رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد محمود محمد 7 يونيو، 2018 0 تعليق

رسائل الأمل – المؤمنون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون


قال الله -تعالى- في سورة يوسف على لسان يعقوب -عليه السلام-: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}(يوسف: 87)، وانطلاقًا من هذا المعنى وفي ظل ظروف عصيبة، وفي أنحاء متفرقة من العالم يتعرض المسلمون لبعض المحن، على المستوى الخاص والعام، ومع كل شدة، يقف أحدنا ليسأل نفسه، هل ما نحن فيه هو بسبب تقصيرنا في الطاعة؟ هل هي المعاصي؟ وإذا كان ما يجري للمسلمين في البلد الفلاني عقوبة من الله؛ فلماذا تنسحب الابتلاءات لتشمل بلاداً بأسرها؛ فتعم الشدة المسلمين في كثيراً من أقطار الأرض؟ عند ذلك ينبغي لنا أن نتذكر حقائق مهمة، لا يمكن أن يقف أحدنا على قدميه حيال الواقع المر، ليواجه الصعاب دون تقريرها وهي:

 

أولاً: الكل يبتلى:

     الابتلاء ليس حكراً على المؤمنين وحدهم، بل هو من الأقدار التي ربط الله حدوثها بأسباب واقعية؛ فحين تتوافر أسباب الفشل، يحصل الفشل، كما أنه حين تتوافر أسباب النجاح يحصل النجاح، وحين تتوافر أسباب المرض، يحصل المرض، وأيضاً حين تتوافر أسباب الصحة يسلم الجسد؛ وهذه الأسباب يستوي فيها المسلم والكافر والبر والفاجر؛ فمن شرب روي، ومن أكل شبع، ومن جد وجد، ومن زرع حصد، هذه سنة ماضية لا تتخلف إلا في أحوال نادرة، لا يقاس عليها، كإبطال خاصية الإحراق بالنار لإبراهيم -عليه السلام- وتفجر الماء من الحجر لموسى، ونحو ذلك؛ فإن هذه معجزات، يجريها الله للأنبياء والمرسلين لحكمة، ووظيفة معينة، ثم هم بعد ذلك في سائر أمورهم عرضة لما يجري عليهم من أقدار الله، بحلوها ومرها كسائر البشر، والقصد أن الابتلاء يحصل عادة بسبب مادي، نعم قد يكون بتقصير في الطاعة أو تجرؤ على معصية، لكن ليس ذلك بدائم ولا مضطرد؛ فالأنبياء هم صفوة الله من خلقه ومع ذلك هم أكثر الناس ابتلاء! جعلهم، الله كذلك لتكون لنا فيهم الأسوة في الصبر والتحمل والمثابرة في الجهاد والمجاهدة، ولنعلم أن الأصل في هذه الدنيا أنها كما جاء في الحديث الشريف: «سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» (رواه مسلم عن أبي هريرة برقم: 2956).

ثانياً: العطاء والمنع كلاهما ابتلاء

     فالمسلم الحق هو من ينظر إلى كل عطاء ومنع، وشدة ورخاء، وصحة ومرض، وقوة وضعف، على أنها كلها ابتلاءات، لا يجدر أن يركن إلى شيء منها أو يطمئن إلى حسن حاله مع شيء منها؛ فإن الله -تعالى- قال: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (الأنبياء: 35)، وقد نعى الله على الإنسان ظنه بأن سَعَةَ الرزق كرامة والفقر إهانة فقال: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا} (الفجر: 17-15). يقول لهم «أنتم أيها الماديون ترون أن في التوسعة إكراما وفي التضييق إهانة كلا ليس الأمر كذلك» (أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ج5، ص568).

     فالمؤمن مطالب وفق هذه الحقيقة بأن يتعامل مع أقدار الله كلها على أنها امتحان، يجب أن يحقق النجاح فيه؛ فهو يبذل الأسباب التي تحقق له الراحة والرقي، ولدِينه التمكين والرفعة؛ فإن حصل له المطلوب شكر الله -تعالى- وإن لم يحصل بحث عن أسباب فشله، وعالج قصور عمله، بصبر من غير ملل ولا تأنيب يصل إلى حد جلد الذات، ولكن نبذل الأسباب على قدر وسعنا، وأما النتائج فهي على الله -تعالى.

