رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني 9 فبراير، 2018 0 تعليق

رد الشبهات حول دور العلماء في بيان أخطاء الفرق المنحرفة – هل التضييق على المسلمين دافع للقيام بالأعمال الإرهابية؟

 

الإسلام دين العدل والاعتدال، دين السلم والمسالمة، دين المحبة والتقوى، والشريعة الإسلامية شديدة الحرص على توجيه سلوك الإنسان وأخلاقه، وحماية حياته من أي اعتداء، وتكفل عزته وكرامته ، فمدح في كتابه الكريم إحياء النفس وذم قتلها؛ فقال -تعالى-: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}(المائدة ـ الآية 32).

     تحدثنا في الحلقة السابقة عن شبهة أن التضييق على المسلمين يعد دافعًا للقيام بالعمليات الإرهابية، ورددنا على بعض الشبه التي أثارها هؤلاء ومنها أن الذين قاموا بها متبعون للأدلة المذكورة في العدد السابق، ومن عمل بموجَب الدليل؛ فقد حقق المصلحة ولابد، فلا يُسْأل عن مصلحة بعد ذلك، وكذلك استدلالهم بأن ضرب الأعمال الإغاثية والدعوية والتعليمية في أماكن كثيرة من بلاد المسلمين ومراكزهم خارج بلاد المسلمين كان أمرًا سيحصل ولو بغير هذه العلميات!! وكذا الشعوب الإسلامية قد دُبِّر أمر اضطهادها بليل، سواء حصلت عمليات أم لا، واليوم نستكمل الحديث عن تلك الشبه.

التضييق على المسلمين في الغرب

      أما دعواهم بأن التضييق على المسلمين في الغرب والاعتداء عليهم مفسدة جزئية لا كلية، فإن عددهم: خمسمئة مسلم في أمريكا!! ولا بأس بذلك - في زعمه - للحفاظ على ثلاثمئة مليون مسلم تعتدي عليهم أمريكا - على حسب قوله -!! فقد قال رادًّا على من ذكر مفاسد هذا الحادث - ومنها التضييق على المسلمين هناك – فقال: «نقول: هذه مفسدة ليست كلية، فكيف تُغَلِّب مصلحة خمسمئة مسلم في أمريكا، وهم الذين يَعُدُّون أمريكا خيارهم الوحيد في السلامة من ملاحقة حكوماتهم، وتُهمل مصلحة ثلاثمئة مليون مسلم - على الأقل - تقتلهم يد الطغيان والعدوان الأمريكي».اهـ.

والجواب على هذه الشبهة من وجهين :

- الوجه الأول:  كلامه هذا فيه تسليم بوقوع تضييق واعتداء على المسلمين في بلاد الكفار، والحمد لله أنه لم يهوِّن من شأن ذلك بقوله - كما سبق في غيره-: وهذا أمر قد دُبِّر من قبل، والعمليات لم تزده شيئًا!!

ومع إقراره بالمفاسد، إلا أنه قد هوَّنت من شأنها بذكره العدد الضئيل للمسلمين في أمريكا!! فأين فقه الواقع وهو لا يرى إلا خمسمئة مسلم فقط في أمريكا ؟

فإن قال: لقد وضحت كلامي بأنهم الذين يَعُدُّون أمريكا خيارهم الوحيد في السلامة من ملاحقة حكوماتهم.

- فالجواب: وهل لم يتضرر أحد من المسلمين - غير الهاربين - هناك؟ أليس الأذى قد وقع على الرجال والنساء والأطفال في الشرق والغرب ؟! إن الملايين من المسلمين قد أصابهم ما أصابهم في بلاد الشرق والغرب بسبب هذه العمليات!! إلا أن يكون المسلمون الموجودون هناك - دون هروب من حكوماتهم - كفارًا عندكم!! فهذه باقعة أخرى!!

- الوجه الثاني:  هل حصل تضييق على هؤلاء الخمسمائة، ونفَّس الله كُربة ثلاثمائة مليون مسلم، كما يدعي الكاتب؟ أم أن الثلاثمائة المليون، والخمسمائة الهاربين هناك - أيضًا - بل المليار مسلم وزيادة قد أصابهم ما أصابهم بسبب هذه العمليات وغيرها ؟!

إن هذا الفكر يزيد الطين بِلَّة، والمريض عِلَّة، والأمة هوانًا وذلة، ويمحق البركة، ويكسر الشوكة.

مصالح مزعومة

وأما ما ذكره الكاتب من مصالح للعمليات المذكورة؛ فيجاب عنه بأمور:

الدليل العملي

- الأول: ما دليلك العملي على صحة وقوع هذه المصالح؟ فإن قال: دليلي مِنْ جهة الأخبار العالمية؛ قيل: فلماذا تنكر على غيرك عند ما أخذ من هذا المصدر - نفسه - إثبات وجود قتلى مسلمين في المركز التجاري ؟

     فإن قلت: هذه أمور لا مصلحة للكفار أن يكذبوا فيها؛ قيل: في هذا الإطلاق نظر، فإنهم قد يتباكَوْن بذلك، ليستصدروا قرارات قاسية ضد المسلمين!! وقد جُرِّب عليهم أنهم يرضون بوقوع فضائح وهزائم إعلامية لهم، ليحققوا مكاسب واقعية، -ومع الأسف-؛ فنحن بخلاف ذلك- إلا من رحم الله.

ومن جهة أخرى: فَذِكْرهم وجود قتلى من المسلمين في المركز العالمي لا حاجة لهم في الكذب فيه من باب أولى - بناءً على ما ذكرتَ في جوابك -!!

مصالح لم تقع بعد

- الثاني: تأمل أيها القارئ قول الكاتب معدِّدًا المصالح -: «ستنظر أمريكا فيما بعد لقضايا المسلمين بتعقل»، وقوله: «وسيخف طغيانها على المسلمين»، وقوله في خسارة شركات الطيران: «وربما يصلون إلى مائة ألف – أي: موظف مُسَرَّح عن وظيفته - في القريب العاجل» من تأمل هذا علم أن الكاتب يتوقع حدوث مصالح لم تقع بعد، وإنما يعبر عنها بأداة التسويف الدالة على المستقبل!! أما المفاسد فقد وقعت، وقد سقطت دول، ودول أخرى في حالة لا تُحْسَد عليها، والمؤلف يَعِدُنا بمصالح عظيمة ستأتي فيما بعد؛ فكانت المفسدة من هذا الفعل نقدًا، والمصلحة نسيئة عند مَدِين مراوغ قوي لا يؤدي الحقوق {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الأَبْصَار}.

     وتأمل كيف يُمنِّي الكاتب نفسه والمسلمين بنظرة متعقلة من أمريكا في قضية فلسطين؟ وهاهي ذا أفغانستان والعراق وغيرهما في حالة ما يعلم بها إلا الله! وهل حصل تعقل في قضية فلسطين كما يدعي الكاتب؟! أم زاد الشر، وعمّ وطمَّ ؟!

     إن هذا كله ليزيدنا بصيرة بأن منهج السلف، وأسلوب كبار علماء العصر، هو الحق وفيه المصلحة، وأن هؤلاء الذين يفتون الشباب بهذا العنف ليسوا مؤهَّلين لتقدير هذه الأمور، والله المستعان.

خسارة مادية

وما ذكره الكاتب من خسارة مادية وقعت فيها أمريكا، فيجاب على ذلك أيضًا بأمور:

- الأول: لا يُستبعد أن تكون هناك مبالغة كما سبق، وأكرر أننا معشر المسلمين - إلا من رحم الله- يعجبنا نصر إعلامي مؤقت، ونطير فرحًا بتصريح مسؤول ما، أو خبر في إذاعة ما، بأن أمريكا قد حصل فيها كذا وكذا، وإن كان الأمر على خلاف ذلك!! وربما أنهم يريدون بذلك إشغال المسلمين عن خطة أخرى يدبرونها لهم!! إن القوم المخالفين يَدَّعون فقه الواقع، وتراهم بهذا الحال العجيب في فهم حقيقة الواقع!! وما أحْدَثَ رجل أمرًا؛ إلا ونقضه من حيث لا يشعر، وهذا شأن الباطل: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا}؛  فإلى الله المشتكى.

سقوط دولة من دول المسلمين

- الثاني: سلَّمنا بأن الخسارة المذكورة هي كذلك؛ فهل سقوط دولة من دول المسلمين مفسدة دون ذلك؟ وهل ما جرى من مفاسد لا تزيد على هذه المصالح المزعومة ؟!

     وأيضًا؛ فالله أعلم من الذين سيقومون بالتعويض عن هذه الخسائر؟- شاؤوا أم أَبَوْا - وذلك بسبب ما تقومون به من أمور تضيِّق على المسلمين، ولأسباب أخرى أيضًا؛ فوا أسفاه على فقهكم للواقع!!

وصدق من قال:

قل لمن يدَّعي في العلم  فلسـفة

                            حفظتَ شيئًا وغابتْ عنك أشياءُ

ومن قال:

وكُلُّ من يدَّعي ما ليس فيه

                               كذَّبتْـه شواهدُ  الامتحان

نظام العولمة لم يذهب

- الثالث: وعجبْتُ - وحُقَّ لي ذلك - من دعوى الكاتب أن نظام العولمة قد ذهب إلى غير رجعة!! فمتى ذهب نظام العولمة كما تَدَّعون؟ ومن أخبركم - إن كان قد ذهب - أن ذلك بسبب تحطيم ذلك المركز التجاري؟!

     إن هذا الكلام بهر كثيرًا من المخدوعين من المسلمين بهذه الزخارف، ونحن نشعر بشدة المؤنة، وزيادة الوطأة على المسلمين، وأنتم توهمون المساكين بأن هناك خسارة تُقدر بكذا، وأنكم حققتم مصالح تقدر  بكذا، وبقيت مصالح يُتوقع أن تبلغ كذا وكذا!! وعند الله تجتمع الخصوم!! وصدق من قال:

أحلامُ  ليلٍ أو كظلِّ  زائلٍ

                              إن اللبيب بمثلها لا يُخَدعُ

ما أصاب المسلمين في دينهم

- الرابع: إن هذه المصالح المزعومة لو سلمنا بتحققها؛ فهذا لا يساوي ما أصاب المسلمين في دينهم ودنياهم في بلد واحد؛ فكيف في بقية البلدان؟! ولوسلمنا بأن العملية الفلانية نجحت؛ فليس معنى ذلك أنكم على الحق؛ فتواصلون السير في ذلك؛ فإن هذه العمليات مخالفة لمنهج السلف وقواعد الشريعة، ومخالفة لفتوى أهل العلم، وما كان كذلك؛ فلا يُؤْمن أن يعود بفساد عظيم، والمسلمون يسيرون على قواعد شرعية، لاتجربة معينة، ثم يجعلونها قاعدة عامة، والله أعلم.

تنبيه

      لقد أطنبت في الجواب عن هذه الشبهة التي قبلها؛ لأن هناك من يغتر بهذه الأرقام الحسابية، ولا يرفع بقواعد السلف رأسًا؛ فرغبت في إثبات موافقة النقل للعقل، وأن النقل الصحيح لا يعارضه العقل الصريح؛ ولذلك - أيضًا - فقد أدخلتُ شبهاً عدة للجواب عنها؛ لأن كثيرًا من العوام وأشباههم يغترون بها، ويسْهل عليهم ترك الآية والحديث والقواعد الشرعية، ويصعب عليهم تجاوز هذه الشبهات الوهمية العاطفية، والله أعلم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك