رعايــة المختـرع والاختـــــراع في العالم الإسلامي (1)
كلمة (مخترع) لا تقف عند حدودها اللفظية فهي كلمة يمكنها أن تحدث نهضة ونقلة نوعية في شتى المجالات التكنولوجية، ومن ثم انعكاس ذلك على نهضة الأمة وتقدمها التقني والعمراني.
وحتى نصل إلى تطبيق تلك الكلمة، فإننا نمر عبر مراحل متعددة من التربية على التميز، إلى اكتشاف المتميز، مروراً بتأهيل المتميز ليكون مخترعاً، انتهاءً بميلاد الاختراع، وكل ذلك في ظل بيئة تربوية علمية رصينة.
لننتقل بعد ذلك إلى كلمة أخرى لا تقل في أهميتها عن الأولى ألا وهي (الاختراع)، فكم من الاختراعات ضاعت هباءً منثوراً!؛ لأنها لم تولد في بيئة تعرف قيمتها الحقيقية وتسير بها في مسارها الطبيعي ليعود نفعها على تلك البيئة، والمجتمع الذي يضمها.
والمتأمل لواقع العالم الإسلامي الآن يجد أن الكلمتين بحاجة إلى رعاية مكثفة على المستوى الأسري والمجتمعي.
الإبداع العلمي
فالمخترع حاله كحال البحث العلمي في العالم الإسلامي؛ حيث إن جل اهتمام الأسر منصب على توجيه الأبناء نحو الوظائف المؤمنة بعوائد مالية تحقق الاستقرار، أو التي توفر مكانة مهنية تتحقق معها الوجاهة الاجتماعية، بغض النظر عن التوظيف الأمثل للملكات العلمية للأبناء.
أما على مستوى الأمة فإن غالب المجتمعات الإسلامية لا تتحقق معها المعادلة العلمية المعينة على الإبداع العلمي ومن ثم الاختراع، بل تضع الباحث العلمي في مناخ احتياجي ومعيشي يصرفه عن أولوياته العلمية.
المؤسسات العلمية
وغالب المؤسسات المعنية بالاختراع في البلدان الإسلامية بشهادة المخترعين لا نجد لها بصمة عملية في تطبيق الاختراعات، وهي مدفوعة بذلك إما بضعف الاعتمادات المالية أو البيروقراطيات الوظيفية التي لا تتناسب مع الإيقاعات العلمية، هذا فضلاً عن التقارير الصحفية المشيرة إلى الفساد في بعض قطاعات الاختراعات لصالح بلدان منافسة تقتنص الاختراع بأموال زهيده، فضلا عن تهافت الشركات الدولية على شراء براءات الاختراع في العالم الإسلامي مدندنة بذلك على وتر احتياج المخترع وتعسر تسويق اختراعه.
لتطور الاختراع وتخرجه إلى النور، ثم تعيد بيع مخرجاته للبلدان الإسلامية بأغلى الأثمان بعدما تمتلك مدخلاته، وتنفق على عملياته.
لتبرز بذلك أزمة المخترع والاختراع التي يلمسها كل من احتك بأروقة البحث العلمي، وكذلك كل مطلع يعرف أهمية الاختراع ودوره في صناعة الأمم وتقدمها تلك الأزمة التي يمكن توصيف أبرز مؤشراتها بالصورة الآتية:-
إطلالة سريعة على بعض مؤشرات أزمة المخترع والاختراع في العالم الإسلامي
1- ضعف ثقافة الإبداع والاختراع داخل المجتمعات الإسلامية، وفي هذا الصدد يلاحظ على المناخ العام في العالم الإسلامي قلة الدعاية والإعلان اللازمين لجذب المخترعين واكتشافهم، وإحداث جو إعلامي علمي مصاحب لصناعة الوعي المجتمعي بالاختراع واكتشاف المخترعين.
2- ضعف الاهتمام باكتشاف المخترعين والمبدعين على مستوى الأسرة والمجتمع.
3- ضعف الاهتمام بالبحث العلمي ومخرجاته، وقلة النفقات المخصصة له في العالم الإسلامي.
4- ضعف الاهتمام باختراعات المبدعين واكتشافاتهم، مع تعقد الإجراءات الإدارية المصاحبة لرحلة تقنين الاختراع والحصول على براءته.
5- عدم وجود مؤسسة قومية تنتقل بالاختراع من التنظير إلى التطبيق.
6- غياب الاعتمادات المالية المخصصة لتطبيقات الاختراعات.
7- غياب المؤسسات التسويقية التي تلعب دور الوسيط بين المخترع والمؤسسة الصناعية المتقاطعة مع اختراعه وابتكاره.
8- انتشار الفساد في بعض القطاعات المطلعة على الاختراعات.
9- سرقة الأبحاث العلمية من قبل الدول الأجنبية؛ وفي هذا الصدد يشير الدكتور هاني الناظر رئيس المركز القومي المصري للبحوث إلى أن مشكلة سرقة الأبحاث من المشكلات الكبرى التي تواجه البحث العلمي، التي كثيراً ما تحدث تحت مظلة التعاون البحثي المشترك مع المراكز الأجنبية.
10- عدم رغبة بعض القوى الدولية في وجود منتجات يكون المسلمون فيها أصحاب الملكيات الفكرية؛ بحيث يتحررون بها من أسر خطوط الانتاج، وذلك لوأد أية نهضة أو تميز علمي وتقني إسلامي قد يحدث نوع من الحصرية في سوق التنافس الدولي، وفي ضوء ذلك تمارس تلك القوى كل الأساليب المتاحة لديها لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.
آليات لتشجيع المخترعين
ولمحاولة تجاوز تلك الأزمة فإنه يمكن وضع بعض آليات لرعاية المخترع المبدع والاختراع الناتج عن إبداعاته في العالم الإسلامي وفق مجموعة من الأدوار الموزعة بين الأسرة والمجتمع التي يمكنها أن تأخذ الصورة الآتية:-
الأسرة ودورها في تنشئة المخترع ورعايته
المخترع هو شخص متميز لديه مؤهلات الابتكار والإبداع، وكلما كان اكتشاف المتميز في سن مبكرة كان توظيف طاقاته وتوجيهها أفضل وأفعل، فالنشء قد يكون متميزاً، ولكنه لا يعلم قدرات نفسه، ولا تساعده البيئة المحيطة على بروز تلك القدرات المهارية، وبالتالي فهو يضيع في وسط الزحام، فقد يكون في أسرة ما طفل متميز، لكن الأسرة لا تدرك أن ابنها لديه طاقات إبداعية يمكن تطويرها وتنميتها ليصير الابن مبدعاً نافعاً لأمته، ومن هنا فإن الأسرة تلعب الدور الرئيسي في اكتشاف الطفل المتميز المؤهل لأن يكون مخترعاً يوماً ما.
دور الأسرة
وحتى تؤدي الأسرة دورها ابتداءً نحو أبنائها لتهيئة المناخ الإبداعي لديهم فإن عليها القيام بدورين أساسيين:
1-بث ثقافة الاختراع والإبداع بين الأبناء الصغار، وذلك بتشجيع الأبناء على التفكر والتأمل واستنباط النتائج والتفسيرات للظواهر والشواهد مع التهيئة النفسية للأبناء لأن يكونوا مبتكرين ومبدعين.
2-توفير معينات التميز والإبداع كافة من ألعاب وقصص مخترعين وبرامج حوسبة تثري ملكات الإبداع لدى الأبناء.
ملاحظة علامات التميز
وفي حالة ملاحظة علامات التميز الإبداعي لدى أحد الأبناء فإننا سنكون بصدد طفل مرشح لأن يكون مبدعاً أو مخترعاً، وعلى ذلك فلو تم تكثيف رعايته وتوفير البيئة العلمية الإبداعية له بالتواصل مع العلماء والمؤسسات المرتبطة بمجال نبوغ الابن ولو على المستوى الشخصي، مع التشديد على الإنفاق عليه نفقة علمية أسرية مستقلة عن النفقات الأسرية المعتادة، فإن ذلك قد يعزز من فرص نبوغ هذا الابن وتطوره.
استثماراً خاصاً
وإذا قدر لهذه الأسرة أن يكون ابنها في مصاف المبتكرين والمخترعين فإن عليها أن تتعامل مع ابنها في مراحل عمره كافة، معتبرة نبوغه الإبداعي استثمارً خاصاً لها، لا تبخل عليه بكافة احتياجاته العلمية اللازمة لتنمية إبداعاته، وتطوير ابتكاراته.
وهكذا تكون تلك الأسرة قد قطعت شوطاً كبيراً في اكتشاف إبنها المرشح ورعايته لأن يكون مخترعاً مؤثراً باختراعاته في المجتمع.
لدينا عباقرة يحتاجون إلى تشجيعنا
د. وائل الحساوي
فرحت فرحاً كبيراً عندما قرأت خبر تهنئة سمو أمير البلاد للمخترع الكويتي محمد عبدالله العازمي لمناسبة فوزه بالميدالية الذهبية عن اختراعه (طفاية حريق تعمل آليا) في معرض (إيينا) في ألمانيا، وكذلك بعث سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الأمة ببرقيات مماثلة للعازمي. وبحسب مقابلة أجراها تلفاز الكويت مع المخترع العازمي كشف عن طريقة عمل تلك الطفاية وأثنى على مركز صباح الأحمد للإبداع التابع لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي على احتضانه وتشجيعه للوصول إلى تسجيل ذلك الإختراع ثم عرضه في ألمانيا.
لاتوجد تعليقات