ثالثاً: المؤمن حبيب الله -تعالى

     فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير» (رواه مسلم برقم 1840)؛ فأثبت محبة الله -تعالى- هنا للمؤمن ضعيفاً كان أم قوياً؛ لأن قوله «أحب إلى الله» يقتضي اشتراك الاثنين في محبة الله -تعالى- لهما، ولكن محبته -سبحانه- للقوي أشد وعليه فإن ما يصيب المؤمن في الدنيا من ابتلاءات، ينبغي أن يحمل على وجهه الصحيح؛ فهو ليس دائماً لغضب من الله على عبده، بل هو لمحبته له؛ فهو يقويه بهذا الابتلاء؛ فيزيده صلابة في مواجهة مصاعب الحياة، وهو أيضاً يكفر عنه ذنباً، أو يرفعه درجة. وهذا هو ما أكده الله -تعالى- للمسلمين بعد هزيمتهم في أحد، ولا شك أن الهزيمة كانت بأسباب مادية، معروفة لكل من درس هذه الغزوة، ولكن الله -تعالى- يؤكد في كتابه على أن الهزيمة التي وقعت، رغم الجرح والألم؛ فإن لها وجهاً إيجابياً يجب ألا نقلل منه، قال -سبحانه-: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)} (آل عمران: 140 - 142)، قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: «{وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} أَيْ: يُكَفِّرَ عَنْهُمْ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، إِنْ كَانَ لَهُمْ ذُنُوبٌ وَإِلَّا رُفعَ لَهُمْ فِي دَرَجَاتِهِمْ بِحَسَبِ مَا أُصِيبُوا بِهِ» (تفسير القرآن العظيم، ج2، ص127).

رابعاً: الابتلاء ضرورة قدرية

     فإذا كان ثمن الجنة: جهاد وصبر، بناء على قوله -تعالى-: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}؛ فإن ذلك مترتب على حقيقة أن الوجود الإنساني على الأرض مرتبط بأداء أمانتين هما: عبادة الله، وعمارة الأرض، وكلاهما لا يتم ولا يحصل بغير جهاد وصبر، ومن ثم فالابتلاء ضرورة من ضرورات وجودنا، وضرورة في الوقت ذاته لتحقيق عبوديتنا الحقة لله -تعالى- ولوفائنا بما استخلفنا فيه، ولبلوغ الغاية من كل ذلك وهي الجنة؛ حيث تكون منازل المؤمنين فيها على قدر ما بذلوا في الدنيا من جهد لله، وصبر على أقداره.

عزة المؤمن منحة إلهية

     ولنعلم أن العزة آية الله التي منحها لعباده المسلمين، واختصهم بها، وهي اللباس العظيم الذي خلعه على عباده، كما خلع على أعدائه أهل الكفر الذلة والمهانة: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}(فاطر:10)؛ ولذلك كان الذين يبتغون العزة من الكافرين حقراء أذلاء، ولو ظهروا أمام الناس بمظهر المنتصر؛ فإنهم في حقيقة أنفسهم أذلاء يحقرون أنفسهم، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا}(النساء: 139)، يستمد المسلم إذاً عزه من قوة ربه، يستمد قوته من إيمانه بالله؛ فكلما كان أقوى إيماناً كان أعز، وأمنع، وأغلب.

     وهؤلاء سحرة فرعون طلبوا العزة من غير الله، ثم بعد ذلك رأوا أن العزة بالله وحده: {فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِين رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}(الشعراء:44-48).

المبشرات الصادقة

     إننا بحاجة إلى التذكير بالمبشرات الصادقة، لندفع بها اليأس والإحباط عن نفوسنا، ونجدد العزائم، ونتلمس أسباب النصر والتمكين؛ فمن رحمة الله بأمتنا أن جعل لها بعد العسر يسرا وبعد الشدة والضيق فرجاً ومخرجا؛ فقال :{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ولن يغلب عسرٌ يسرين، قال العلامة السعدي في تفسيره: «بشارة عظيمة إنَّه كلَّما وجد عسرٌ وصعوبة؛ فإنَّ اليسر يقارنه ويصاحبه حتى ولو دخل العسر جحر ضبٍ لدخل عليه اليسر فأخرجه»، كما قال -تعالى-: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وإن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا» رواه أحمد وصححه الحاكم .

نصر الله قريب

      ومهما تلاحقت الخطوب، واشتدت المكاره، وتفنن الأعداء في أساليب العداوة والبغضاء؛ فلا يغيب عن البال أن نصر الله قريب، وأن كيد الشيطان ضعيف، وأن الغلبة في النهاية للحق وأهله { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}، إنَّ الشدة تخفي وراءها فرجاً -بإذن الله- والمكروه يحمل الخير القادم -بإذن الله.

الدين دين الله

     فالدين دين الله، وإنّ الحرمات حرماته،والله أغير على دينه وحرماته منّا، وهو الذي أنزل الدين وأرسل الرسول وتكفل بإظهار دينه ونصر رسله{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}،{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ، {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك