ربع قرن على انطلاقة النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية
قبل 25 عاما انطلقت البداية الحقيقية للنظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية، تحديداً يوم الأحد 27/08/1412هـ الموافق 01/03/1992م في عهد خادم الحرمين الشرفين فهد بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية رحمه الله، وقد حدد النظام الأساسي البواعث التي دعت إلى استحداث هذا النظام بثلاثة أمور أساسية وهي: المصلحة العامة، وتطور الدولة، وتحقيق أهدافها.
تقسيمات النظام
وقُسم النظام الأساسي للحكم إلى تسعة أبواب متنوعة: فالباب (الأول) تكلم عن المبادئ العامة، والباب (الثاني) عن نظام الحكم، والباب (الثالث) عن مقومات المجتمع السعودي، والباب (الرابع) عن المبادئ الاقتصادية، والباب (الخامس) عن الحقوق والواجبات، والباب (السادس) عن سلطات الدولة، والباب (السابع) عن الشؤون المالية، والباب (الثامن) عن أجهزة الرقابة، والباب (التاسع) عن أحكام عامة.
المبادئ العامة
باب (المبادئ العامة) يتكون من (4) مواد (1-4)؛ حيث أكدت المادة (01) على البعد العربي والإسلامي للمملكة العربية السعودية، وأنها ذات سيادة تامة، وتستمد هذه السيادة من دينها الإسلام ومن كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويمثل بالنسبة لها الدستور الذي لا تحيد عنه دولة التوحيد، كما تعتز بلغة القرآن؛ لأنها لغتها. وفي المادة (02) عززت القيمة الفعلية للدين بأن عيدي الدولة هما عيد الفطر والأضحى، يقول سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: «إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة، لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح». كما أكدت المادة ذاتها على أن تقويمها هو التقويم الهجري، وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- بأنه «لا يجـوز للمسلمين التـأريخ بـالميلادي؛ لأنـه تشـبه بالنصارى، ومن شعائر دينهم، وعند المسلمين -والحمد لله- تاريخ يغنيهم عنه، ويربطهم بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو شرف عظيم لهـم، وإذا دعت الحاجة يجمع بينهما». وجاء في المادة ( 03) بيان لِعَلَمِ المملكة وهو متسق أيضا مع هويتها الإسلامية؛ فهو يحمل كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؛ وهو لهذا (ولا ينكس العلم أبداً)، اعتزازا بكلمة التوحيد قولا وعملا.
نظام الحكم
أما في الباب الثاني وهو نظام الحكم فقد تكون من أربع مواد (5-8)، فقد أكدت المادة (05) على ملكية النظام، وأنه في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ومع هذا فهو ليس نظاما وراثيا من الأب لابنه بل يبايع الأصلح منهم للحكم، وأساس هذه البيعة شرعية على كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . مصداقا لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، ولحديث النبي -صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وأكدت المادة (06) بعدا آخر للبيعة، وهو أن يبايع المواطنون الملك على كتاب الله وسنة رسوله وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، تماما كما جاء في الآيات والأحاديث الصحيحة.
أما المادة (07): فلم تدع أي مجال للشك في أن الحكم في المملكة العربية السعودية (يستمد سلطته من كتاب الله وسنة رسوله، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة). فقد جعل هذا النظام كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هما السلطة الأعلى، وليس فقوهما شيء، وتأكد هذا بالقول، وأنهما الحاكمان على النظام الأساسي للحكم، وجميع أنظمة الدولة. ولا أعتقد أنه يوجد صيغة تماثل هذه العبارات في أي دستور على وجه الأرض، تعطي كتاب الله وسنة رسوله هذه المكانة الرفيعة والعالية.
كما أكدت المادة (08) على أنه: (يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية). وهنا أيضا نجد أن ضوابط العدل والشورى والمساواة في الشريعة الإسلامية، مما يدل على عظم مكانة الشريعة في النظام ذاته وفي نفوس واضعيه ومطبقيه.
مقومات المجتمع السعودي
وفي الباب الثالث حول مقومات المجتمع السعودي تضمن (5 ) مواد (9-13) أكدت المادة (09) على أن: (الأسرة هي نواة المجتمع السعودي، ويربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر..)؛ مما يدل أن النظام حرص على بناء الأسرة التي هي نواة المجتمع على العقيدة الإسلامية، وهذا باب عظيم لكل المجالات التعليمية والإعلامية والاجتماعية أن تعمل فيه لخدمة العقيدة الإسلامية، تماما كما عززت المواد 10 و11 و12 و13 هذه المعاني الجليلة.
فقد جاء في المادة (10): (تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية..)، والمادة (11): (يقوم المجتمع السعودي على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله وتعاونهم على البر والتقوى..) والمادة (12): (تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام)، والمادة (13): (يهدف التعليم إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء..).
المبادئ الاقتصادية
وفي الباب الرابع (المبادئ الاقتصادية) الذي جاء في 9 مواد (14-22) أوضح في المادة (17): أن (الملكية ورأس المال والعمل مقومات أساسية في الكيان الاقتصادي والاجتماعي للمملكة، وهي حقوق خاصة تؤدي وظيفة اجتماعية وفق الشريعة الإسلامية)؛ مما يعزز التوافق في تأكيد أهمية الشريعة الإسلامية في كل المجالات الحياتية، كما حرص النظام على تنظيم ركن الزكاة في المادة (21): (تجبى الزكاة وتنفق في مصارفها الشرعية).
الحقوق والواجبات
أما في الباب الخامس: (الحقوق والواجبات) فقد تكون من (21) مادة (23-43)، فقد أكدت المادة (23)، وهي مادة عظيمة، ينبغي أن يفخر بها كل مسلم على عموما، وكل سعودي على خصوصا؛ بأن الدولة من أسمى واجباتها حماية العقيدة الإسلامية، وتطبيق الشريعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما تقوم بواجب الدعوة إلى الله، فأي دور أعظم من هذا الدور الذي حث عليه القرآن بقوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..}، وحثت عليه السنة الصحيحة بقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمَثَل قومٍ استهموا على سفينة، فصار بعضُهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استَقَوا من الماء مرُّوا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوا ونَجَوا جميعًا»؛ (رواه البخاري ومسلم)؟! فالدولة تقوم بكل هذه الواجبات فـتحمى الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف، وتنهي عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله.
أما المادة (24) فقد اهتمت بالحرمين الشريفين؛ فنصت على أن: (تقوم الدولة بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما.. وتوفر الأمن والرعاية لقاصديهما بما يمكن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة). وهي هنا تؤكد أن الدولة مسؤولة عن الحرمين الشريفين مسؤولية كاملة، كما أنها تعد أمن الحجاج والمعتمرين عنصراً أساسياً من النظام الأساسي للحكم.
وفي علاقة المملكة العربية السعودية بالدول العربية والإسلامية أيضا جعلتها في الإطار الشرعي من خلال الدعوة إلى التضامن وتوحيد الكلمة؛ تأكيدا لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}؛ فنصت المادة (25) أنه: (تحرص الدولة على تحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية في التضامن وتوحيد الكلمة..).
وفي مجال حقوق الإنسان حرص النظام الأساسي للحكم أن يكون وفق الشريعة الإسلامية نئيا عن الحريات والممارسات التي تكون بعيدة عن شريعتنا الغراء؛ فنصت المادة (26): (تحمى الدولة حقوق الإنسان..وفق الشريعة الإسلامية).
ودعت المادة (29) إلى الاعتناء بالتراث الإسلامي والعربي فنصت على أن:(ترعى الدولة العلوم والآداب والثقافة، وتعنى بتشجيع البحث العلمي، وتصون التراث الإسلامي والعربي، وتسهم في الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية).
كما بينت المادة (34) أن (الدفاع عن العقيدة الإسلامية، والمجتمع والوطن واجب على كل مواطن..) فجعلت مسؤولية الدفاع عن العقيدة الاسلامية مسؤولية كل فرد في المجتمع.
سلطات الدولة
وفي الباب السادس: المتكون من (28) مادة (44-71)، بين النظام الأساسي (سلطات الدولة)، وأنها ثلاث وفقا للمادة (44): السلطة القضائيةـ السلطة التنفيذيةـ السلطة التنظيمية. وفي المادة (45) حددت جهة الإفتاء بقولها: (مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية كتاب الله تعالى وسنة رسوله[..) تأكيدا على الأساس الذي بني عليه النظام الأساسي وهو الإسلام والشريعة الاسلامية. كما نصت المادة (46) على أن (القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية). فجعل الشريعة الإسلامية فوق أي سلطان في القضاء. وهذا ما أكدته المادة (48) في أن (تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة).
أما المادة (55) فقد حددت مهام الملك؛ فبينت: (يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقاً لأحكام الإسلام، ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة وحماية البلاد والدفاع عنها). فجعلت سياسة الملك للأمة -وهو أعلى سلطة في الحكم- سياسة شرعية، ولا تنفك أبدا عن تطبيق أحكام الإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية. وأيضا جعل هذا من مهمات نواب رئيس مجلس الوزراء، والوزراء الأعضاء بمجلس الوزراء؛ فنصت المادة (57): على أنهم (مسؤولون بالتضامن أمام الملك عن تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة).
ونصت المادة (67) على دور السلطة التنظيمية، وأيضا أكدت على تبني الشريعة الإسلامية في جميع أحوالها فكان نصها: (تختص السلطة التنظيمية بوضع الأنظمة واللوائح فيما يحقق المصلحة أو يرفع المفسدة في شؤون الدولة وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية، وتمارس اختصاصاتها وفقاً لهذا النظام ونظامي مجلس الوزراء ومجلس الشورى).
وتأصيلا للتوجيه الرباني بأن الشورى أساس في الحكم من قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى: 38) والآية التي قال الله -تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم فيها: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران: 159) أكدت المادة (68) على أن (ينشأ مجلس للشورى..).
لاتوجد تعليقات