رعاية البنات.. سِتْرٌ مِنْ النَّارِ
لقد أكرمنا الله بوصفنا بشراً، وفضلنا على كثير من خلقه، فقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء:70)، واصطفانا بوصفنا مسلمين من البشر، فقال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (فاطر 32). فجعلنا من أتباع خاتم المرسلين - صلى الله عليه وسلم - وعلى الرسل والأنبياء أجمعين.
أتم علينا النعمة، وأكمل لنا دينَ الرحمة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة 3). فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم- بدين الإسلام لتقويمِ عقيدةِ الناس، ولإتمامِ مكارمِ الأخلاق، وتصحيحِ المفاهيم، فأنار اللهُ به العقولَ، وشرح به الصدور. جاء بدينِ الرحمةِ والإحسان، والله يحب المحسنين.
الإحسان إلى البنات
ومن الذين أمرنا ربنا بالإحسان إليهم: البنات. فقد وعد النبي - صلى الله عليه وسلم- من عال ثنتين منهن بمرافقته في الآخرة، فقال: «من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يومَ القيامةِ أنا وهو»، وضمَّ أصابِعَه - صلى الله عليه وسلم -. (رواه مسلم). وقد جعلهن الله تبارك وتعالى سِترًا من عذابه، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «من ابتُلِيَ من البنات بشيءٍ، فأَحسنَ إليهنَّ، كُنَّ له سِترًا من النارِ» (متفق عليه). فمن اجتاز هذا الاختبار، فأحسن إليهن بالتربية حجبه الله عن النار، وذلك جزاءً بإحسانه إليهن.
أعظم الجزاء
ووعد - صلى الله عليه وسلم- من قام على رعايتهن بأعظم الجزاء فقال: «مَنْ كُنَّ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ يُؤْوِيهِنَّ وَيَرْحَمُهُنَّ وَيكْفُلُهُنَّ وجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ الْبَتَّةَ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنْ كَاَنت اثْنَتَـيْنِ؟ قَالَ: «وإِنْ كَانَتِ اثْنَتَـيْنِ». فَرَأَى بَعْضُ القَوْمِ أَنْ لَوْ قَالوا لَهُ: وَاحِدَةً، لَقَالَ: وَاحِدَةً. (رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ). وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم- معاملة النساء مقياسًا للخيرية، فقال: «خياركم خياركم لنسائهم». (رواه الترمذي وابن ماجه).
النصوص الشرعية
وهذه النصوص الشرعية والأحاديث النبوية تأكيد من النبي - صلى الله عليه وسلم - على حق البنات على آبائهن ومن يقوم برعايتهن بتلبيةِ احتياجاتهن، والرحمةِ والرفقِ بهن، وتربيتِهن على الأدب والحياء والحشمة، وَتَعْوِيدِهن عَلَى معالي الأخلاق.
أمانةٌ عظيمة
فالبناتُ أمانةٌ في أعناق أولياء أمورهن، وسيُسألُون عنهن؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُم، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». (متفق عليه).
طاعة الله -تعالى
فيجب على ولي الأمر أن يربي بناته منذ الصغر على طاعة الله تعالى وحبه وحب رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن يحبب إليهن الإيمان ويزينه إلى قلوبهن، ويعودهن على العفة والعفاف، والستر والحجاب، والخلق القويم والحياء، فأعظم ما تجملت به النساء هو خلق الحياء. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الحياءُ لا يأتي إلا بخير». (متفق عليه).
أمهاتُ المؤمنين
وأن يبين لهن أنَّ خيرَ من اقتدين بهن هُنَّ أمهاتُ المؤمنين وبناتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابياتُ الجليلاتُ رضي الله عنهن كلــِّهن. فلا يستوي من اهتدى برسول الله وأصحابه وآلِه، بمن اقتدى بمن عُرِفَ سوءُ مآلِه!
فهل يستوي من رسولُ اللهِ قائدُه
دَومًا، وآخَرُ هاديهِ أبو لَـهـَبِ
وأينَ مَنْ كانت الزهراءَ أُسْوَتُـهــا
مِمَّنْ تَقَفَّتْ خُطى حمالةَ الحطبِ
فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع بناته
ومعلوم أن الأنثى عاطفيةٌ حساسة، فعلى الأب أن يغمرها بحنانه وعطفه، ويتأسى بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع بناته رضي الله عنهن، قالت أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمةَ بنتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالت: وكانت إذا دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم- قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها. (رواه الترمذي وأبو داود).
من أعظم الهبات
فتأسوا بنبيكم واهتدوا بهداه تسلكوا سبيل النجاة. واعلموا أن البناتِ من أعظم الهبات. قال تعالى: {للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)} (الشورى). فهل لاحظتم كيف ذكر تمامَ الهبةِ برحمته {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} مقابلَ تمامِ المنعِ بحكمته: {وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا}.
تربيتهن على الكتاب والسنة
فمن كان له بناتٌ فليحسن إليهن، برحمتهن، والعطفِ عليهن، وتربيتِهن على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم-، وليحرص على تعليمِهن، والتأكد من معرفتهن بالقدر الضروري من العلم الشرعي، لا سيما فيما يتعلقُ بالأحكامِ الخاصة بالنساء، وليؤد الأمانةَ بالحرص على تزويجهن الرجالَ الأَكْفاء، الذين يرضى دينَهم وأخلاقَهم، وليكن ذلك هو المعيارُ الأولُ في الكفاءة: صلاحُ الدين والخلق. قال -تعالى-: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (النور 32). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا خطبَ إليكم مَن ترضَونَ دينَه وَخُلُقَهُ فزوِّجوهُ. إلَّا تفعلوا تَكُنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ». (رواه الترمذي).
الدعاء للأبناء
وليكن لأولادكم من بنينَ وبناتٍ النصيبُ الوافرُ من دعائكم، فإن دعاءَ الوالدينِ لهم مُستجابٌ بإذن الله تعالى. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثُ دَعَواتٍ يُستجابُ لَـهُنَّ، لا شَكَّ فيهنَّ: دعْوةُ المظلومِ، ودعْوةُ المسافرِ، ودعْوةُ الوالدِ لولدِه». (رواه ابن ماجه)، فاللهم أصلح ذرياتِنا، واجعلهم قُرةَ عينٍ لنا، وارحمْ ضَعْفَنا، وطَيّبْ حياتَنا، وأحسِنْ لنا الخِتام، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (الفرقان 74). والحمد لله رب العالمين.
لاتوجد تعليقات