رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني 17 يناير، 2018 0 تعليق

رد الشبهات حول دور العلماء في بيان أخطاء الفرق المنحرفة (5) هل التفجيرات والاغتيالات من الجهاد المشروع؟

ما زلنا في الحديث عن الشبهة الرابعة التي يقول أصحابها: إن الذل الذي أصاب الأمة بسبب ترك الجهاد، وقد قال صلى الله عليه وسلم : «إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلًا، لاينـزعه حتى ترجعوا إلى دينكم». أخرجه أبو داود، وإذا كان ذلك كذلك؛ فنحن نريد أن نعيد للأمة عزَّها، ونرفع عنها الذل، ولا يكون ذلك إلا بالجهاد؛ فلماذا تنكرون علينا؟!

دعوة كبار العلماء

     هذا، وقد ظهرت الآثار الحميدة لدعوة كبار العلماء في الأمة؛ فكشف الله بها الغمة، أما هؤلاء الشباب فشغلوا أنفسهم بأمر يعجزون عنه، وفرّط كثير منهم فيما يقدر عليه!! وبالغوا في أَمْرٍ تسلَّط بسببه أعداء الإسلام على المسلمين وعقيدتهم، وقصَّر كثير منهم فيما لو اشتغلوا به لأعز الله الإسلام وأهله!! وهذا جزاء من أعرض عن نصائح الأئمة الراسخين، وهَرْوَل وراء سراب الناشئين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!!

الذل الذي أصاب الأمة

      وأيضًا؛ فقد رتَّب النبي صلى الله عليه وسلم الذل الذي أصاب الأمة على أمور عدة ذكرها في الحديث، ومنها ترك الجهاد، وهذا يدلنا على أنهم تركوا الجهاد الذي هو فَرْضُ كفاية أو عين عليهم، وهم قادرون على ذلك، وأما نحن معشر المحبين للسنة، المتبعين لعلمائها، المناصرين للدين وحملته فلسنا قادرين على الجهاد -اليوم- للاختلاف والوهن في المسلمين من جهات شتى؛ فلم تكلفنا الشريعة إلا بما نقدر عليه، وإلا كان العنت والحرج في الدين، والشريعة مُنـزهة عن هذا كله، كما قال -تعالى-: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}، وقال -سبحانه-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقال -عزوجل-: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وقال -سبحانه وتعالى-: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا}، وقال -جل وعلا-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}،  إلى غير ذلك من أدلة في هذا المعنى، وهذا مجمع عليه بين أهل العلم، وقاعدة (المشقة تجلب التيسير) من القواعد الكلية الخمس من قواعد الفقه في الدين.

قتال النبي صلى الله عليه وسلم 

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: «وكان -يعني- النبي صلى الله عليه وسلم مأمورًا بالكف عن قتالهم، لعجزه وعجز المسلمين عن ذلك، ثم لما هاجر إلى المدينة، وصار له بها أعوان، أُذن له بالجهاد، ثم لما قَوَوْا؛ كُتب عليهم القتال، ولم يُكتب عليهم قتال من سالمهم؛ لأنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع الكفار، فلما فتح الله مكة، وانقطع قتال قريش وملوك العرب، ووفدت إليه وفود العرب بالإسلام؛ أمر الله -تعالى- بقتال الكفار كلهم إلا من كان له عهد  مؤقت، وأمره بنبذ العهود المطلقة؛ فكان الذي رفعه ونسخه ترك القتال».اهـ.

     وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمه الله تعالى-: «هذه الآيات تتضمن الأمر بالقتال في سبيل الله، وهذا كان بعد الهجرة إلى المدينة لما قوي المسلمون للقتال، أمرهم الله به بعدما كانوا مأمورين بكف   أيديهم»اهـ.

     وقال أيضًا: «لو فرض عليهم القتال - مع قلة عَددهم وعُددهم، وكثرة أعدائهم - لأدَّى ذلك إلى اضمحلال الإسلام، فَرُوعي جانب المصلحة العظمى على مادونها، ولغير ذلك من الحِكَم، وكان بعض المؤمنين يودُّون أن لو فُرضَ عليهم القتال في تلك الحال غير اللائق فيها ذلك، وإنما اللائق فيها القيام بما أُمروا به في ذلك الوقت من التوحيد، والصلاة، والزكاة، ونحو ذلك، كما قال -تعالى-: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}؛ فلما هاجروا إلى المدينة، وقوي الإسلام؛ كُتِب عليهم القتال في وقته المناسب لذلك».اهـ.   

لابد فيه من شروط

     وقال صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: «لابد فيه - أي: الجهاد - من شرط، وهو: أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال؛ فإن لم يكن لديهم قدرة؛ فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة؛ ولهذا لم يوجب الله -سبحانه وتعالى- على المسلمين القتال وهم في مكة؛ لأنهم عاجزون ضعفاء؛ فلما هاجروا إلى المدينة، وكَوَّنوا الدولة الإسلامية، وصار لهم شوكة، أَمرهم بالقتال، وعلى هذا فلابد من هذا الشرط، وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات؛ لأن جميع الواجبات يُشترط فيها  القدرة، لقوله -سبحانه وتعالى-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقوله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}.اهـ.

حتى تكون كلمة الله هي العليا.

     وقال أيضًا: «المهم أنه يجب على المسلمين الجهاد، حتى تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، لكن الآن ليس بأيدي المسلمين ما يستطيعون به جهاد الكفار، حتى ولو جهاد مدافعة، وجهاد المهاجمة ما في شك الآن غير ممكن، حتى يأتي الله بأمة واعية، تستعد إيمانيًّا ونفسيًّا، ثم عسكريًّا، أما نحن على هذا الوضع فلا يمكن أن نجاهد»اهـ. 

قلة البصيرة

     وقد أجاب بنحو هذا صاحب الفضيلة الشيخ الألباني -رحمه الله- رادًّا على بعض الشباب المتحمسين مع قلة البصيرة في هذا الباب؛ فكان مما قال لهم: «ثم كنتُ - ولا أزال - أقول لهؤلاء الذين يدندنون حول تكفير حكام المسلمين: هَبُوا أن هؤلاء كفارٌ كفْرَ رِدَّة، ماذا يمكن أن تعملوه ؟ هؤلاء الكفار احتلوا بلاد الإسلام، ونحن هنا -مع الأسف- ابتلينا باحتلال اليهود لفلسطين؛ فماذا نستطيع نحن وأنتم أن نعمل مع هؤلاء،حتى تستطيعوا أنتم مع الحكام الذين تظنون أنهم من الكفار؟».اهـ.

الجهاد بالنسبة للعاجز

     إذًا، فما بقي إلا جهاد القلب واللسان بالنسبة للعاجز عن جهاد  اليد، هذا مع السعي الحثيث للمِّ شعث الأمة، وتراص صفوفها، وإصلاح عقيدتها، وإعدادها ما أمرها الله به من قوة مادية ومعنوية، وكل ذلك بالرجوع إلى الراسخين في العلم، والعمل بتوجيهاتهم، وترك اجتهاداتنا لاجتهاداتهم، طالما أنه لم يثبت مخالفتهم لنص صريح، والله تعالى أعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X