رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد إسماعيل المقدم 4 فبراير، 2020 0 تعليق

رفقا أيها المربي (1)


يعد المربي حجر الزاوية والمحرك الأساسي في عملية التربية؛ لذا لابد أن يخص بنصائح خاصة مميزة، تعطيه ملكة في التعامل مع من يربيهم، ويدرك بها خطورة المهمة الملقاة على عاتقه، التي سيسأل عنها يوم القيامة، ومما ينصح به المربي: أن العقاب البدني الشديد يجب أن يتجنبه، وإن استخدم فهو للتربية والتوجيه، لا للتشفي وإخراج ما في النفس من حنق على المتربي؛ فالعقاب البدني الأهوج والكلمات المهينة لها أثر نفسي قد لا يزول مدى العمر.

التربية الإسلامية وأهميتها

     التربية الإسلامية ربانية المصدر، عالمية الشمول، ثابتة الأصول، مرنة التطبيق، تشمل ميادين الحياة الدنيا وكذلك الحياة الآخرة في توازن واعتدال؛ فهي تُعد الإنسان لعبادة الله -تبارك وتعالى- حق عبادته، وعمارة الأرض وخلافتها، وفق منهج رضيه الله لعباده، واختاره لهم، تلك التربية التي تؤصل العقيدة في النفوس، وترسخ الإيمان في القلوب، وتحبب شرع الله -عز وجل- إلى عباد الله.

المصادر غير الإسلامية

     إلا أن الأمة الإسلامية لما بدأت تتطفل على غير المصادر الإسلامية، أو تطلب الخير من غير ما أنزل الله -سبحانه وتعالى-، وابتعدت عما أوحاه الله إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -، انهمكت في تقليد الغرب؛ فبقدر ما نهلت من هذه المنابع الغربية بقدر ما حصل من الخلل في التربية الإسلامية، والفكر التربوي الإسلامي، وهذا الأمر انعكس بلا شك على العمليات التربوية، ونرى آثاره واضحة في بعض المؤسسات التربوية؛ من حيث العلاقة بين المعلمين والمتعلمين؛ فنرى عدم التوافق وعدم الانسجام، وعدم الاحترام، نرى أن الصغير لا يحترم الكبير، وأن الكبير لا يرفق بالصغير ولا يرحمه؛ فصارت التربية في مجتمعنا ولاسيما في هذا الزمان تسير في اتجاه مخالف لذلك الاتجاه الذي كان عليه سلف الأمة الصالحون.

عديمة الجذور

     فالتربية صارت عديمة الجذور، تنزوي بسرعة، وتجتاحها أخف الرياح وأقل الأمطار، مثل البناء المقام على أرضية رخوة، ينهار لأدنى عامل مضاد؛ وذلك لأن المناهج التربوية الغربية في قسم كبير منها غير موصولة بخالق هذا الإنسان الذي قال -سبحانه وتعالى- عنه: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} (الملك: 14)؛ فالله -سبحانه وتعالى- هو الذي خلق هذا الإنسان، وهو الذي يعلم ما يصلحه وما يفسده كي يجتنبه؛ فإذا طالعنا الصحف كم نرى من الأخبار المؤذية والسيئة التي تعكس انهيار الجانب التربوي في المجتمع من حوادث مؤسفة، يصل فيها الأمر إلى اعتداء الابن على أبويه، أو قتل الأب لابنه، أو مدرس يضربه التلاميذ... إلخ، ونحو ذلك من الحوادث الأليمة المؤسفة، وما ذاك إلا لبعدنا عن هدي منهجه - صلى الله عليه وسلم- الذي هو خير الهدي، وبسبب بعدنا عن الاستفادة منه في معالجة تجاوزات الطلاب.

مبدأ الرفق في التربية وأثره

     مبدأ الثواب والعقاب مبدأ أساسي جداً، ومبدأ في غاية الأهمية، ولا يمكن أن تتم أي تربية بغير الثواب والعقاب، أو بغير الترغيب والترهيب، لكن بعض الناس يسيء فهم بعض النصوص، ولاسيما مثل قول النبي- صلى الله عليه وسلم -: «واضربوهم عليها لعشر سنين»؛ فيتصرف في تطبيق هذا الحديث؛ فنجد الضرب في عمر صغير في السنوات الثلاث أوالأربع، وعلى أمور في غاية البساطة، إن أهم أمر في الدين بعد التوحيد هو الصلاة؛ فإذا كان لا يضرب على الصلاة حتى سن العاشرة، فما بالك بما دون الصلاة؟! وما بالك بما دون ذلك السن بكثير؟!

حزام الأمان

     إننا نشبه موضوع الرفق مع المربي بحزام الأمان في السيارة؛ فسائق السيارة يحزم به نفسه حتى إذا ما اصطدمت السيارة فجأة بشيء أو وقع حادث مفاجئ؛ فإنه لا يخرج منها بدافع القصور الذاتي، وإذا وقفت السيارة بسبب صدمة شديدة؛ فالمفروض أن الجزء الأعلى من السائق ينصدم في الزجاج، كما يحدث في الحوادث المعروفة؛ فأخذ هذا الإجراء الوقائي مطلوب، حتى إذا ما حصل حادث مفاجئ؛ فإن الحزام من طبيعته أنه يحجز الإنسان عن الاندفاع للأمام، وتجد أن هذا الحزام إذا سحبته برفق؛ فإنه يسير معك، أما إذا سحبته بشدة؛ فإنه يعاند ويشاكس ولا يتحرك، وهكذا إذا أردت ثمرة جيدة للتربية، فلا تعدل عن الرفق أبداً، ولا تستبدل به أي وسيلة أخرى، فالرفق هو البداية وهو الأصل؛ فلذلك فإمك تكسب الطفل -في الغالب- تكسبه إذا رفقت به، أما الشدة؛ فإنها تستخرج منه العناد استخراجاً، وتوجد كثيراً من الآثار السلبية فيما بعد.

الآثار السلبية للعقاب البدني

     إن القفز من التدرج المعروف في العملية التربوية أو التوجيهية إلى عملية المعاقبة والضرب أو العنف هو اعتراف بالفشل؛ ولذلك يتساءل أحد المتخصصين عن العقاب البدني بقوله: هل هو أبغض الحلال إلى المربين؟ عنوان يحمل معاني جميلة جداً في الحقيقة؛ فالطلاق حلال، ويباح في كثير من الأحوال، لكن هل معنى ذلك أن أي مشكلة يواجهها الزوج مع زوجته يفزع إلى الطلاق؟! فالطلاق حلال، لكن هل يفزع إليه أولا؟ لا،لأن آخر العلاج الكي والبتر، لكن لابد أن يواجه الإنسان المشكلات بطريقة متدرجة، حتى الضرب الذي ورد في القرآن له عملية تدرج وشروط وضوابط.. إلى آخره، فما بال بعض الناس يقصدون مباشرة إلى العنف والشدة مع ما لذلك من آثار جسيمة وخطيرة تنعكس على الأسرة والأبناء؟!

اعتراف بالهزيمة

     يقول أحد الباحثين: إن لجوء الوالد أو المدرس إلى العقاب يعد اعترافاً بالهزيمة؛ فلماذا يلجأ إليها فوراً من أول خطوة؟؛ لأنه في الحقيقة ينسى أن العقاب هو عملية تربوية؛ فيحول العملية التربوية إلى عملية انتقام وتشف، وإهدار للقاعدة التي دائماً نكررها: (طفلك ليس أنت)؛ فمعظم الأخطاء التربوية التي تحصل، وكثرة النقد والعنف والشدة التي تنشأ، بسبب أنه يجعل عقله مثل عقل الطفل سواء بسواء، ويوازي خبرته بخبرة الطفل، وفهمه بفهمه، وكأنهما ندان، لو أنه تفكر قليلاً سيجد أنه ليس ندا، هذا المسكين هو طفل صغير وليس شخصاً كبيراً، حتى لا يوجد هناك تكافؤ عضلي أو جسدي، فهل من المروءة والقوة أن تضرب طفلاً أو تلميذاً بهذا العنف لأنك أكبر منه؟!؛ ولذلك تجد الطالب المراهق إذا عومل بهذه المعاملة، وعنده عضلات وهو قوي، ربما يضرب المدرس؛ لأنه يجد لديه إحساساً بالكفاءة، وأن له القدرة على ضربه، أما الطفل المسكين فماذا يعمل؟ وكيف يدافع عن نفسه؟ وهكذا رجل يضرب امرأة، فهل هذه مروءة؟! عندما يضرب إنسان امرأة بغاية العنف وغاية القسوة، كأنه يصارع ملاكماً، هذه دناءة وخفة عقل وقلة مروءة، لماذا تستعرض عضلاتك على امرأة؟ هل هذا هو الضرب الذي ورد ذكره في القرآن؟

التشفي

     فالشاهد أن العقاب عند بعضهم يتحول من عملية تربوية إلى عملية تشف، صدره يغلي من خطأ ارتكبه هذا الطفل، أو هذا الصبي؛ فيفزع إلى الضرب وهو في غاية العصبية لأجل الضرب وليس التربية، وهدفه أن يشفي غليله، ويطفئ نار الثورة في قلبه؛ فيظل يضرب إلى أن تهدأ ناره؛ فيطلق هذه الشحنة في جسد هذا الصبي بالضرب والتعذيب وقد يكسر له عظماً، أو يسبب له العمى كبعض الحوادث، أو يكسر له بعض أطرافه كيديه كما حصل في حوادث كثيرة جداً نتيجة إيذاء الأطفال.

اختصار الطريق بالضرب

     لماذا نفزع إلى اختصار الطريق بالضرب؟ لأننا نفشل في الأساليب الحقيقية في مواجهة المشكلات، ولا نسلك المسالك التربوية الصحيحة؛ لذلك يقول بعض الباحثين في بحث بعنوان: (الحب أولى من العقاب): إنك تستطيع أن تعالج اعوجاج الطفل بالمحبة والعطف والحنان، ويأتيك بثمار أعظم بكثير جداً مما تتوقعه من العقاب الذي ربما يأتي بأضرار كثيرة يقول: إن لجوء الوالد أو المدرس إلى العقاب يعد اعترافاً بالهزيمة، مؤداه: أنه لم يتمكن من تحقيق أغراضه باستعماله أي وسيلة أخرى، أي: أنه عجز عن توجيهه وجهة حسنة، أو معاونته على تنفيذ ما يتوقع منه بأي طريقة أخرى؛ لذلك فإن استخدام العقاب ما هو إلا مسوغ للفشل، وعدم وجود ما يقوم مقامه لدى المربي، أي: أن جعبة هذا المربي خاوية، وليس عنده علم، ولا خبرة، ولا حكمة، لا بشرع، ولا بآداب شرعية، ولا حتى بآداب تربوية يتفق عليها العقلاء أجمعون؛ ولذلك لجأ إلى آخر وسيلة وهي العنف والشدة؛ لأنه عاجز عن أن يستخدم الوسائل التربوية الأصلية.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك