رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 30 سبتمبر، 2019 0 تعليق

رحلة اللجوء الفلسطيني بعد ثمانية وستين عامًا – التوطين والتعويض أم حق العودة؟

 

وائل عبد الحميد المبحوح    المقال حاصل على المركز الخامس في مسابقة أفضل مقال في القضية الفلسطينية

فلسطين أرض مباركة مقدسة، هي مهد الرسالات السماوية، اختارها الله عزوجل دون غيرها ليبعث فيها معظم الرسل والأنبياء، وهي منتهى الإسراء ومبتدأ المعراج، فهي بوابة السماء، وهي أرض المحشر والمنشر، ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم بصفاتها الشريفة في مواضع عدة من أهمها: قول الله -تعالى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}. (الإسراء:1).

قضية اللجوء

     وتعد قضية اللجوء الفلسطيني من أهم القضايا التي عانى منها الفلسطينيون وتمثل المحور الذي تدور حوله القضية الفلسطينية التي وُصفت منذ لحظاتها الأولى بأنها قضية شعب انتُزع من أرضه وشُرد إلى جهات الأرض الأربع. وفضلا عن مسألة تعريف اللاجئ الفلسطيني فإن مسائل التعويض والتوطين وحق العودة تبقى أهمَّ مكونات هذا العنوان الكبير وعناصره.

نكبة فلسطين

     وتُشكل نكبة فلسطين عام 1948 أكبرَ عملية تنظيفٍ عرقيٍ في التاريخ الحديث وأشملَها، وأقدمَها (675 مدينة وقرية، تعدل 93% من مساحة فلسطين المغتصبة عام 1948، وما زالت مستمرة)، بل وأعتاهَا، وأكثرَها قسوة وبطشًا، وأشرسَها تحديًا للقانون الدولي، وأعمقَها عنصرية، فهي مبنيّةٌ في الأساس على الفصل العنصري، والنكبة كما يرى (سلمان أبو ستة): «هي أكبر زلزال في فلسطين، بل وفي العالمين العربي والإسلامي؛ إذ غيرت معالم إقليم الشرق الأوسط وحكوماته وأنظمته، وما زالت إلى يومنا هذا العنصر الثابت في الأزمات جميعها التي تلحق بالإقليم».

اثني عشر مليون فلسطيني

     خلّفت النكبة اليوم اثني عشر مليون فلسطيني تقريبًا، ثلاثة أرباعهم ما بين لاجئ ونازح ومبعد؛ حيث بلغ عـددُ الفلسطينيين المقدرُ فـي العالم نهاية عام 2013، (11.8) مليون فلسطيني؛ (4.5) مليون فـي فلسطين، وحوالي (1.4) مليون فلسطيني في (أراضي الـ48)، وما يقارب (5.2) مليون في الدول العربية ونحو (665) ألف في الدول الأجنبية.

سجلات وكالة الغوث

     وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن سجلات وكالة الغوث (الأونروا) تُشير إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها بتاريخ الأول من كانون الثاني عام 2014 نحو (5.4) مليون لاجئ وهذه الأرقام تمثل الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين، وقد شكل اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في الضفة الغربية والمسجلون لدى وكالة الغوث بداية العام 2014 ما نسبته 16.8% من إجمالي اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث مقابل (24.1%) في قطاع غزة. أما على مستوى الدول العربية، فقد بلغت نسبة اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة الغوث في الأردن (39.7%) من إجمالي اللاجئين الفلسطينيين في حين بلغت النسبة في لبنان (8.9%) وفي سوريا (10.5%). كما تشير البيانات لعام 2013 إلى أن نسبة السكان اللاجئين في فلسطين حوالي (41.2%) من مجمل السكان الفلسطينيين المقيمين في فلسطين، وتشير البيانات الى أن حوالي (26.1%) من السكان في الضفة الغربية لاجئون، في حين بلغت نسبة اللاجئين في قطاع غزة حوالي (65.3%).

531 مدينة وقرية

     جاء اللاجئون الفلسطينيون من (531) مدينة وقرية، وكانوا يشكلون (85%) من سكان الأرض التي أصبحت (إسرائيل)، وأرضهم تبلغ (92%) من مساحة (إسرائيل)، وهذا، بأي قياس، يُعد أكبرَ عملية تطهير عرقي مستمرة، وأتقنَها تخطيطًا في العصر الحديث.

وعد بلفور

     مثّل وعد (تصريح) بلفور الصادر في 02-11-1917 الحلقة العلنية الأولى في مسلسل التواطؤ البريطاني مع الحركة الصهيونية، الذي وجد لاحقًا تعبيرًا له حين جعل عصبة الأمم تتبنى وعد بلفور في 24-07-1922 في صك الانتداب البريطاني على فلسطين، ثم تمادت بحسب (إبراهيم العلي) في هذا الغِي حين أصدرت الكتاب الأبيض عام 1939 الذي وُضع على أساس وعد بلفور، ولم تكن الإجراءات التي اتخذتها بريطانيا فيما بعد إلا تكريسًا لذلك الوعد الذي لا أجد في وصفه أبلغ مما وصفه الكاتب اليهودي (آرثر كوستلر) بقوله: «إن أمةً وعدت أمةً ثانية بإعطائها وطن أمةٍ ثالثة»، وهو شبيه إلى حد كبير بالمقولة الفلسطينية الشهيرة: «وعدُ من لا يملكُ لمن لا يستحقُ». ومن بعدُ كانت السياسة الصهيونية في التعامل مع هذا الملف على قاعدة استيطانية إحلالية بعنوان (أرض أكثر وعرب أقل).

نمط حركة اللاجئين

     جدير بالإشارة هنا أن نمط حركة اللاجئين عندما طردوا في سنة 1948 يؤكد ارتباطهم بمكان منشئهم. فحين طُرد اللاجئون لبثوا منتظرين حول قراهم، ثم انتقلوا إلى القرى المجاورة الآمنة، وهكذا، ولم يتوجه أيٌّ منهم إلى مكان لجوئه النهائي اللهم إلا أولئك الذين سلكوا طريق البحر. هذا كله يدلل بحسب (سلمان أبو ستة) على أن النسيج الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني بقي على حاله إلى حد بعيد بعد النكبة ولاسيما من حيث الارتباطُ بمكان المنشأ، حتى إن الأطفال في المدارس كانوا يسجلون وفقًا لقرى منشئهم لا وفقًا لعناوينهم في مخيماتهم، فثمة مجتمع تحدى الإبادة الجغرافية وبقي سليمًا، ويجمع بين حالتي الألم والأمل في انتظار العودة التي يراها منذ اللحظة الأولى حقًا واجبًا بل مقدسًا وممكنًا أيضًا.

حق العودة

     إن حق العودة بالنسبة للفلسطينيين كافة حقٌ مقدسٌ. إنه جزء من ذاتهم، وقد دفع ذلك الأمر كاتبًا إسرائيليًا ذاهلًا هو (داني روبنشتاين) إلى تدوين الملاحظة التالية: «كل شعب في العالم يعيش في مكان، باستثناء الفلسطينيين، المكان يعيش فيهم»، وهو هنا يُعرب عن دهشته حيال إصرار الفلسطينيين وتعلقهم بديارهم، والوطن بالنسبة إليهم ليس فلسطين فقط، بل قرية أجدادهم، وليس حتى قرية أخرى تبعد عن قريتهم كيلومتر واحد فقط، وفي حين يبدو اهتمام الفلسطيني الخاص بتراثه وبتجميعه إياه انجذابًا طبيعيًا بالنسبة للفلسطينيين، فإنه ليس كذلك بالنسبة لمهاجر يهودي تكمن ثروته في دماغه، وحقيبة ملابسه، وكلاهما متحرك.

مقاصد الشريعة الإسلامية

     يؤصل (سامي الصلاحات) عند إخضاعه مسألة حق العودة لمنظور مقاصد الشريعة الإسلامية، بأن حق العودة حقٌ أساسي من حقوق الإنسان، كما أقرَّ ذلك القانون الدولي وهيئة الأمم المتحدة لكافة المواطنين الذين غادروا أوطانهم وديارهم بحقهم في العودة وقتما يشاؤون، وأنه في ظل الظروف الراهنة ولاسيما في ظل عروض التوطين والتعويض للاجئين الفلسطينيين، بمعنى أن تحصل العائلة الفلسطينية في المنفى على مبالغ تعويضية نظير تخليها عن حقها الشرعي في أرض فلسطين فإنه لا يجوز التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين لاعتبار مبدئي أنها أرض إسلامية، وهي وقف لأجيال المسلمين جميعهم، ولا يجوز عند علماء الإسلام التنازل عن أرض إسلامية للعدو مهما كانت الظروف، فحق اللاجئ لا يلغي الحق العام للمسلمين، وأن الحقَّ العامَ هو حقٌ خالصٌ لجميع المسلمين، والقاعدة الشرعية هنا «أنه لا يجوز لأحد أن يتصرف في مُلك الغير أو حقه بلا إذن».

الفتاوى الشرعية

     تجدر الإشارة هنا إلى صدور العديد من الفتاوى الشرعية التي تشير إلى حرمة التخلي عن حق اللاجئين الفلسطينيين، ومنها فتوى رابطة علماء فلسطين إذ جاء فيها: «إن عودة اللاجئين والنازحين والمهجرين إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم وممتلكاتهم التي هُجروا منها في فلسطين حقٌ شرعيٌ وتاريخيٌ، وهو حق أساسي من حقوق الإنسان كفلته الشرائع السماوية والمواثيق العالمية... كما أنه حق غير قابل للتصرف ولا يسقط بالتقادم ومرور الزمن، ونابعٌ من حق الملكية الخاصة التي لا تزول بالاعتداء أو الاحتلال، ولا يجوز النيابة أو التفويض أو التنازل عنه في إطار أي اتفاق أو معاهدة، وهو بالطبع لا يسقط أو يتأثر بإقامة دولة فلسطينية، فضلًا عن أنه حق متوارث يتوارثه الأحفاد والأبناء عن الآباء والأجداد...، وأما التعويض فهو ليس بديلًا بأي حال عن حق العودة، ولذا فإن القبول بالتعويض بدلًا عن حق العودة حرام شرعًا، وكل من يرضى بالتعويض بدلًا عن حق العودة يُعدُّ بائعًا لوطنه، وسيجني خزيًا وندامةً في الدنيا والآخرة».

خلاصة القول

     حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة لن يتحقق إلا إذا كانت تلك العودة إلى ديارهم الأصلية التي أُجبروا على الهجرة منها بقوة السلاح، بمعنى أن يكون الحديث هنا عن كامل فلسطين التاريخية وليس عن جزء من فلسطين التاريخية، على أنه يجوز لمن لا يرغب في العودة إلى دياره وقريته أو مدينته أن يختار إما العودة إلى الدولة الفلسطينية في حال إنشائها، أو يظل في مكان إقامته إذا رغب في ذلك، إلا أن ذلك لا يُفقده حقه في الحصول على تعويضات عادلة عن أملاكه، وعما أصابه من خسائر وأضرار مادية ومعنوية.

ويبقى سؤال الفلسطيني المُلِحُّ في كل وقت، يدق في كل قلب وعقل ووجدان، ويؤرق كلَّ من يعمل من أجل فلسطين. متى نعود؟

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك