت عُمَيْس -رضى الله عنها- حينما جاءته - صلى الله عليه وسلم - تستشيره فى شدة تأثر أبنائها بالحسد، فعن أسماء -رضي الله عنها- قالت: «يا رسول الله، إن ولد جعفر تسرع إليهم العين، أفأسترقي لهم؟ قال: نعم، فإنه لو كان شيء سابق القدر، لسبقته العين» - رواه الترمذي - وليحذر المربي من الرقية غير الصحيحة..!

شروط الرقية

الرقية تكون مشروعة إذا تحقق فيها شروط ثلاثة:

- أولها: ألا يكون فيها شرك ولا معصية، كدعاء غير الله أو القسم بغير الله.

- وثانيها: أن تكون بالعربية وما يعرف معناه.

- وثالثها: ألا يعتقد كونها مؤثرة بنفسها.

     فقد يستخدم بعض الرقاة الرقية الصحيحة الشرعية، ويجمع معها أخرى غير صحيحة، ورثها بالسماع عن الأجداد، تحتوي غالباً على كلامٍ من السجع ليس بقرآن ولا حديث، أو يرقي بالرقية الشرعية، ويجمعها بممارسات بدعية، مثل صنع عروسة من الورق يثقبها الراقي ثقوبا متعددة بإبرة ويذكر مع كل ثقب اسم الشخص الذي يحتمل أن يكون الحاسد، ثم يحرقها ويبلل إصبعه ليرسم برمادها صليباً على جبهة من يرقيه!؛ فإن ذلك من الشرك كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: وقال - صلى الله عليه وسلم -: «اعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك» - رواه مسلم - ويدخل في هذا الباب تعليق الأحجبة والكف و الخرزة الزرقاء وعاقبة ذلك الخذلان كما قال - صلى الله عليه وسلم-: «من تعلق شيئا وكل إليه».

نموذج جامع

والآن -إليكم أعزائي- هذا النموذج الجامع للرقية الشرعية الصحيحة التى نحصّن بها أبناءنا:

الطريقة الصحيحة لرقية الأطفال الصغار لحفظهم وتحصينهم هي ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يفعله بابنيه الحسن والحسين -رضي الله عنهما.

-عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ». قال ابن حجر رحمه الله:

قوله: «وهامّة»: واحدة الهوام ذوات السموم.

قوله: «ومن كل عين لامة»: قال الخطابي: «المراد به كل داء وآفة تلم بالإنسان من جنون وخبل» فتح الباري (6/410).

- رقية الأولاد بقراءة المعوذتين ثم جمع الكفين والنفث فيهما بريق خفيف ومسح أبدانهم بهما؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا» - رواه الترمذي ( 2058 ) -.

- مشروعية القراءة في الكفين والنفث فيهما والمسح على الجسد: فعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ {قل هو الله أحد} و«المعوذتين» جميعاً، ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده، قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به، وفي رواية قالت: فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها، وفي رواية: كان يفعل ذلك ثلاث مراتٍ. (أخرجه البخاري). –والنفث هو: إخراج الريح من الفم مع شيءٍ من الريق.

     أعزائي الآباء والأمهات، إننا مهما بذلنا من أسبابٍ لحماية أحبابنا الصغار تظل قاصرة ما دامت بعيدة عن الله وذكره، فلتكن منّا الاستعانة بالمنعم -سبحانه- على حفظ النعمة ووقايتها من الشرور كلها،ولتكن رقية الأبناء هدياً ثابتاً لنا، وبذلك تزكون أنفسهم بذكر مولاهم، فتقوى وتتحصّن فلا يكون للشيطان عليهم سبيل.

 

ما رأيكم فيمن يعتذر عن عدم رقية الأبناء وإهمال تحصينهم؟

- هناك من يعتذر عن عدم رقية الأبناء وإهمال تحصينهم بقولهم: «نحن نترك أمورنا كلها على الله، ولا نعتقد في الحسد، ومثل هذه الأشياء القديمة التي لا يعتقد فيها إلا الجهّال من الناس..» ويظنون أنّ ذلك من تمام التوكل، والتقدم، والعلم، فكيف نجيبهم؟

- الجواب: عبادة التوكل تكون بصدق اعتماد القلب على الله -تعالى- مع الأخذ بالأسباب المشروعة فى الوقت ذاته، وتحصين الأبناء بالرقية والأذكار هو من أعظم الأسباب التي يجب أن يأخذ بها الآباء والأمهات مع توكلهم على الله -تعالى- بقلوبهم.

- وأماّ الاعتقاد في الحسد فلا يجوز لمسلم أن يرده، أو يظن أنّه من الجهل؛لأن الله -تعالى- هو الذى أخبرنا بإمكانية وقوعه، وأمرنا أن نتعوّذ به سبحانه من شرّه.

- كما أخبرنا الله -تعالى- في كتابه العزيز أنّ للإنسان أعداءً من الجنّ والشياطين قد يلحقون به الأذى، قال -تعالى-: {إنّ الشيطان لكم عدوّاّ فاتخذوه عدوّاً}، ولقد علّمنا -سبحانه- أن نستعين به وحده في التحصن منهم: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (الأعراف:201).

- وقد أقرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوع العين وتأثيرها بإذن الله -تعالى- وتقديره، وبيّن سبل الوقاية والعلاج منها، وبيّن أنّها قد تقع على النعمة من صاحبها نفسه، فقال - صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأى أحدكم من نفسه، أو ماله، أو أخيه، ما يعجبه، فليدع بالبركة، فإنّ العين حق» - رواه ابن ماجة وأحمد والطبراني.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك