رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني 23 ديسمبر، 2017 0 تعليق

رد الشبهات حول دور العلماء في بيان أخطاء الفرق المنحرفة – لماذا تتكلمون على أخطائنا، ولا تتكلمون على أخطاء الحكام مع كثرتها واشتهارها؟!

الطعن في أهل العلم والفضل مزلة خطيرة العاقبة، واتخاذ ذلك منهجا وديدنا من علامات البوار الظاهرة، وكثيرًا ما يكرر الغلاة حينما يجابَهون بأقوال العلماء المعاصرين الثقات التي تبين مناهجهم المنحرفة، بأن هؤلاء العلماء ما هم إلا علماء سلطان، وأذناب الطواغيت؛ فلا يعد قولهم ولا يؤخذ بأدلتهم، ونحن في هذه السلسلة سنذكر أهم الشبه التي يثيرها هؤلاء حول مواقف العلماء وأقوالهم في مناهج الفرق المنحرفة والرد عليها.

الشبهة الثانية

يقول أحدهم: لماذا تتكلمون على أخطائنا، ولا تتكلمون على أخطاء الحكام مع كثرتها واشتهارها؟!

- الجواب: نحن لا نخرج عن طريقة السلف -إن شاء الله تعالى- وموقف السلف معروف وهو الرد مفصلًا بعدل وإنصاف على أخطاء من ينتسب إلى العلم والدعوة إذا خالف جادة أهل السنة - على تفاصيل في ذلك - ولاسيما فيما تعم به البلوى، وبطون الكتب والمجلدات التي تئط لها الإبل تشهد بذلك!!

موقفهم تجاه الحكام

      الصبر على ظلمهم، مع نصحهم - إن أمكن- سرًّا، وعدم ذِكْر مثالبهم أمام الناس، والتعاون معهم في حدود نصرة الحق، والحذر من دنياهم وفتنتهم في الدين والدنيا، وكذا إذا أراد أحد أن يخرج على الحكام نَهوْه عن ذلك، ووجَّهوا الناس للاشتغال بما يستطيعونه وبما ينفعهم في الدارين، وخالفهم أهل البدع في ذلك - وذلك بعد استقرار الإجماع على المنع من الخروج - فلم يصبروا على ما رأوه من منكرات، وعَزَّ ذلك على نفوسهم؛ فسلوا سيوفهم، فعادوا على الأمة بِشَرٍّ، وتاريخ السلف شاهد بذلك.

ذم الخوارج

      ومن تأمل الأحاديث الواردة في ذم الخوارج، والتهييجِ على  قتالهم، وحَثِّ الناس على دَفْع شرهم، وعدم الاغترار بما عندهم من أعمال الخير، والتفصيل في أعمالهم وطريقتهم، حتى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم تحليقهم رؤوسهم؛ فمن تأمل هذا، وقارَنَ ذلك بالأحاديث الواردة في الصبر على أئمة الجور، وإن أخذوا الأموال، وضربوا الظهور، علم أن منهج السلف مأخوذ من الكتاب  المستبين، والسنة الثابتة، والإجماع المتيقن، ومن أجل ذلك كانوا وسطًا بين الفرق، فلو قارنا بين الحجاج بن يوسف، وبين بعض الخوارج، لرأينا تهتكا وفجورًا في الحجاج، وعبادة وزهدًا في ذاك الخارجي ومع  ذلك  فقد فرقت السنة في كيفية التعامل مع كل منهما، ومن كان على شاكلتهما، وليس ذلك من باب التزلف للحكام - كما يدعي بعضهم! ولكن ذلك لدرء المفاسد، والحفاظ على بقايا الخير والأمن والاستقرار، والله أعلم.

      وقد قال ابن بطال: «وفي هذا الحديث أيضًا حجة لما تقدم من ترك القيام على السلطان ولو جار؛ لأنه صلى الله عليه وسلم  أعلم أبا هريرة بأسماء هؤلاء وأسماء آبائهم، ولم يأمرهم بالخروج عليهم -مع إخباره أن هلاك الأمة على أيديهم- لكون الخروج أشد في الهلاك، وأقرب إلى الاستئصال من طاعتهم، فاختار أخف المفسدتين، وأيسر الأمرين».اهـ.

       فليس كل من كان من الحكام سببًا في إهلاك الأمة لزمنا أن نواجهه بالسيف؛ لأن المواجهة في الغالب تزيد الأمة هلاكًا، وبوجود الصبر مع النصح والاجتهاد فيما بقي من الدين، يرفع الله -عز وجل- البلاء {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ}؛ فلابد أن يُعْلَم أن الشرع هو الذي فرّق بين معاملة الحكام الظلمة، ومعاملة من خالف سبيل المؤمنين، وادعى أن ذلك من الدين!!

السني مُتَّبع وليس بمبتدع

     فالسني مُتَّبع، وليس بمبتدع، ومُقتدٍ، وليس بمبتدٍ، ومن ادعى أن الإنكار على الحكام الظلمة بالتهييج عليهم، وذِكْر معايبهم، ونشر ذلك بشتى الوسائل: أنه منهج السلف، وأن الأدلة تشهد له؛ فنقول له: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، ونقول له: {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، ونقول له: {اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}؛ فإن عجز فليتق الله، ولا يستغل عواطف العامة بنشرات إخبارية، وأدلة عاطفية، ويصرفهم بذلك عن الهدى والنور المنـزَّل إليهم من رب البرية، فإن استجاب لذلك، وإلا فعند الله تجتمع الخصوم.

      وقد قال شيخ الاسلام -رحمه الله تعالى- موضحًا أن السنة جاءت بالتفرقة بين معاملة الولاة الظلمة، وبين معاملة أهل الأهواء، فقال: «ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال الخوارج المبتدعين -مع كثرة صلاتهم، وصيامهم وقراءتهم- ونهى عن الخروج على أئمة الظلم، وأمر بالصبر عليهم».اهـ.

      وذكر -رحمه الله تعالى- الفرق في السنة بين من شرب الخمر من الصحابة، ونَهْي النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنه، وبين ما قاله في ذي الخويصرة أصل الخوارج، فتأمل.

بين المعصية والبدعة

      وقال -رحمه الله تعالى-: «ثم المعاصي التي يَعْرِف صاحبها أنه عاصٍ، يتوب منها، والمبتدع  الذي يظن أنه على حق، كالخوارج، والنواصب الذين نصبوا العداوة والحرب لجماعة المسلمين، فابتدعوا بدعة، وكَفَّروا من لم يوافقهم عليها، فصار بذلك ضررهم على المسلمين أعظم من ضرر الظلمة الذين يعلمون أن الظلم مُحرَّم، وإن كانت عقوبة أحدهم - يعني: المبتدعة- في الآخرة لأجل التأويل قد تكون أخف، لكن أَمَر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، ونهى عن قتال الأمراء الظلمة، وتواترت بذلك الأحاديث الصحيحة»اهـ.

      وقال -رحمه الله تعالى-: «والأقَلُّ ظلمًا ينبغي أن يعاون على الأكثر ظلمًا، فإن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، ومعرفة خير الخيرين، وشر الشرين، حتى يُقَدَّم عند التزاحم خير الخيرين، ويُدْفَع شر الشرين، ومعلوم أن شر الكفار، والمرتدين، والخوارج: أعظم من شر الظالم».اهـ.

لابد من البيان

       أضف إلى ذلك في الجواب عن هذه الشبهة: أنكم - أيها الشباب - تعدّون أخطاءكم شرعًا منـزَّلا ً، وتُربُّون الناس عليها، وتتهمون علماءنا ودعوتنا باتهامات جائرة، وتُحَذِّرون المسلمين من كبار العلماء؛ فلو سكتنا عن ذلك لوقع فساد عريض، ولَزَهَدَ الناس في العلماء، وإذا زهدوا في العلماء؛ فانتظر الساعة!! فلابد من البيان بالطريقة الشرعية، فلا إفراط ولا تفريط.

      وأيضًا؛ فهناك من يحاول بمكر ودهاء أن ينسب إلى دعوتنا ما منه براء؛ فتعيَّن البيان دفعًا للشر، وبراءة للأبرياء، وإن تعرضنا من الحكام إلى الظلم والابتلاء - فحسبنا الله ونعم الوكيل، ونسأل الله العافية، كما نسأله -سبحانه- أن يرحم ضعفنا وفقرنا وعجزنا، وأن يجبر كسرنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وشر كل ذي شر هو آخذ بناصيته.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك