رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد محمود محمد 30 أبريل، 2018 0 تعليق

رسائل الأمل – المؤمن لا ييأس …آيات القرآن تدعونا إلى التفاؤل والأمل


كثيرة هي الآيات التي وردت في كتاب الله -تعالى- تدعو إلى التفاؤل والأمل، والذي يتتبع سيرة النبي- صلى الله عليه وسلم - ومسيرة دعوته، يدرك أن الأمل والتفاؤل كان بمثابة الوقود الذي زوّد الله به نبيه، كلما اشتد عليه أمر، أو صعبت عليه محنة؛ ففي مراحل الدعوة كلها، كانت تتنزل الآيات التي تدعو إلى الأمل في مستقبل أفضل للإسلام والمسلمين، وتبشر بتبدل الأحوال إلى الأحسن؛ ففي مكة نزل قول الله -تعالى-: {فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا} (الشرح: 6:5)، قال ابن جرير -رحمه الله-: يقول -تعالى- ذكره لنبيه محمد-صلى الله عليه وسلم-: فإن مع الشدة التي أنت فيها من جهاد هؤلاء المشركين، وما أنت بسبيله، رجاء وفرجا بأن يظفرك الله بهم، حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به طوعا وكرها، وعن يونس، قال: قال الحسن: لما نزلت هذه الآية {فإن مع العسر يسرا} قال-صلى الله عليه وسلم-: «أبشروا أتاكم اليسر، لن يغلب عسر يسرين»، وعن معمر، عن الحسن، قال: خرج النبي-صلى الله عليه وسلم- يوما مسرورا فرحا وهو يضحك، وهو يقول: «لن يغلب عسر يسرين، لن يغلب عسر يسرين» {فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا}» (جامع البيان ج24، ص495).

 

وفي مكة نزل قول الله -تعالى-: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}(القمر:45)، بينما كان المسلمون قلة مستضعفة إلى حد جعل عمر- رضي الله عنه - يقول في نفسه حين سمع هذه الآية: أي جمع يهزم؟! (جامع البيان، ج22، ص602).

وفي مكة نزل قوله -تعالى-: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} (الحجر،:2)؛ فمهما يحصل في الدنيا، فسيأتي اليوم الذي سيندم فيه الكفار، ويتمنون ألو كانوا مع هذه القلة المضطهدة.

     ولم تقف الآيات التي تزيد العزيمة، وترفع الهمة، وتدعو إلى التفاؤل والأمل على حد ما نزل منها في مكة فحسب، بل كان هذا الشأن ولا يزال مع كل آيات القرآن الكريم، في كل أوقات تنزله، بما في ذلك المرحلة المدنية؛ فقد نزل بها قوله -سبحانه- بعد هزيمة أحد: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} (آل عمران،:12).

الرسول- صلى الله عليه وسلم - يزرع الأمل في نفوس المسلمين

     فعلى قدر ما كان يتعرض له الصحابة -رضي الله عنهم- ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- معهم من اضطهاد وتشريد وتنكيل ومحاربة ومقاطعة، على قدر ما كان-صلى الله عليه وسلم - ينشر التفاؤل، ويبشر بتبدل الأحوال، لا يثنيه عن بلوغ أهدافه يأس، ولا يفل من عزيمته وعزيمة أصحابه إحباط. عن خباب بن الأرت-رضي الله عنه -، قال: شكونا إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: «كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض؛ فيجعل فيه؛ فيجاء بالمنشار؛ فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» (رواه البخاري برقم: 3612).

     وحين اجتمع المشركون، على المسلمين، يريدون غزو المدينة المنورة، واستئصال شأفة الإسلام، وبينما المسلمون في ذلك الظرف العصيب يحفرون الخندق حول المدينة لحمايتها، تعترضهم صخرة كبيرة؛ فيشتكون للنبي-صلى الله عليه وسلم- ذلك فيبدل خوفهم، إلى ثبات واطمئنان، ويحول قلقهم إلى أمل وطموح، عن عبد الله بن عمرو، قال: لما أمر النبي-صلى الله عليه وسلم- بالخندق؛ فخُندق على المدينة، قالوا: يا رسول الله, إنا وجدنا صفاة، لا نستطيع حفرها؛ فقام النبي-صلى الله عليه وسلم-، وقمنا معه، فلما أتى أخذ المعول؛ فضرب به ضربة وكبر، فسمعت هدة لم أسمع مثلها قط، فقال: «فتحت فارس» ثم ضرب أخرى وكبر؛ فسمعت هدة، لم أسمع مثلها قط؛ فقال: «فتحت الروم» ثم ضرب أخرى وكبر، فسمعت هدة لم أسمع مثلها قط، فقال: «جاء الله بِحِمْيَرَ، أعوانا وأنصارا» (المعجم الكبير، للطبراني، رقم 54).

الأمل لا طول الأمل

     رغم أن نصوص ديننا الحنيف حافلة بكل ما يدعو إلى السرور والتفاؤل، ويقوي الأمل في النفوس، لكنها في الوقت ذاته تحذر من الاسترسال في الأمل، الذي يعني تعلق القلب بالدنيا، ونسيان الآخرة، فإن ما جاء من ذم للأمل في بعض الآيات والأحاديث، من مثل قوله -تعالى-: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (الحجر: 3)، وقول الرسول-صلى الله عليه وسلم-: «لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين: في حب الدنيا وطول الأمل» (رواه البخاري، رقم: 6420)؛ فإنما المقصود بالأمل فيه، الأمل في الدنيا، وليس فيما عند الله، الأمل الذي يلهي عن الاستعداد للآخرة، وإن ابن حجر -رحمه الله- ذكر كلاماً نفيساً عن ذلك فقال: «في الأمل سر لطيف؛ لأنه لولا الأمل ما تهنى أحد بعيش، ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا، وإنما المذموم منه الاسترسال فيه، وعدم الاستعداد لأمر الآخرة، فمن سلم من ذلك لم يكلف بإزالته له» (فتح الباري، ج11، ص237).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك