رسائل الأمل – مستقبل الإسلام واعد
برغم ما يشهده العالم من تزايد لظاهرة الإسلاموفوبيا، أكد تقرير لمركز بيو للأبحاث PEW Research Center ومقره واشنطن، أن الإسلام هو الديانة الوحيدة التي تنتشر بنسبة تفوق الزيادة السكانية حول العالم، كما توقع أن يكون الإسلام هو الدين الأوسع انتشارًا عام 2070م، وقد اعتمد هذا التقرير في نتائجه على أن معدل انتشار الديانات مرتبط جزئيًا باختلاف معدلات الخصوبة بين أتباعها؛ فالمسلمون هم الأعلى إنجابًا بمعدل 3.1 أطفال لكل امرأة مقابل 2.7 طفلين في المسيحية، كما أن الإسلام يضم شريحة واسعة من صغار السن؛ فـ34% من المسلمين دون سن الخامسة عشرة، وهذا يفوق المعدل العالمي الذي يقف عند 27% فقط، وبالتالي لدى المسلمين فرص أعلى وسنوات أطول للإنجاب.
الإسلام بين القوة الذاتية وضعف المسلمين
في ثلاث آيات من القرآن الكريم ورد الوعد الإلهي بنصر الإسلام وانتشاره، وإظهاره على جميع أديان الأرض؛ فقال الله -تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(التوبة: 33)، وقال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (الفتح: 28)، وقال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(الصف: 9).
ولو ورد الوعد من الله -تعالى- مرة واحدة لكفى، لكنه كرره وفي التكرار فوائد؛ فكما يقول البلاغيون: التكرار يفيد التأكيد، وبطبيعة الحال فإن التأكيد ليس هو الغرض الوحيد من التكرار في الآيات الثلاثة، لكنه يفيد أيضاً أن محاولات الصد عن دين الله ستستمر، مع كل مراحل الوجود الإنساني؛ ومما يجب الانتباه إليه هنا أن الله -تعالى- قال: {أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} فوصف الرسالة بوصفين الأول: (الهدى)؛ لما فيها من دلائل الهداية إلى الرشاد في السلوك والعمل، والثاني: (دين الحق)؛ لما فيها من التوحيد، وصحيح الاعتقاد؛ ولأن مجموع الشريعة والعقيدة يمثل حقيقة واحدة، وهي الإسلام جمع بينهما في ضمير واحد مفرد؛ فقال: {لِيُظْهِرَهُ}، أي هذا الدين عقيدة وشريعة، حين لا يكون هناك تفريق بينهما، ويتمسك المسلمون بهما؛ فإنه سيكتب لهذا الدين الظهور على سائر الأديان، قال: {عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}، أي يعليه على كل الأديان؛ فالدين اسم بمعنى المصدر، ويستوي لفظ الواحد والجمع فيه» (الجامع لأحكام القرآن الكريم، القرطبي، ج16، ص292).
ظهور الإسلام وظهور المسلمين
ولكن يجب التفريق في هذا الخصوص بين ظهور الإسلام، وظهور المسلمين؛ فنعم دين الله باق، ومنتصر، واكب ذلك بروز المسلمين، في ميادين الحياة، أو انكماشهم؛ لأن حركة الإسلام حركة فوقية لا مدخل لأهل الأرض في توجيهها؛ فالمسؤول عن تحقيق العلو للإسلام هو الله -عز وجل-، وإنما يبقى دور المسلمين محصوراً في بذل الجهد، قدر الطاقة، لتحقيق مطلوب الله -تعالى- منهم، لا غير؛ فمن فعل فقد أدرك غايته، وحقق رسالته، ومن تخاذل فقد ظلم نفسه، ولا حاجة للدين به؛ لأن الله -تعالى- قال: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (العنكبوت: 6)، والقصد أن الله -تعالى- كتب لدينه الظهور، وأكد ذلك في كتابه في ثلاثة مواضع؛ فهو حاصل لا محالة، لكن هذا الظهور قد يتحقق بنا، وقد يتحقق بغيرنا، يتحقق بنا حين نعمل على ذلك، ويتحقق بغيرنا حين نتخلف عن القيام بواجبنا تجاه الدين؛ فتحصل عند ذلك سنة الاستبدال التي بينها الله -تعالى- حين قال: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد: 38).
الظهور الثالث
لقد حقق الله -تعالى- لنبيه وعده، فأظهر دينه على أرض العرب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحقق وعده؛ فأظهر دينه على أجزاء كبيرة من العالم في عصر الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين من بعدهم، من خلال الفتوحات التي عمت أجزاء شاسعة من العالم؛ فوصلت في عهد الدولة العثمانية سنة 950هـ 1543م، إلى قريب من عقر دار النصرانية، حين«“استولى الأسطول العثماني بقيادة باربروسا على صقلية وبعض السواحل الإيطالية، ودمر استحكاماتها ثم استولى على ميناء (أوستيا) الواقع على نهر (تيبر) الذي يبعد 15 كم عن مدينة روما مقر البابوية الكاثوليكية في العالم» (الموسوعة التاريخية، ج7، ص459).
فتوحات لم تتحقق بعد
أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فيه بشارات بفتوحات لم تتحقق بعد؛ فعن أبى قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاصي وسئل أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتابا قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب؛ إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً، أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مدينة هرقل تفتح أولاً. يعني قسطنطينية». (مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر، وقال: صحيح رقم: 6645)، وقد علق الشيخ الألباني على الحديث فقال: «(رومية) هي روما كما في (معجم البلدان)، وهي عاصمة إيطاليا اليوم، وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف، وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح، وسيتحقق الفتح الثاني بإذن الله -تعالى- ولابد» (سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج1، ص33)، وإن هذا مما يبعث الأمل في النفوس، ويبشر بمستقبل مشرق للإسلام.
الفتح بالصلاح لا بالسلاح
إن أحد أهم ما ينبغي الانتباه إليه، أن حديث فتح روما على ما فيه من البشارة، لا يعني بالضرورة حصول الفتح عن طريق القتال والحرب؛ فقد يحصل الفتح بطريق الصلح، أو بغير قتال عموماً، بل بالدعوة، ونشر الإسلام، ومبادئه السمحة بين أعدائه الذين ما عادوه إلا لجهلهم به، وتسلط الدعاية المغرضة على عقولهم، التي لا تفوت فرصة إلا وتصور الإسلام فيها على أنه دين عنف، وذبح، وكبت للحريات، ولو أنصف المسلمون دينهم، لأوضحوا للعالم أن هذه البشارة لم تكن لتعني في وقت من الأوقات إلا وصول الإسلام إلى روما وانتشاره فيها، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة صداماً بين الحضارات، أو عداوة بين الشعوب، ولكن يعني انفتاح القلوب للدين الحق، ووصول الإسلام إلى قناعاتهم، وتمكنه من نفوسهم، وهذا حين يحصل يكون أعظم فتح؛ لأن الغرض الذي من أجله جاب المسلمون الأوائل الشرق والغرب مجاهدين في سبيل الله لم يكن المغنم، ولا بسط النفوذ على الأرض، ولكن للغرض الذي بينه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه حين وقف بين يدي رستم قائد الفرس في معركة القادسية؛ فقال له: «إنا ليس طلبنا الدنيا، وإنما همنا وطلبنا الآخرة، ثم قال رستم: أرأيت إن دخلنا في دينكم أترجعون عن بلادنا؟ قال: أي والله، ثم لا نقرب بلادكم إلا في تجارة أو حاجة» (البداية والنهاية، ج7، ص46).
لاتوجد تعليقات