رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الدكتور: عادل بن مبارك المطيرات 8 مايو، 2017 0 تعليق

رسالـة إلى مريض السـرطان – عافاني الله وإياه

 

 

أخي المريض، أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يشفيك ويعافيك، ويجعلك صحيحا سليما خاليا من الأمراض إنه سميع مجيب، فإن ابتلاءك بالمرض نعمة فلا تجزع، ومنحة فلا تقلق، فما أخذ منك -سبحانه- إلا ليعوضك خيرا، وما ابتلاك إلا ليطهرك من الذنوب ويرفع درجتك، فسلم له تسلم.

أخي المريض، كشف الله عنك كل ألم وضر، إذا ابتليت بمرض فاحمد الله -تعالى- أنك لم تصب بمرض أشد منه، وإذا أصبت بداء شديد فاحمد الله -تعالى- أنك لم تصب بأكثر من داء، وإذا أصبت بأمراض فاحمد الله واشكره أنه أبقى عليك عقلك ولو شاء لسلبك إياه.

قال عمر: ما أصبت ببلاء إلا كان لله عليَّ فيه أربع نعم: أنه لم يكن في ديني، وأنه لم يكن أكبر منه، وأني لم أحرم الرضا، وأني أرجو ثواب الله تعالى .

     أيها المريض، اختار الله لك المرض ورضيه لك، والله أعلم بمصلحتك من نفسك، وحق الله عليك في هذه البلوى الصبر؛ فهو عبودية الضراء، والجزع لا يفيدك، بل يزيد عليك آلامك، ويضاعف المصيبة وأحزانك، وسوف تنسى كل ما كنت تعانيه من آلام وأسقام إذا دخلت دار السلام -بإذن الله- حين ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبدا؛ فذلك قوله -عز وجل-: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}.

فوائد المرض

أخي المريض، الإنسان لا يتمنى المرض، لكن ما دام أنه وقع فاعلم بأن لله فيه حكما وفوائد عظيمة، أذكرها لك للعبرة:

- المرض سبب تكفير الذنوب والسيئات

ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: «ما من مسلم يصيبه أذى مرض فما سواه إلا حط الله له سيئاته كما تحط الشجرة ورقها».

وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  دخل على أم السائب فقال: «مالك يا أم السائب تزفزفين؟» قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال: «لاتسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد».

بالمرض تكتب الحسنات وترفع الدرجات

 ثبت عند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقالت له عائشة: لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه، فقال: «إن الصالحين يشدد عليهم، وإنه لا يصيب مؤمنا نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت به عنه خطيئة ورفع بها درجة».

المرض سبب لدخول الجنة

 في صحيح مسلم يقول الله -تعالى-: «يا ابن آدم إذا أخذت كريمتيك (أي عينيك) واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثوابا دون الجنة».

المرض سبب للنجاة من النار

 فقد ثبت في سنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم  عاد مريضا فقال: «أبشر فإن الله يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة».

أخي المريض، إذا تأملت هذه النصوص زالت همومك بإذن الله، وانقشعت غمومك، وامتلأ قلبك رضا بما قدر الله، وهذا أعلى من مقام الصبر.

لا بأس عليك،لقد أصبت بهذا المرض بقدر من الله -تعالى- قد حصل ما حصل، وانتهى ولا سبيل إلى تغييره إلا بإذن الله، ولا يغيره الحزن أو اللوم.

أخي المريض، ربما تكون أوفر حظا من غيرك؛ فقد اكتشفت المرض الآن وليس بعد فترة أطول، انظر حولك، واستجمع قواك، وهيئ نفسك للمواجهة والعلاج، فهو أمر ممكن، فقد وهبك الله إرادة وقدرة وعزيمة، تستطيع بها -بإذن الله- مواجهة المرض وتسهيل العلاج .

نظرة تفاؤل

     أخي المريض، دع عنك التفكير في الماضي والحسرة عليه، وابدأ العمل للحاضر ، وللمستقبل أيضا ، واعلم بأنك لست أول من أصيب بهذا المرض ، بل غيرك كثير ، وأبشرك بأن الكثير تم شفاؤه من هذا المرض بحمد الله -تعالى-؛ فانظر إلى الحياة نظرة تفاؤل واستبشار، واعلم بأن الشفاء بيد الله وحده، وأن الطب قد تقدم كثيرا، وحالات الشفاء من هذا المرض كثيرة ولله الحمد، لكن تحتاج منك إلى عزيمة صادقة، وهمة عالية، ويقين وثقة بربك -سبحانه- وسيأتي الفرج قريبا بإذن الله تعالى .

الصلاة سبب الشفاء

أخي المريض، من أسباب الشفاء من المرض القرب من الله تعالى ، والتعلق به، فإن الله -سبحانه- هو الذي قدر المرض للإنسان اختبارا وامتحانا، فإذا صبر المريض وتعلق بربه جاءه الشفاء منه سبحانه.

إن أعظم ما يقرب إلى الله -تعالى- الصلاة ، فلا تهملها، واحرص عليها، فإن أول ما يحاسب عليه العبد - كما جاء في الحديث - يوم القيامة: الصلاة .

أخي المريض، احرص على تأدية الصلاة في وقتها، فإذا أذن المؤذن فتوضأ وضوءا كاملا، فإن لم تستطع الوضوء، أو أمر الطبيب بعدم استخدام الماء فعليك أن تتيمم بأن تضرب كفيك بالتراب الطاهر وتنفخ فيهما وتمسح وجهك وكفيك مسحة واحدة .

ثم استقبل القبلة، فإذا تعذر عليك استقبال القبلة فصل في سريرك إلى أي اتجاه، ثم صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب، فإن لم تستطع فعلى ظهرك.

وإذا شق عليك الوضوء لكل صلاة جاز لك أن تتوضأ وقت صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر جمع تقديم دون قصر، وتتوضأ وقت صلاة المغرب وتصلي المغرب والعشاء جمع تقديم دون قصر، أما الفجر فتصليها في وقتها .

أختي المريضة، إذا انقطعت عنك الدورة فاغتسلي وصلي - كما سبق - فإن تعذر عليك استعمال الماء فتيممي ثم صلي.

وإذا نزل عليك دم أوصافه تختلف عن أوصاف دم الحيض فهذا دم استحاضة، فتجب الصلاة، وعليك أن تتوضئي بعد الأذان وتصلي، ويجوز -إن وجدت- مشقة - أن تجمعي بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، بدون قصر .

     أخي المريض،  يا من أحبك الله فابتلاك، وأراد بك خيرا فأصاب منك، أزف إليك بشارة نبوية في صحيح البخاري يقول فيها نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يصب منه»؛ فأبشر فقد أراد الله بك خيرا في الدنيا بهذا المرض، وفي الجنة إن شاء الله النعيم المقيم إن صبرت واحتسبت، فأكثر - حفظك الله - من الذكر، وليكن على لسانك دائما: الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون، فإن ربك -سبحانه- يقول: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ  الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(البقرة : 155-157) . 

لا تحزن ولا تيأس من رحمة الله

     أخي المريض، لا تحزن على فوات الصحة، فإن لحظات المرض أقل بكثير من لحظات الصحة، وهذا من فضل الله -تعالى- وعجبا لأمر المؤمن ، يثيبه ربه على لحظات الصحة والمرض معا؛ ففي الأولى يشكر، وفي الثانية يصبر، في صحيح مسلم عن صهيب الرومي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عجبا لأمر المؤمن إن أمره له كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له».

     أخي المريض، لا تيأس من روح الله، ولا تقنط من رحمة الله، لا ترهق نفسك في الحسرة على ماض لن يعود، أو في التخوف من مستقبل هو في علم الغيب، بل استمتع بكل لحظة أنت قادر بها على التمتع، خذ من حياتك أقصى ما تعطيه لك؛ فالمستقبل أمامك أجمل إن شاء الله؛ حينها تنعم بالصحة والعافية، وتنشط فيها للعمل الصالح، والمسارعة إلى الخيرات، وهو أقل شيء تقدمه لربك لشكران نعمة الشفاء.

أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يمن عليك بالشفاء العاجل، وأن يلهمك الصبر على المرض ، واحتساب الأجر والثواب، والرضا بقضائه وقدره، وأن يكفر ذنوبك، ويرفع درجاتك في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك