رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: هيام الجاسم 27 يونيو، 2019 0 تعليق

رزانة العقول وقاية من السفول


العقل زينة لصاحبه وحماية وأمان له، العقل محراب العلم والمعرفة؛ ففيه بنات أفكار المرء وعنوان الضمير، ورأس مسقط الهداية، وبقدر ما يعلو قدر المرء برزانته وبعمق عقله؛ فإنه قد يسفل بإفلاسه وضحالته وسفاهته، ومثلما العقل بنضجه يسعفنا في مواقف كثيرة؛ فإنه قد يخذلنا في أحداث عديدة، ومثلما هو بوابة أمان لصاحبه؛ فهو بذاته مفتاح ضلال له، لغة العقل والتعقل لايفهمها السفهاء ولا الحمقى؛ فما عسى المرء أن تكون أحواله بلا عقل وافر واف!

     فالعاقل لسانه وراء عقله يضبطه ويلجمه، بينما الجاهل لسانه أمام عقله عنوانه الانفلات والاعوجاج! من افتقد حصافة ولبابة في عقله؛ فهو إلى السفاهة والحماقة أقرب، إن لم يكن قد أوقع نفسه في مستنقعهما، الرشد والحكمة رديفا لبابة العقل وأريبيّته، والسؤدد والشرف لا يؤتاهما خفيف العقل ضعيفه وساذجه!!

     عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، إربآ بعقليكما عن السفول والسطحية والسذاجة في الأمر كله؛ فإن عرفكما الناس بتلك اللا تعقلية -والمرء يعرف بما اشتهر به-؛ فذلك مما يفقدكما هيبة المقام بين الناس وحتى بين أولادكم، عن محمد بن يحيى، قال: قلنا للضحاك بن مزاحم: يا أبا قاسم ما أعبد فلان وأروعه وأقرأه! قال كيف عقله؟ قلنا: نذكر لك عبادته وورعه وقراءته وتقول عقله! قال: «ويحك، إن الأحمق يصيب بحمقه ما لا يصيب الفاجر بفجوره» من بصائر العقل وبصيرته أنه يعينك على التمييز بين الخير، والشر، والحق، والباطل، والصواب، والخطأ، ويجعل التمييز والتمايز سبيلك في الحياة.

     إن العقل في أصله وفطرته يتوافق تماما مع ثوابت الدين والأخلاق والمبادئ؛ فبالبصيرة يستطيع المرء أن يفرّق بين الصواب والخطأ وبين مسلك الفضلاء ومسالك الساقطين، وبالبصيرة يحمي المرء نفسه من كل سوء حتى قبل الوقوع به، فضلا عن الانخراط فيه، قال -تعالى- في محكم التنزيل: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}(الحج: 46).

نضج العقل

     أعزائي القراء، من أكبر منافع نضج العقل في تعقلاته أنه يحمي المرء بعد الاستعانة بالله من الوقوع في السقطات والأزمات التي هو في غنى عن الوقوع فيها، يقول سفيان بن عيينة -رحمه الله-: «ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر، ولكن العاقل الذي يعرف الخير فيتّبعه، ويعرف الشر فيتجنّبه» وعن هشام بن عروة عن أبيه قال : ليس الرجل الذي إذا وقع في الأمر تخلّص منه، ولكن الرجل يتوقّى الأمور حتى لايقع فيها.

