اعداد: سامح محمد بسيوني
15 يوليو، 2024
0 تعليق
رسائل إصلاحية (6) العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي شبهات وردود
- الكيانات الدعوية الإصلاحية التي تعمل وفق منهج أهل السنة والجماعة وتحت راية واحدة وهي راية الإسلام اشتركوا في الصفة الجامعة وهي: طاعة الرحمن والكفر بالشيطان
ما زال حديثنا مستمرا حول المفاهيم الإصلاحية؛ حيث ذكرنا أن الأعمال الإصلاحية الدعوية تنقسم طبقا للواقع الحالي إلى ثلاثة أنواع: عمل إصلاحي فردي، وعمل إصلاحي عبر المجموعات الوسيطة، وعمل إصلاحي تعاوني جماعي مؤسسي عبر كيان، وتحدثنا عن العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي، وأهميته من خلال الحديث عن الأسباب الشرعية، ثم ذكرنا بعض الشبهات التي أثيرت حول العمل المؤسسي التعاوني، ومنها الاستدلال بظاهر النصوص التي تنهى عن الفُرقة لرفض هذا النوع من العمل، واليوم نستكمل الحديث عن هذه الشبهات.
الشبهة الرابعة: قولهم أهل الاسلام حزب واحد وليسوا أحزابًا
- قالوا: أهل الاسلام حزب واحد وليسوا أحزابًا متعددة، واستدلوا بقول الله -تعالى-: {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}؛ فالله ذكر حزبا واحدا ولم يذكر احزابا أو كيانات متعددة، فلماذا نعدد الكيانات والأحزاب؟
وللرد على هذه الشبهة نقول:
لقد قال الله -عن أهل الكفر-: {أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، فهل معنى ذلك أن الشيطان له حزب واحد؟!، ونحن نرى اختلاف أهل الكفر فرقا وأحزابا كثيرة، ويُكفر بعضها بعضا لكنهم جميعا داخلون تحت مسمى حزب الشيطان؛ لأنهم اشتركوا في الصفة الجامعة لأصل الحزب وهي: طاعة الشيطان والكفر بالرحمن.
كذلك نقول في الكيانات الدعوية الإصلاحية التي تعمل وفق منهج واحد وهو -منهج أهل السنة والجماعة- وتحت راية واحدة وهي راية الاسلام؛ فهم جميعًا اشتركوا في الصفة الجامعة وهي: طاعة الرحمن والكفر بالشيطان.
الشبهة الخامسة: قولهم تعدد الكيانات سبب للتعصب
- قالوا: تعدد الكيانات الإصلاحية سبب في التعصب والتباغض، ودفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
وللرد على هذه الشبهة نقول:
وهل الحل أن نلغي هذه الكيانات الإصلاحية بأكملها، ونحرم الأمة من الخيرات العظيمة والفوائد الكبيرة الناتجة عن وجود هذ الكيانات الإصلاحية التي يظهر لكل منصف أن فوائدها أكبر بكثير من مفاسدها؟
أم أن الحل هو أن نُعلم أفراد هذه الكيانات الإصلاحية فقه الخلاف، وأدب الحوار، ونعلمهم أن الولاء والبراء يكون على الكتاب والسنة، والحب والبغض لا يكون إلا في الله؟!
وهل العقل والممارسة الحياتية التي نمارسها تستلزم منا ألا نتعامل إلا إن وجد النموذج الكامل أم أن الواقع والعقل والشرع دائما يفرق بين الممكن والمتاح، وبين المرجو والمأمول، ويوازن بين خير الخيرين وشر الشرين؟
فعلى سبيل المثال: الجميع يعلم بفضل صلة الأرحام؛ فلو فرضنا أن هناك خلافا بين بعض العائلات أو القبائل الكبيرة التي بينها صلات نسب، وأن هذا الخلاف أدى إلى تباغض بعض أفراد هذه العائلات تعصبا للعائلة أو القبيلة، فهل نقول لهم: إن صلة الأرحام والنسب بالنسبة لكم حرام؟!، أم نقول بإلغاء هذه القبائل والعائلات ونفتى بحرمة الانتساب اليها؟!، أم ننهاهم عن التعصب والتباغض ونذكرهم بفضل صلة الرحم مع بقاء الانتساب للعائلة والقبيلة؟!
الشبهة السادسة: لم تكن هذه الجماعات موجودة على أيام النبي - صلى الله عليه وسلم
- قالوا: لم تكن هذه الجماعات موجودة على أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة -رضوان الله عليهم؟
وللرد على هذه الشبهة نقول:
القاعدة أن (الأصل في الأشياء الإباحة)، فإذا لم يرد دليل على تحريم الاجتماع على الأعمال الدعوية وثبت مشروعيتها بالكتاب والسنة كما تقدم، فلا يضر أنها لم تكن موجودة على أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابة، بل تعد من جنس المصالح المرسلة التي تحقق مقاصد الشريعة، كما جمع الصحابة القرآن في المصحف، ولم يكن ذلك موجودا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكما جمع التابعون السنة في الكتب ولم يكن ذلك موجودا على أيام الصحابة.
والعجيب في هذه الشبهة، أنك ترى من يطرح تلك الشبهة يتناقض مع نفسه ومع قوله، هذا كونه يتعامل ويقر بمشروعية أمور كثيرة تحقق مقاصد الشريعة لم تكن موجودة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عهد الصحابة، كالجامعات والمدارس والفضائيات الدعوية والاكاديميات العلمية والبرامج الفضائية والجمعيات الدعوية، ومن المناسب هنا أن نوضح أنه لا يوجد فرق جوهري بين طريقة عمل الجمعيات الدعوية -التي ينغمس في العمل فيها الكثير من مانعي العمل الجماعي الدعوي- وطريقة عمل الكيان الدعوي الإصلاحي الذي يلقون الشبهات في وجه مشروعيته مقارنة بين الجمعية الدعوية الخيرية والكيان الإصلاحي المؤسسي. من العجائب أن الذين قالوا بحرمة العمل الإصلاحي الجماعي المؤسسي أجازوا تأسيس الجمعيات الدعوية، مع أنه لا يوجد فرق جوهري بين طريقة عمل الجمعيات الدعوية وطريقة عمل الكيان الدعوي.
فالجمعية: لها اسم، ولها رئيس، ولها مجلس إدارة، ولها فروع، ولها منهج تحمله، وعندها وسائل تأثيرية متعددة، كالكيان الدعوي أو الحزبي تماما.
لكنهم قد يقولون: الجمعية يدعى إليها كل الناس.
فنقول: وكذلك الكيان الدعوي الإصلاحي يدعى إليه كل الناس بشرط أن يتم الالتزام بشروطه كالجمعية تماما، وهل يتصور أحد أن تقبل الجمعية بفرد لا يلتزم بشروط العضوية التي وضعتها الجمعية؟
ويقولون: الجمعية تعمل بعد حصولها على ترخيص من السلطات.
فنقول: عامة الكيانات الدعوية الإصلاحية الرسمية تعمل الآن تحت سمع السلطات الرسمية وبصرها، وتحصل على موافقات منها بذلك، فهل بعد هذا سيجيز الطارحون لهذه الشبهات إقامة هذه الكيانات المؤسسية الإصلاحية للقيام بالأعمال الإصلاحية المطلوبة أم سيظلون على مسارهم التابع لأهوائهم أو أهواء من يؤثرون عليهم؟
بعض الآفات التي قد تظهر في العمل الإصلاحي التعاوني
العمل الجماعي المؤسسي التعاوني تجمع بشري ينتابه -بلا شك- بعض الآفات التي تنتاب أي عمل بشري، ومن هذه الآفات التي يجب الانتباه إليها لعلاجها وضبط البوصلة فيها:
- من أعظم الآفات في أي كيان انحراف الفكر أو ضلال المنهج الذي يجتمع عليه الأفراد.
- التفلت من الالتزام الجماعي عند بعضهم وعدم تحمل مسؤولية القرارات الجماعية المؤسسية وتبعاتها طبقا للرؤى الشخصية أو النزعات العاطفية، مما يضعف أثر العمل المؤسسي.
- التنافس المذموم والتطلع إلى المكانة بين الأفراد العاملين داخل فرق العمل العاملة في الكيان المؤسسي.
- قد يظهر نوع من التكاسل والتواكل والاعتماد على الآخرين؛ بسبب عدم وضوح المهام وعدم وجود توصيف وظيفي واضح.
- قد يظهر نوع من التعصب والتحزب الممقوت للكيان، أو النظر إلى من هو خارج الكيان بعين العداوة والانتقاص.
- قد يحدث تقوقع وتحوصل داخلي من أفراد الكيان وانكفاء على أنفسهم؛ مما يتسبب في حدوث عزلة سلبية عن البيئة المحيطة.
- قد يهمل الفرد نفسه فيقصر في بنائها، ويهمل الجانب التعبدي أو العلمي اعتمادا على التكامل داخل فرق عمل الكيان.
- قد يستبطئ بعضهم النتائج المرجوة؛ فيصاب بالإحباط نظرا للبطء في تحقيق النتائج، عكس العمل الفردي الذي قد تكون نتائجه أسرع.
لاتوجد تعليقات