رجاحة عقلك تسعفك أحياناً لا دوماً!
شخصية المرء هي نتاج معارف ومفاهيم ومعتقدات نحملها في أذهاننا تلتقي حتما مع مشاعرنا وأحاسيسنا فتصدر على هيئة سلوكيات نمارسها بجوارحنا، هذا هو الإنسان في حقيقته، فالمبادئ التي تحركنا دوما نحرص على تثبيتها، وبقوة المنطق والدين نرسخها، ونتحرك من خلالها، ولا نرضى لها بديلا في حياتنا، عندما تلتقي أساليب تفكيرنا المتوافقة مع منطق قناعاتنا، وعندما تلتقي مع مسارات مشاعرنا وإحساساتنا، فتلك هي نقطة انطلاق شخوصنا التي نعبر عنها بجوارحنا، ويبدو لنا لأول وهلة أن العقل وما يحمله من منطق التفكير السليم وما يحتويه من قيم ومبادئ ومثل هو المحرك لكل سلوكياتنا في الحياة، هكذا نحن نظن، ولكن العجيب في الأمر أن أمثال علمائنا الأقدمين: ابن عقيل وابن القيم وغيرهما ينبئوننا بغريبة من الغرائب التي لا نملك إلا أن نقف عندها متأملين متدبرين، رجاحة عقولنا مهما بلغ بها من شأن الحكمة والرشد لا تسعفنا دوما ولا تحمينا من ورطاتنا التي قد نقع بها حيارى في كيفية التصرف إزاءها، بدليل أننا ندرك أحكاما شرعية كثيرة ونوقن بها يقيناً راسخاً ولكننا نعجز في لحظات الصدمات الأولى من الحزن أو الألم أو حتى الفرح أن (نفرمل) سلوكياتنا في لحظتها، عند الفتنة مثلا: فتنة مال، أو فتنة امرأة، وفتنة حروب، تضيع العقول، وتضيع الرجاحة، وتضيع اللبابة، ويتلاشى عند كثير من الناس استحضار الدليل الشرعي، ولو استحضروه فلن يطبقوه ولو حملوا أنفسهم على تطبيقه فإن الهوى الحاد أو الميل القوي في منطقة الشعور يغالبهم فيغلبهم؛ لذا فرجاحة عقلك قد تسعفك أحياناً لا دوما؛ لذا يا عبدالله لا تعتد كثيرا بحصافة عقلك وإنما اجعل اعتدادك الحقيقي بحصانة مسارات مشاعرك، وتأكد دوما أن مع كل حكم شرعي أنت تدركه في عقلك أن قلبك موالٍ له أيما ولاء، ومغرم به أيما غرام، وتأكد دوما لا أحياناً أن إحساساتك وعواطفك ومشاعرك تدور حيث دار دين الله، وحيث دار أمر الله، تأكد -عزيزي القارئ- وراجع رسوخ شعورك في انتمائه لشرعة الله التفصيلية؛ فلا فائدة من كم العلم الشرعي الهائل الذي تحمله في عقلك، ولكن عندما تريده فإن هواك يدفعه عنك دفعا، وصدمات حياتك يطيش معها عقلك طيشاً فلا يعود عقلك دواءك، ولا يعود العلم الشرعي الذي صرفت له زهرة شبابك بمسعف لك، إذا أنت لم تصيّر وتسيّر وتحوّل كل مسارات واتجاهات وخطوات شعورياتك نحو هذا الذي تعقله وتدركه في عقلك. وماذا تفعل بعلم لا يقوى قلبك على تشرّبه تشرّبا؟! وما أنت فاعل بعلم لم تحمل نفسك التي بين جنبيك على ترجمته إلى عمل حتى لو استصعبته هذه التي بين جنبيك، حتى لو تثاقلت على تطبيقه؟! يقول علماؤنا الأجلاء: "هتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل"، ولن تقدر على حمل نفسك على تطبيقه ما لم يلتقِ عقلك مع قلبك وتصدقهما جوارحك.
لاتوجد تعليقات