التعقل والإدراك

     التعقل والإدراك مستويات عند الناس؛ فمنهم من لايملك سوى مستويات التفكير الدنيا ولايطمح للارتقاء إلى أعلى منها، يكتفي بالتلقين والفهم واستدعاء معلومة يبتغيها، وتذكّر حاجة قد نسيها، أو غفل عنها وفي الوقت نفسه هو يرى في نفسه أنه فائق التعقل راشدا، يملك فهما يحميه من ملمّات عديدة، ويجعله صاحب قرار سديد، في المقابل أيضا شريحة من الناس حباهم الله، إما وراثة أو اكتسابا مقدرة أعلى ومستويات في الإدراك عليا؛ فهم -بإذن الله- قادرون على الاستنتاج، والاستقراء، والتصنيف، والتحليل، والربط بين الأمور والأحداث في دقة متناهية، تسعفهم في اتخاذ القرار السليم في زحمة الحياة وضوضاء مجريات أمورها، بل ويجعله يحمل معه دوما حزمة من الأساليب الوقائية التي ملؤها الحذر لتجنب الوقوع في المشكلات التي تحصل لمن هو  بسيط في تفكيره، وساذج في منطق عقله، مما يجعله دوما يطلب ممن حوله انتشاله من الأزمة التي أوقع نفسه فيها، أما من يملك علوا في نمط تفكيره؛ فإنه في غالب شؤونه متحصّن بالوقائيات من الوسائل الحصيفة.

أفضل مواهب الله

     يقول بعض أهل العلم: أفضل مواهب الله لعباده العقل؛ ولقد ورد ذكر العقل في كتاب الله مائة وتسعا وأربعين مرة، والعقل نقيض الجهل، العقل والهوى أعداء أضداد؛ فيلزم المرء أن يضع هواه تحت مجهر عقله الذي هو متوافق مع ثوابت دينه، ومستمد تشريعاته منه؛ فالانضباط في دين الله يدفع المرء دفعا باتجاه لجم الهوى؛ فبالتعقل تصلح الضمائر والسرائر والمسالك؛ فلا شأناً رفيعًا ولا قدرًا فاضلًا لمن لا دين له وافراً ولا عقلاً   عنده وافياً.

رشد العقل

     حينما يطلب المرء زوجا صالحا أو صديقا راجحا؛ فيلزمه البحث أولا عن رشد العقل ولبابة الفهم  مع ثبات على دين الله ، فما تنفع وجاهة ولا شهرة ولا جمال ولا غنى مال والعقل ساقط أو سفساف، أو تافه سطحي يرى جوهر الحياة في مظاهرها وبهرجتها والتشبع بما لم يعط والتفاخر بما لايملك، فضلا عن التكاثر وادعاء الأفضلية فيما يملك، ذلك من الانحراف عن جادة التفكير السوي الناضج.

قوامة الرجل

     إن قوامة الرجل في أهل بيته تلزمه معها رجاحة عقل ناضج واع، وكذلك المرأة في بيت زوجها وأسرتها، وفي مراحل تربيتها لأبنائها وبناتها؛ فمن لوازم نجاح إدارة الأسرة للزوج وزوجه، عمق العقل لا سطحيته، ومن لوازم نجاح المرء في وظيفته وحياته العامة والخاصة سويَة عقله وأريّبيَته، قال معاوية بن أبي سفيان لرجل عمَر دهرا  أخبرني بأحسن شيء رأيته؟ قال: عقل طلب به مروءة مع تقوى الله وطلب الآخرة. وقيل لابن المبارك: ماخيرما أعطي الرجل ؟ قال: غريزة العقل، قيل: فإن لم يكن؟ قال: أدب حسن، قيل: فإن لم يكن؟ قال: أخ يستشيره، قال: فإن لم يكن؟ قال: فطول صمت، قال: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجل!

فقه العقول

     في فقه العقول ريادة للقلوب؛ فالمرء العاقل الذي يجعل قيادة الأمور لعقله، أما القلب بانفعالاته؛ فتكون تبعا لهيبة العقل ورزانته؛ فمتى ما أطلق المرء لانفعالات قلبه العنان، انفلتت بلا انضباط ولا سيطرة، وصارت تلك الانفعالات هي قائد الركب في تسيير العقل نحو مايهواه القلب، وعندها يطيش العقل طيشانا، يفقد معه بوصلته، ومفتاح رشده؛ فالعقل خير قائد، ومرشد لمشاعر القلب الذي هو -أي العقل- أصلا محكمة قرارته باحتكامها لشرع الله ثم استشارة أهل العلم وذوي الاختصاص.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك