رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 11 أبريل، 2017 0 تعليق

رابطة العالم الإسلامي تندد باستمرار المجازر ضد المدنيين- قتل الأطفال يخالف كل الشرائع السماوية

كان من أبرز أخلاق النبيصلى الله عليه وسلم في حروبه خُلق الرحمة؛ فلقد كان صلى الله عليه وسلم رحيمًا بالطفل الصغير، والشيخ الكبير، والنساء والمرضى والعواجز، وكان صلى الله عليه وسلم يوصي قادة الجند بالالتزام بأخلاق الحروب، وبالرحمة في المعاملات، ولم يكن يكتفي بذلك بل كان يأمر أوامر مباشرة بتجنُّب قتل الولدان، كما ذكر بريدة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذا أمّر أميرًا على جيشٍ أو سريّةٍ أوصاه في خاصّته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، وكان مما يقوله: «... ولا تقْتُلُوا ولِيدًا».

     وفي مشهد لم يراع تلك الأخلاق النبيلة التي دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد المشروع، بل تجاوز حتى أخلاق الجاهلية، ارتكب الطيران الحربي السوري فجر الثلاثاء الماضي مجزرة مروعة في مدينة خان شيخون جنوب إدلب، قتل فيها أكثر من 100 شخص جلهم من الأطفال والنساء خنقًا، إثر قصف بغازات سامة قالت مصادر إن أعراضها مشابهة لأعراض الإصابة بغاز السارين، وأكدت جميع المصادر الإعلامية المحلية والعربية والعالمية الموجودة في موقع الحدث أن معظم القتلى هم من الأطفال، إلى جانب أكثر من 400 مصاب، في حصيلة تستمر بالارتفاع نتيجة خطورة الحالات.

توقيت غادر

     وأكدت مراصد الفصائل أن طائرة من طراز سوخوي أقلعت الساعة 6.26 دقيقة فجرًا من مطار الشعيرات في حمص والأحوال الجوية الساكنة التي رافقتها, تشير بوضوح إلى أن الهجمة الكيماوية كانت مقصودة ومدبرة ومخطط لها، والصور التي تداولها نشطاء سوريون على وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال الذين تم قتلهم بصمت وهم نيام, إلى جانب صور أخرى لجثث أطفال من عائلة واحدة, ناهيك عن مشاهد خروج الرغوة من فم بعضهم، وعملية رش رجال الإنقاذ لأطفال شبه عرايا بالمياه وهم يتلوون على الأرض تشير إلى حجم الجريمة وبشاعتها التي ما زالت يرتكبها أمام سمع العالم وبصره , بل وبتواطؤ وضوء أخضر من الدول الكبرى التي ما زالت تزعم حتى الآن أنها حامية لحقوق الإنسان!!  

جريمة حرب

‎     من جهتها أدانت منظمة التعاون الإسلامي، بشدة، القصف الكيميائي الذي تعرضت له مدينة خان شيخون السورية، الثلاثاء، ونددت باستمرار سياسة المجازر التي ينتهجها النظام السوري ضد المدنيين، وطالب الأمين العام للمنظمة، يوسف بن أحمد العثيمين، في بيان، المجتمع الدولي بحماية السوريين على نحو عاجل، مندداً بـ«استمرار سياسة القتل والمجازر واستخدام القنابل والأسلحة المحظورة دولياً ضد المدنيين».

ترفضه الشرائع السماوية كافة

أدان الأزهر الشريف بشدة عمليات القصف التي تعرضت لها بلدة (خان شيخون) في مدينة إدلب السورية، التي أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا والمصابين من المدنيين بينهم أطفال جرَّاء هجوم وصفته وكالات الأنباء العالمية أنه بالغازات السامَّة، وأوضح الأزهر في بيان له، أنَّ المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام للضحايا ولاسيما من الأطفال تؤكد أن المواطنين يعانون من وضع إنساني مأساوي ترفضه كافة الشرائع السماوية والقوانين والمواثيق الدولية، داعيًا إلى سرعة إنقاذ المصابين وإغاثة المتضررين على نحو عاجل وسريع وإيصال المساعدات الإنسانية والطبية إلى المناطق التي تضررت جرَّاء القصف.

وطالب  الأزهر الشريف المجتمع الدولي بتحمُّل مسؤولياته في ضرورة الوصول إلى حل فوري لوقف أعمال القتال والتدمير في إدلب وغيرها من المدن السورية، والسعي قُدُمًا لوقف نزيف الدم السوري.

أين الإنسانية اليوم؟

لعلنا بعد هذا كله نتساءل أين الإنسانية مما يحدث لهؤلاء الأطفال الأبرياء؟ بل أين المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية من هذه الجرائم النكراء؟ بل أين العالم أجمع؟ أم أن ضميره قد مات؟

لقد ضرب لنا الإسلام أروع الأمثلة في الحفاظ على المبادئ الإنسانية، فالرحمة إحدى خصائصه الكبرى، وتشغل حيزًا كبيرًا في منطلقاته النظرية، وفي تطبيقاته العملية، وقد تجلى هذا المعنى حتى في الحروب التي من المفترض أن تغيب عنها مثل هذه المبادئ، إلا أن الإسلام تميز بسمو مبادئه فيها، وكان له قصب السبق في مراعاتها وهذا ما سنبينه من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في الحروب.

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في الحروب

     فمع أن أهداف القتال في الإسلام كلها نبيلة إلاّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن متشوِّقًا لحرب الناس؛ وذلك على الرغم من بدايتهم للعدوان، وعداوتهم الظاهرة للمسلمين؛ لذلك نرى ابن القيم -رحمه الله- يقول في زاد المعاد تحت عنوان الدعوة قبل القتال: «وكان صلى الله عليه وسلم يأْمُر أمير سريته أن يدعو عدُوّه قبل القتال إمّا إلى الإسلام والهجرة، أو إلى الإسلام دون الهجرة، ويكونون كأعراب المسلمين ليس لهم في الفيء نصيب، أو بذل الجزية، فإن هم أجابوا إليه قبِل منهم، وإلا استعان بالله وقاتلهم».

     وباستقراء سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في المعارك الحربية المختلفة، سواء ما فعله بنفسه صلى الله عليه وسلم ، أم ما كان يُوصِي به صحابته -رضوان الله عليهم- جميعًا في عملياتهم الحربية، تتّضح لنا ملامح منهج الأخلاق الرائع الذي طبّقه عمليًّا في حياته.

 

وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في الحروب

     إن المتأمل لحروب النبي صلى الله عليه وسلم مع أعدائه سواء من المشركين، أم اليهود، أم النصارى، ليجِد حُسن خُلقه صلى الله عليه وسلم وكمال الأخلاق ونُبل المقصد، فها هو ذا  صلى الله عليه وسلم يوصي عبد الرحمن بن عوف   رضي الله عنهعندما أرسله في شعبان سنة (6هـ) إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل؛ قائلاً: «اغْزُوا جمِيعًا فِي سبِيلِ اللهِ، فقاتِلُوا منْ كفر بِاللهِ، لا تغُلُّوا، ولا تغْدِرُوا، ‏ولا‏ ‏تُمثِّلُوا، ‏ولا تقْتُلُوا ولِيدًا، فهذا عهْدُ اللهِ وسِيرةُ نبِيِّهِ فِيكُمْ».

     وكذلك كانت وصيته صلى الله عليه وسلم للجيش المتّجه إلى معركة مؤتة؛ فقد أوصاهم صلى الله عليه وسلم قائلاً: «‏اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سبِيلِ اللّهِ، قاتِلُوا منْ كفر بِاللهِ، اغْزُوا ولا ‏تغُلُّوا، ‏ولا ‏تغْدِرُوا، ‏‏ولا ‏تمْثُلُوا، ‏ولا تقْتُلُوا ولِيدًا، أوِ امْرأةً، ولا كبِيرًا فانِيًا، ولا مُنْعزِلاً بِصوْمعةٍ.

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم في الحروب

     وكان إذا أخطأ المسلمون في حروبهم مع عدُوِّهم، وقتلوا أطفالاً صغارًا، كان ذلك يُغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ الغضب، ومثال ذلك ما رواه الأسود بن سريع رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سريّةً يوم حنين فقاتلوا المشركين، فأفضى بهم القتل إلى الذُّرِّيّة، فلمّا جاؤوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما حملكُمْ على قتْلِ الذُّرِّيّةِ؟» قالوا: يا رسول الله، إنّما كانوا أولاد المشركين. قال: «أو هلْ خِيارُكُمْ إِلاّ أوْلادُ الْمُشْرِكِين؟! والّذِي نفْسُ مُحمّدٍ بِيدِهِ ما مِنْ نسمةٍ تُولدُ إِلاّ على الْفِطْرةِ حتّى يُعْرِب عنْها لِسانُها».

     وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل النساء؛ فعن رباح بن ربيعٍ قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ، فرأى النّاس مجتمعين على شيءٍ؛ فبعث رجلاً فقال: «انْظُرْ: علام اجْتمع هؤُلاءِ؟» فجاء؛ فقال: على امرأةٍ قتيلٍ. فقال: «ما كانتْ هذِهِ لِتُقاتِل». قال: وعلى المقدِّمة خالد بن الوليد؛ فبعث رجلاً فقال: «قُلْ لِخالِدٍ: لا يقْتُلنّ امْرأةً ولا عسِيفًا، لا يقاتل من أكرهوا على القتال، ومن أخلاقه في الحروب أيضًا أنه كان يعذر أولئك الذين أُكرهوا على القتال، فقد روى ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه قُبيْل غزوة بدر: «إنِّي قدْ عرفْتُ أنّ رِجالاً مِنْ بنِي هاشِمٍ وغيْرِهِمْ قدْ أُخْرِجُوا كرْهًا، لا حاجة لهُمْ بِقِتالِنا، فمنْ لقِي مِنْكُمْ أحدًا مِنْ بنِي هاشِمٍ فلا يقْتُلْهُ، ومنْ لقِي أبا الْبخْترِيِّ بْن هِشامِ بْنِ الْحارِثِ بْنِ أسدٍ فلا يقْتُلْهُ، ومنْ لقِي الْعبّاس بْن عبْدِ الْمُطّلِبِ، عمّ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فلا يقْتُلْهُ فإِنّهُ إِنّما أُخْرِج مُسْتكْرهًا»، وفاء رسول الله في الحرب كما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على أن يغرس في نفوس الصحابة خُلق الوفاء في الحرب؛ فقد كان يودِّع السرايا موصِيًا إيّاهم: «... ولا تغْدِرُوا...".

التبرؤ من الغادرين

وقد وصلت أهمية الأمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتبرّأ من الغادرين ولو كانوا مسلمين، ولو كان المغدورُ به كافرًا؛ فقد قال النبيصلى الله عليه وسلم : «منْ أمّن رجُلاً على دمّهِ فقتلهُ، فأنا برِيءٌ مِن القاتِل، وإِنْ كان المقْتُولُ كافِرًا».

الحرص على حقن الدماء

     وكان صلى الله عليه وسلم حريصًا كل الحرص على حقن الدماء، فيقبل إسلام الشخص مهما كان تاريخه العدائي؛ ومن أمثلة ذلك ما رأيناه منه صلى الله عليه وسلم عندما أنكر على أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قتله لمشرك محارب بعد أن أعلن إسلامه، مع أن كل الظروف كانت تشير إلى أن المشرك لم يعلن إسلامه إلاّ تقِيّة! فقد روى الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثًا من المسلمين إلى قومٍ من المشركين، وأنهم التقوا، فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وأن رجلاً من المسلمين قصد غفلته قال -أي الراوي: وكنا نُحدّث أنه أسامة بن زيد- فلمّا رفع عليه السيف، قال: لا إله إلا الله. فقتله، فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله فأخبره، حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله فقال: «لِم قتلْته؟!» قال: يا رسول الله، أوْجع في المسلمين، وقتل فلانًا وفلانًا. وسمّى له نفرًا، وإني حملت عليه، فلمّا رأى السيف؛ قال: لا إله إلا الله. قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «أقتلْتهُ؟!» قال: نعم. قال: «فكيْف تصْنعُ بِلا إِله إِلاّ اللّهُ إِذا جاءتْ يوْم الْقِيامةِ؟!» قال: يا رسول الله، استغفر لي. قال: «وكيْف تصْنعُ بِلا إِله إِلاّ اللّهُ إِذا جاءتْ يوْم الْقِيامةِ؟» قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: «كيْف تصْنعُ بِلا إِله إِلاّ اللّهُ إِذا جاءتْ يوْم الْقِيامةِ؟

تعليم للأمة وتحذير

     لقد كان هذا تعليمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم للأُمّة كلها، وتحذيرًا شديدًا من القتل في غير محلِّه، بل هو في الوقت نفسه حِرْص شديد من النبي صلى الله عليه وسلم  على تفادي القتل عند أول فرصة تسنح بذلك؛ ممّا يؤكد لنا أن القتال في الإسلام إنما هو أمر لا يكون إلاّ عند الحاجة الماسّة إليه، ومتى وُجِدت أيّةُ فرصة للخروج من القتال وحفظ الدماء؛ كان الأخذ بها هو منهج الإسلام ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم  من هواة الحرب، بل كان ينأى عنها ما وجد إلى ذلك سبيلاً؛ ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض الإسلام أو الجزية أولاً، فإن أصرّ العدُوُّ على القتال، حارب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكنه لا يغلق باب المسالمة؛ فإن رغب العدُوُّ في الصلح حتى بعدما تظهر بشائر النصر للمسلمين.

العفو من شيمته

     ولم ينتقم النبي صلى الله عليه وسلم ، فيسفك الدماء، وينتهك الأعراض، وينهب الدُّور، بل العفو كان من شيمته صلى الله عليه وسلم في كل وقتٍ، وفي مواجهة كل عدُوٍّ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعفو عن الأفراد الذين لا يُقدِّمون كثيرًا ولا يُؤخِّرون في سير الأحداث فقط، بل كان يعفو عن شعوب كاملة، ومن أشهر مواقفه في هذا الصدد عفوه عن أهل مكة؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم لهم: «يا معْشر قُريْشٍ، إنّ الله قدْ أذْهب عنْكُمْ نخْوة الْجاهِلِيّةِ وتعظُّمها بِالآباءِ، النّاسُ مِنْ آدم وآدمُ مِنْ تُرابٍ». ثم تلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13). ثم قالصلى الله عليه وسلم  : «يا معْشر قُريْشٍ، ما تُروْن أنّي فاعِلٌ فِيكُمْ؟» قالوا: خيرًا، أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريمٍ. قال: «اذْهبُوا فأنْتُمُ الطّلقاءُ»، وهكذا كانت أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في حروبه وبعد حروبه، فما أروعها من أخلاق تدلُّ دلالة واضحة على صلته بربه الذي أدبه فأحسن تأديبه صلى الله عليه وسلم!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك